أعتقد أن أوروبا مصابة بالفصام وعسر القراءة عندما يتعلق الأمر بالطاقة.. تنص المادة ١٩٤ من معاهدة لشبونة على أن «أمن التوريد هو أحد مجالات تدخل الاتحاد»، وبالتالى فإن الاتحاد الأوروبى لديه الصلاحية للتعامل مع أمن وسلاسل التوريد، وهو موضوع مهم فى الوقت الحالى. إلا أن نصوص الاتحاد تقول فى الوقت نفسه: «هذا لا يؤثر على حق دولة عضو فى تحديد شروط استغلال مواردها من الطاقة واختيارها بين مواردها والهيكل العام لإمداداتها». لذا فإن سؤالى هو التالى: كيف يمكننا أن نذكر فى إحدى مواد معاهدة الاتحاد الأوروبى اختصاصًا، وفى نفس الوقت نترك للدول الأعضاء اختيار الإجراءات؟.. ما نعانى منه بشكل مزمن فى أوروبا هو أن الاتحاد وضع أدوات ومراكز لشراء الغاز ويعتقد أن المفوضية قد أنجزت المهمة. لكن فى نفس الوقت من يذهب إلى السعودية؟ من يذهب الى الجزائر؟ من يذهب إلى أى مكان آخر؟.. لا أحد من المفوضية، بينما ينتشر رؤساء الدول والحكومات «وليس مؤسسات بروكسل» كلٌ منهم لإدارة الاستجابات الوطنية، لذا فإن التنسيق الأوروبى يعانى من حقيقة أنه فى لحظة معينة، فإن أوروبا هى «فقط ما تريده الدول لها أن تكون». فى كثير من الأحيان، نحن الفرنسيين، لدينا رؤية يحتفظ بها جزء من الطبقة السياسية التى هى نوع من القوة الأوروبية الفوقية، فى هذه الحالة فيما يتعلق بالطاقة، فإن أوروبا الطاقة هى فقط ما نريدها أن تكون وبقوة كبيرة. السذاجة حول كيفية رؤية الشراكات الخارجية.
مسألة الغاز الروسى واستقلال الطاقة فى الاتحاد الأوروبي
كتبت مقالًا فى صحيفة لوموند فى بداية مارس ٢٠٢٢ دعوت فيه إلى دبلوماسية الطاقة الأوروبية، لكن من الواضح أنه حتى نهاية عام ٢٠٢١، كان الغاز يعتبر طاقة انتقال مثالية نحو أفق متجدد وبتفهم، لكون روسيا شريكًا تجاريًا عاديًا آنذاك، مثل الآخرين، يمكننا أن نتحاور ونتاجر معهم.
يا له من خطأ ألمانى، بالطبع، فيما يخص خط أنابيب الغاز نورد ستريم ٢، لكن دعونا لا ننسى أبدًا أنه على نفس خط أنابيب الغاز نورد ستريم ٢، كان هناك أيضًا مشغلون فرنسيون شركاء فى المشروع. وهذا يعنى، للأسف، أن قصر النظر الذى كان موجودًا فيما يتعلق بالهيمنة والنقطة التى سيطر فيها الروس على نظام الطاقة الأوروبى، كان مشتركًا. إنه يعيدنا إلى معارك الطاقة الكبرى وإلى أعمال جان مارى شوفالييه، ولا سيما «أطروحة صغيرة حول اقتصاد عنيف»، والتى أظهرت أن الطاقة لم تكن عالمًا من الرعاية والتى أظهرت أن الإمبراطورية البريطانية بنيت القرن التاسع عشر على الفحم. كانت قوة الهيمنة البريطانية على العالم هى الفحم. ثم كان القرن الأمريكى الشهير القرن العشرين قرنًا مبنيًا على النفط. واليوم، نلاحظ أن الديمقراطيات غير الليبرالية مثل روسيا أو الصين تنشئ، من خلال الطاقة على وجه الخصوص، نمطًا للهيمنة. تُباع محطات الفحم الصينية فى العديد من البلدان فى إفريقيا اليوم، على سبيل المثال. حتى أن التكنولوجيا الصينية حلت محل ما كان فى السابق الوجود الفرنسى فى العديد من الدول الأفريقية.
كيف تصعد المنحدر؟
السؤال هو كيفية العودة إلى المسار الصحيح مع الحلول الأوروبية المشتركة. بدأت بالحديث عن مواد معاهدة لشبونة الخاصة بالاتحاد الأوروبى. أعتقد أنه سيتعين علينا التحرك بسرعة نحو مراجعة المعاهدات، والنظر فى أن الطاقة، مثل الصحة، مثل الدفاع، يتم التعامل معها على الصعيد الدولى، وفى النهاية تصبح جزءًا من كفاءات المجتمع. علينا أن نوقف هذا الترقيع بحركات غير مقروءة تمامًا وغير مفهومة. لن ينجح هذا الوضع الحالى طالما لم يكن لدينا نهج قارى للموضوع فى مواجهة القوى التى لها اليوم ثقل كبير على الصعيدين المالى والسياسى.
معلومات عن الكاتب:
ميشيل ديرديفى.. شغل مناصب مختلفة فى قطاع الطاقة الفرنسى.. حاصل على دكتوراه فى القانون العام، يدرّس فى معهد الدراسات السياسية فى باريس وكلية أوروبا فى بروج. له مؤلفات عدة، منها التقرير المقدم لرئيس الجمهورية عام 2015 حول الطاقة وأوروبا، وكتاب «شبكات الكهرباء، ناقلات النموذج الأوروبى الخالى من الكربون».. ينضم إلى الحوار مشاركًا بهذا المقال عن مشكلة الطاقة فى القارة العجوز.
Le Dialogue بالعربي
ميشال ديرديفى يكتب: أوضاع متضاربة.. أوروبا مصابة بالفصام وصعوبة القراءة عندما يتعلق الأمر بأزمة الطاقة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق