الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

مكسيم تاندونيه يكتب: احتجاجات فرنسا.. تفكيك الديمقراطية فى البلاد.. مصدر الفوضى الاجتماعية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الديمقراطية تعتمد فى الأساس على التعامل مع صراعات المجتمع فى إطار النقاش الديمقراطى ومبدأ الأغلبية: البرلمان يصوت والأقلية تقبل حكم الأغلبية. وهذا المبدأ بالتأكيد ليس ضامنًا للسلم الأهلى ولكنه يساهم فيه، ومن خلال رفض التصويت فى الجمعية الوطنية «البرلمان الفرنسى» على إصلاح نظام التقاعد (بعد أن وعد الكثيرون بالالتزام به)، أدارت السلطة التنفيذية ظهرها له. تشير الحجج المستخدمة إلى اندفاع متهور نحو الخداع. إن الفكرة القائلة بأن هذا الإصلاح غير المهم على الإطلاق سيكون حتميًا لإنقاذ معاشات التقاعد والتوازنات المالية فى البلاد، لا تصمد أمام التحليل لثانية.
وبالفعل تلك الفكرة تقدم نفسها كواحدة من أسوأ الأكاذيب فى البلاد - منذ الإجراءات الصارمة للصحة العبثية مثل ممر التطعيم. ٦٤ عامًا ليسوا سوى شاشة فراغ فلكى وقطعة قماش حمراء لثور هائج (ماتادور). من خلال رفض التصويت الديمقراطى، باستخدام المادة ٤٩-٣، تحمى السلطة السياسية فى فرنسا نفسها، وهى محصورة فى برجها العاجى. إنها تتجنب مخاطر الهزيمة التى لن تعرض سمعتها للخطر ولكنها ستشوه صورتها أكثر من ذلك بقليل: لا تطاق فى نظرها فى عالم يسحق فيه الرضا عن النفس والغرور والغطرسة أى اعتبار آخر.
لكنها من ناحية أخرى تشجع وتغذى وتنشر العنف الفوضوى الذى ابتليت به البلاد وسمم حياتها اليومية. الهدوء من فوق، فى قصور ما يسمى خطأً «جمهورية»، يتم دفع ثمنها من الإذلال والفوضى والمعاناة من سكان هذا البلد. أما بالنسبة لحركة اللوم، ما لم تتفاجأ، فإنها تبدو وكأنها صفقة مطوية مقدمًا بفضل مناورات وراء الكواليس. نادرًا ما يكون انطباع طبقة صغيرة ترتب مصالحها على حساب الأمة عميقًا جدًا. نادرًا ما أعطى العالم السياسى مثل هذا الانطباع عن إنكار الديمقراطية والجبن والازدراء. هل هم على علم بذلك؟ هل يجب أن نرى فى كل هذا الغباء أو السخرية أم مزيجًا من الاثنين؟
 


أصل المشكلة هو التوقف عن السخرية من العالم!
فى إصلاح نظام التقاعد: إدوارد فيليب يحذر من «الجمود» ويدعو إلى «تحالف موسع». الرجل الذى يتحدث هكذا هو رئيس الوزراء السابق، الذى كان أحد قراراته الأولى بعد وصوله إلى ماتينيون «قصر مقر الحكومة» فى عام ٢٠١٧ هو الاستسلام فى لوار أتلانتيك والتخلى عن بناء مطار فى مواجهة العنف. ثم أشعل النار فى البلاد لأكثر من عام، مما أدى إلى حركة السترات الصفراء بضريبة الكربون الخاصة به، قبل أن يسحبها بشكل قاطع. لكن بعد فوات الأوان.. هو نفس الشخص الذى فرض القيودالوحشية والبيروقراطية على البلاد بحجزه وحظر التجول وحظر الغابات والشواطئ بحجة فيروس كورونا ١٩.
وكيف لا نشعر بالاشمئزاز فى الوقت الحالى من موجة الخدع التى عانت منها البلاد للتو بشأن إصلاح نظام التقاعد والشعار السياسي: هذا الإصلاح «حيوي» بالنسبة لفرنسا تنبعث منه رائحة الأكاذيب؟.
يكفى أن نفتح أعيننا لمدة ١٠ ثوانٍ لنلاحظ: هذا الإصلاح غير موجود على الإطلاق، فارغ، غير مهم، بصرف النظر عن بعض التنمر تجاه العمال اليدويين أو ذوى المؤهلات المنخفضة الذين بدأوا العمل قبل سن ٢١. المعنى الفريد لهذا الإصلاح هو الصراع بين الطبقة السياسية والدولة العميقة.
ليس هناك ما هو أسوأ من تمزيق البلاد مرة أخرى لمثل هذا الإصلاح الوهمى. السياسيون من جميع المناصب يبحثون عن بعضهم البعض: إصلاحات أم جمود؟ أى مستقبل للأحزاب؟ أى شكل من الحكومة؟ فى الواقع، الأمر ليس بهذا التعقيد: ابدأ بالتوقف عن الكذب على البلد وازدرائه. وهنا على أن أؤكد أنه حان الوقت للتوقف عن السخرية من المجتمع والناس.

معلومات عن الكاتب: 
مكسيم تاندونيه.. كاتب فرنسى فى عدة صحف ومواقع، منها صحيفة «لو فيجارو» وموقع «أتلانتيكو»، كتب مؤلفات عن السير الذاتية لشخصيات نافذة فى فرنسا، بالإضافة إلى كتاب يضم شهادته عن تجربته فى الإليزيه، بعنوان «فى قلب البركان».. بدأ حياته المهنية فى وزارة الخارجية كسكرتير أول بالسفارة الفرنسية فى السودان، ثم فى الإدارة المركزية للوزارة. عمل مع وزير داخلية نيكولا ساركوزى كمستشار للشؤون الداخلية وسياسة الهجرة واندماج السكان من أصل أجنبى.. ثم انتقل إلى الإليزيه من عام 2007 حتى أغسطس 2011، ينضم للحوار بهذا المقال الذى يتناول فيه احتجاجات الشارع الفرنسى.