المَسِيحُ عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ ويُعرف أيضًا باسم «عيسو» بالعبرية القديمة وبـ«يشوع» بالعبرية المعاصرة وبـ«يسوع» في العهد الجديد، هو رسول الله والمسيح في الإسلام، ويعتبر من أولي العزم من الرسل، أُرسل ليقود بني إسرائيل إلى كتاب مقدس جديد وهو الإنجيل، ويُفضل المسلمون إضافة عبارة «عليه السلام» بعد اسمه ككل الأنبياء توقيرًا.. في الوقت الذي يدير فيه الدكتور عبد الرحيم علي والبوابة الحوار بين الشرق والغرب وإصدار مجلة وموقع لو ديا لوج، وإذا مارحلنا إلي الغرب
ستطالع أعيننا وتسمع آذاننا كلمات ليست أقل جمالًا وأروع رقة، سطرها شعراء وأدباء الغرب المسيحيون فى حق رسول الإسلام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء الشاعر الفرنسى الشهير «لا مارتين»، ويصف دراسته لحياة رسول الإسلام محمد بن عبدالله بأنها: "أعظم حدث فى حياتى هو أننى درست حياة رسول الإسلام محمد دراسة واعية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود.. إن الرسول والخطيب والمشرع والفاتح ومصلح العقائد الأخرى الذى أسس عبادة غير قائمة على تقديس الصور هو محمد، لقد هدم الرسول المعتقدات التى تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق".
بوشكين
ويعتبر الشاعر الروسى الشهير «بوشكين»، أن حادثة شق صدر رسول الإسلام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وهو صغير فى بادية بنى سعد، بداية النور الذى بدد ظلمات القلوب، حين يقول: «شق الصدر، ونزع منه القلب، وغسلته الملائكة، ثم أُثبت مكانه.. قم أيها النبى وطف العالم، وأشعل النور فى قلوب الناس".
من الشعراء الغربيين إلي العرب
يرجع بعض النقاد الأسباب التى أدت بالشعراء المسيحيين العرب، إلى نظم قصائد يمتدحون فيها رسول الإسلام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، إلى أنهم يهدفون إلى إبراز القيمة الإيجابية للموروث الثقافى والوطنى والتاريخى المشترك منذ مئات السنين، الذى يربط المسلمين بالمسيحيين، وحتي يتم إغلاق أبواب الاستقطاب الطائفى الذى يعمل البعض جاهدًا لإيقاع قطبى الأمة فيه، كان دافعًا قويًا لنظم هذه القصائد، والجانب الثالث وهو الأهم، أنهم سعوا للتعبير عن مشاعر جياشة وقعت فى صدورهم تجاه رسول الإسلام (ص)، وأرداوا الإفصاح عنها كمواطنين عرب بعيدًا عن أى انتماءات دينية.
قصائد ومديح
الكاتب ماجد الحكواتى جمع فى كتابين، مجموعة كبيرة من القصائد والنصوص الشعرية التى ألقاها شعراء مسيحيون فى ساحة المدح النبوى، يحمل الكتاب الأول عنوان «شعراء النصارى العرب والإسلام»، أما الكتاب الثانى فقد جمعت فيه قصائد أخرى لشعراء مسيحيين مصحوبة بدراسات نقدية أعدها وقدمها محمد عبدالشافى القوصى، تحت عنوان "محمد فى شعر النصارى العرب".
وترسم لنا القصائد الشعرية التى ورد ذكرها فى الكتابين، صورة واضحة للتسامح والسلام الذى عاشه المسلمون والمسيحيون فى هذه الفترة، وإن كان معظم الشعراء المسيحيين الذين وضعت قصائدهم فى الكتابين، ينتمون إلى سوريا ولبنان، وأنهم من شعراء العصر الحديث، إلا أن هذا لم يمنع البعض من تعميم الصورة على شتى أنحاء الوطن العرب.
كما ألقى الكاتب محمد عبدالشافى القوصى، فى الفصل الأخير من كتابه «محمد مشتهى الأمم»، الذى جاء بعنوان «فى عالم الجمال»، الضوء على ٢٠ شاعرًا مسيحيًا، مدحوا رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، بقصائد ومطولات شعرية مثل: حليم دموس، والشاعر القروى، وخليل مطران، وإلياس قنصل، وشبلى شميل، وعبدالله يوركى حلاق، وجاك صبرى شماس، وإلياس فرحات، وجورج صيدح، ورياض المعلوف، وشبلى ملاط، وجورج سلسلمى، وميخائيل ويردى، الذى مدح الرسول بعدة قصائد أشهرها القصيدة التى عارض فيها نهج البردة لأمير الشعراء شوقى.
نبع المحبة الروحية
وبحسب دراسة أعدها الدكتور خالد فهمى، أستاذ النقد والأدب بجامعة المنوفية، ونشرت فى مجلة الأزهر فى عام ٢٠١٢، فإن مدح الشعراء المسيحيين للنبى محمد صلى الله عليه وسلم، لم يكن فيه أى تملق أو مداهنة، فقد خرجت كلماتهم من نبع مملوء بالحب الخالص والمجرد من أى أهداف سوى نشر المحبة والسلام، وتزكية روح التسامح بين جميع البشر بعيدًا عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية، واللافت للنظر - والكلام لـ«فهمى» - أن مدح المسيحيين بشكل خاص للنبى الكريم (ص)، خرج من مديح إيمانى مغلق يختص بالمسلمين إلى آفاق رمزية عالمية برعوا فيها؛ حيث أكدوا أن نبى الإسلام مصلح وقائد ورمز عالمى.
وأشار خالد جودة، الباحث فى تاريخ المدائح النبوية، إلى أن «المسيحيين هم أبناء الحضارة العربية الإسلامية، وقالوا أشعارهم فى مدح رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، من هذا المنظور الحضارى»، مؤكدًا أنه أعد بحثًا فى عام ٢٠٠٤، عن المدائح والسمات النبوية فى مجموعة من القصائد الشعرية القديمة والحديثة التى ألقاها شعراء مسيحيون فى هذا الجانب، قائلًا: «وضح لى أن العصر الحديث خرج بالمديح النبوى من كونه ينصب على مدح النبى صلى الله عليه وسلم، بتعداد صفاته الخلقية والخلقية وإظهار الشوق له ولمبادئه والصلاة عليه تقديرا وتعظيما، إلى البحث عنه كمنقذ لحل مشكلات العالم وطريق علاج لها».
من القلب للقلب
وبالغوص فى أعماق الشعراء المسيحيين الذين مدحوا المصطفى صلى الله عليه وسلم، نجدهم يؤكدون أن قصائدهم خرجت من القلب وتهدف لخدمة «العروبة»، الوطن الواحد الذى يستظل بسمائه الجميع، فهذا الشاعر السورى جاك شماس، المولود فى عام ١٩٤٧ ميلادية، يجيب عن سؤال طرحه على نفسه قبل أن يطلع عليه العامة: لماذا أتحدث عن رسول الإسلام محمد؟، وبيقين راسخ يجيب «شماس»، قائلًا: "إنه حديث من شغاف القلب.. لا يأخذ منحنى آخر سوى خدمة وطنى وعروبتى".
وفى معرض حديثه عن قصيدته «خاتم الرسل» التى تقدم بها فى عام ٢٠١٠، لمسابقة «البردة النبوية» التى تنظمها وزارة الثقافة الإماراتية، يقول «شماس»: «أنا ثقافتى عربية إسلامية، وإذا مدحت رسول الإسلام محمدًا، فذلك لأنى أحبه»، متسائلًا: «كيف لا أحب إنسانًا بهذا المستوى النبيل من الإنسانية والخلق؟، وأضاف: "لقد نشر محمد، عقيدة جميلة ونبيلة تدعو إلى الإنسانية، وثقافتنا العربية الإسلامية تدفعنا إلى حب هذا النموذج الرائع، ولقد كتبت هذه القصيدة لأعبر بها عن حبى لهذا الرجل ولم يكن هدفى أبدًا نيل جائزة المسابقة، والدليل على ذلك أنى كتبت أبياتها قبل الإعلان عن موعد أو شروط هذه المسابقة بزمن بعيد".
ونلمس صدق مشاعر «شماس»، حين نقرأ أبياته التى تنم عن ثناء فائق الإبداع ألقى به فى ساحة المدح النبوى قائلا:
يممت طه المرسل الروحانى
ويجل طه الشاعـر النصرانـى
ماذا أسطر فـى نبـوغ محمـد
أنا يا محمد من سلالـة يعـرب
أهـواك ديـن محـبـة وتـفـان
وأذود عنـك مولـهـًا ومتيـمـًا
حتى ولو أجـزى بقطـع لسانـى
أكبرت شأوك فى فصيـح بلاغتـى
وشغاف قلبـى مهجتـى وبيانـى
وأرتل الأشعار فـى شمـم النـدى
دين تجلى فـى شـذى الغفـران
وتسامـح يزهـو ببـرد فضيلـة
وشمائـل تشـدو بسيـب أغـان
أغدقت للعـرب النصـارى عـزة
ومكانـة ترقـى لـشـم مـعـان
وزرعت فى قلب الرعيـة حكمـة
شماء تنطق فـى نـدى الوجـدان
أودعت يمنك فى حدائـق مقلتـى
ووشمت مجدك فى شغاف جنـان
ونذرت روحـى للعروبـة هائمـًا
بالضـاد والإنجـيـل والـقـرآن
ونقشت خلق محمد بمشاعـرى
ودرجت أرشف كوثـر الرحمـن
وشتلت فى دوح التآخـى أحرفـى
أختال زهـوًا فـى بنـى قحطـان
آخيت فاطمة العروبة فى دمـى
وعفاف مريم فى فـؤاد كيانـى
ولئـن تغطـرس أجنبـى حاقـد
كفقاعة الصابـون فـى الفنجـان
وإذا قرأتـم للـرسـول تحـيـة
فلتقـرءوه تحـيـة النصـرانـى
مهما مدحتـك يا رسـول فإنكـم
فوق المديح وفـوق كـل بيانـى.
البردة
واللافت للنظر أنه فى نفس عام ٢٠١٠، الذى نظمت فيه مسابقة «البردة النبوية» بدولة الإمارات، فإن الشاعر المسيحى المصرى سعد جرجس، فاز بجائزة خاصة من لجنة التحكيم، بعد أن حازت القصيدة التى نظمها كواحدة من أفضل القصائد التى قيلت فى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم (سوف ننشر في حلقة قادمة مانشره الشعراء المصريون المسيحيون في مدح الرسو علية الصلاة والسلام). ويسهب الشاعر السورى إلياس قنصل، الذى عاش بين عامى ١٩١٤ و١٩٨١ ميلادية، فى أبياته متحدثًا عن صفات نبى الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، قائلا:
يقابل بالصبر الجميل ضغائنا
تمادى بها وعد بسب ويثلب
ويعفو عن الأسرى وكان
وعيدهم بما فى نواياهم من الثأر يلهب
إذا جاءه الملهوف فهو له
أخ وإن جاءه المحروم فهو له أب
صفات نبى أحسن الله خلقه
نفوس الورى من رفدها تتهذب.
مشاعر جياشة
وعلى الدرب ذاته، يسير الشاعر السورى جورج سلستى، الذى عاش بين عامى ١٩٠٩ و١٩٦٨ ميلادية، لينظم قصيدة سماها «نجوى الرسول الأعظم»، أفاض فيها بمشاعره الجياشة التى تملكت قلبه تجاه رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم:
أقبلت كالفجر وضاح الأسارير
يفيض وجهك بالنعماء والنور
على جبينك فجر الحق منبلج
وفى يديك مقاليد المقادير
أطلعت من هامت الدنيا بطلعته
ونافست فيه حتى موئل الحور
أطلعت أكرم خلق الله كلهم
وخاتم الرسل الصيد المغاوير
بوركت أرضًا تبث الطهر تربتها
كالطيب بثته أفواه القوارير
الدين ما زال يزكو فى مرابعها
والنبل ما انفك فيها جد موفور
فذاك افتخارًا على الأكوان قاطبة
بما حبوت الورى يا بيد من نور
يا سيدى يا رسول الله معذرةً
إذا كبا فيك تبيانى وتعبيرى
ماذا أوفيك من حقٍ وتكرمةٍ
وأنت تعلو مدى ظنى وتقديرى
واكلا - عليك صلاة الله - أمتنا
حياك ربك حتى نفخة الصور.
ولم يخش الشاعر السورى وصفى قرنفلى، الذى عاش بين عامى ١٩١١ و١٩٧٨ ميلادية، توجيه نقد له، أو أن تثار ضده حرب تطال كل شىء فى حياته حين وصف محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، بـ«منقذ الشرق»، فى أبياته التى عبرت حروفها عن شهادة حق قالها مواطن عربى فى حق رسول الإسلام.
أو ليس الرسول منقذ هذا الشرق
من ظلمة الهوى والهوان
أفكنا لولا الرسول سوى
العبدان بئست معيشة العبدان.
وما زلنا فى دمشق نتريض فى بساتين المحبة الإنسانية، التى أهداها لنا الشاعر جورج صيدح، الذى عاش بين عامى ١٨٩٣ و١٩٧٨ ميلادية، مطالبين معه باقى أفراد أمتنا العربية بأن يكون لهم فى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسوة حسنة حتى نخرج من غياهب التردى الذى أدخلنا فيه أنفسنا:
يا صاحبى بأى آلاء النبى تكذبان؟
يا من سريت على البراق وجزت أشواط العنان
آن الأوان لأن تجدد ليلة المعراج آن
ويدخل الشاعر السكندرى السورى الأصل ميشال مغربى، ميدان المديح النبوى، مهديًا رسول الإسلام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، أبيات رائعة فى ذكرى الاحتفال بمولده:
لا عيد للعرب إلا وهو سيده
ما دارت الأرض حول الشمس دورتها
هى العروبة لا ينهد حائطها
يا صاحب العيد يا من فى موالده
إن كان للغرب عرفان وفلسفة
وإذا ما ذهبنا إلى لبنان، فسيشنف آذاننا الشاعر إلياس فرحات، الذى عاش بين عامى ١٨٩٣ و١٩٧٦ ميلادية، بأبيات يخاطب فيها رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وكأنه يشكو له فيها ما ألم بالأمة العربية من تخبط وتخلف عن باقى الأمم، ويطلب منه مددًا يخرجنا مما نحن فيه، قائلًا:
يا رسول الله إنا أمة زجها التضليل فى أعمق هوة
ذلك الجهل الذى حاربته لم يزل يظهر للشرق عتوه
وما زالت نسائم عشق الشعراء المسيحيين اللبنانين لرسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، تنعشنا؛ حيث نرقى مع الشاعر اللبنانى حليم دموس، المتوفى فى عام ١٩٥٧ ميلادية، إلى أعلى درجات المحبة الإنسانية المجردة من أى ميول، حين يمتدح النبى الكريم قائلًا:
أمحمد والمجد بعض صفاته
مجدت فى تعليمك الأديانا
إنى مسيحى أحب محمدا
وأراه فى فلك العلا عنوانها.
نسائم العطر
وتأبى خطانا أن تغادر لبنان، دون أن نذوب فى نسائم العطر الشذى الذى تهديه لنا أبيات شاعر القطرين اللبنانى خليل مطران، الذى عاش بين عامى ١٨٧٢ و١٩٤٩ ميلادية، التى نستشف منها أثر رسول الإسلام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، فى محاربة الجهل والشرك وإقامة العدل والإحسان إلى أهل الكتاب؛ حيث يقول:
بأى حلم مبيد الجهل عن ثقة
وأى عزم مذل القادة الصيد
أعاد ذاك الفتى الأمى أمنه
شملا جميعا من الغر الأماجيد
وزاد فى الأرض تمهيدا لدعوته
بعهده للمسيحيين واليهود.
أما الشاعر اللبنانى محبوب الخورى الشرتونى، الذى عاش بين عامى ١٨٨٥ و١٩٣١ ميلادية، فيرقى بنا فى قصيدته «عرب الحجاز.. تحية وسلام»، داحرًا الفتن التى يحاول البعض دسها بين المسلمين والمسيحيين، معلنًا للجميع أن العرب جميعًا أهل وأشقاء دون النظر إلى الديانة، ومطفئًا جزوة الصراع الطائفى الذى يسعى البعض لإبقائه مشتعلًا:
قالوا تحب العرب.. قلت أحبهم
يقضى الجوار علىَّ والأرحام
قالوا لقد بخلوا عليك.. أجبتهم
أهلى وإن بخلوا علىَّ كرام
قالوا الديانة.. قلت جيل زائل
ويزول معه حزازة وخصام
ومحمد بطل البرية كلها
هو للعرب أجمعين إمام.
عيد البرية
ويصف الشاعر اللبنانى رشيد خورى، المعروف بـ«الشاعر القروى» الذى عاش بين عامى ١٨٨٧ و١٩٨٤ ميلادية، مولد رسول الإسلام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، بـ«عيد البرية»، ناظمًا فى هذا الجانب قصيدة حملت نفس العنوان، قال فيها:
عيد البرية عيد المولد النبوى
فى المشرقين له والمغربين دوى
عيد النبى ابن عبدالله من طلعت
شمس الهداية من قرآنه العلوى
يا قوم هذا مسيحى يذكركم
لا ينهض الشرق إلا حبنا الأخوى
فإن ذكرتم رسول الله تكرمة
فبلغوه سلام الشاعر القرى.
أما الشاعر اللبنانى شبلى شميل، الذى عاش بين عامى ١٨٥٣ و١٩١٧ ميلادية، وعرف بنبوغه فى الشعر والفلسفة، فقد رحل بحروفه ممتدحًا عظمة رسول الإسلام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، معلنًا إعجابه بفصاحة القرآن حتى ولو كان مسيحيا لا يدين بالإسلام:
إنى وإن أك قد كفرت بدينه
هل أكفرن بمحكم الآيات؟
نعم المدبر والحكيم وإنه
رب الفصاحة ومصطفى الكلمات.
وما دمنا فى لبنان فلا يعقل أن نغفل تلك الأبيات التى نظمها واحد من أبرز شعراء النصف الأول من القرن العشرين، وهو الشاعر الكبير شلبى الملاط، المعروف بـ«شاعر الأرز»، الذى عاش بين عامى ١٨٧٨ و١٩٦١ ميلادية، ويقول فيها:
من للزمان بمثل فضل محمد
رفع الرسول عماد أُمة يعرب
وأعزها بالأهل والأصحاب
وهذا الشاعر يوسف البقاعين، الذى تعود جذور عائلته إلى منطقة البقاع، يؤكد أن مسيحيته لا تمنعه من القيام بواجبه فى معرض إحياء ذكرى مولد النبى العربى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، ناظمًا فى هذا الجانب قصيدة أسماها «أمة التوحيد» نذكر منها:
عاش ابن عبدالله فى كل الورى
أحيا بمولده الشعوب فردهم
يا هاديا نهج السبيل وهاجرا
يا مشعلا فوق المآذن عاليا
ولقد نبذت الشرك فى طرق الردى
هذا كتاب الله فيما بيننا
معارضة البردة
لم يكتفِ الشعراء المسيحيون بنظم أبيات يمدحون فيها رسول الإسلام محمدًا صلى الله عليه وسلم فقط، وإنما تجاوزوا تلك المرحلة ليعارض الشاعر السورى ميخائيل خير الله ويردى، المتوفى فى عام ١٩٤٥ ميلادية، قصيدة «نهج البردة» لأمير الشعراء أحمد شوقى، مهديًا للإنسانية بكل انتماءاتها الدينية جملة أبيات أقل ما توصف به أنها بالغة الرقة والجمال:
أنوار هادى الورى فى كعبة الحرم
فاضت على ذكر جيرانٍ بذى سلم
يا أيها المصطفى الميمون طالعه
قد أطلع الله منك النور للظّلم
صلى الإله على ذكراك ممتدحًا
حتى تؤم صلاة البعث بالأمم
ودينُك نعمةٌ فى الكون أضاءت فنوَّرَت النواحى المظلمات
جبران والرسولص
حين يكتب «جبران» عن نبيِّه تتجسَّد القِيَم والمعاني الإنسانية التي تسمو بنفسها على أيِّ دينٍ أو عِرقٍ أو لون؛ إنها الإنسانية في أبهى صورها
لا شكَّ أن كتاب «النبي» هو دُرَّةُ ما كتبه «جبران خليل جبران»، وخلاصةُ ما توصَّلَ إليه، وعصارةُ تجارِبه الذاتية ونظرته الحياتية؛ فقد ضمَّنَه كلَّ آرائه في الحياةِ والموت، الطعامِ والشراب، الحبِّ والزواج، وغيرها؛ لذا فقد اعتبره جبران «ولادتَه الثانية» التي ظلَّ ينتظرها ألف عام. ويسرد جبران آراءَه على لسان الحكيم "المصطفى" في أبهي لسان وأجمل بيان.
وفى الكتاب يخبر الرجل الحكيم "مصطفى" (يقصد به النبي حيث أن مصطفي اسم من أسمائه) أهل المدينة كل ما يتعلق بحياة الإنسان وعلاقته مع الآخرين، فكلمهم فى الحب والزواج والبيوت والثياب والبيع والشراء، والجريمة والعقاب والقوانين والحرية، والعقل والعاطفة، والدين والأخلاق، والكلام والزمن والخير والشر، والألم والتعليم والصداقة، والجمال والكرم. فيقول عن الحب:
إذا أومأ الحب إليكم فاتبعوه، وإن كان وعر المسالك، زلق المنحدر
وإذا بسط عليكم جناحيه فأسلموا له القياد، وإن جرحكم سيفه المستور بين قوادمه.
وإذا حدثكم فصدقوه، وإن كان لصوته أن يعصف بأحلامكم كما تعصف ريح الشمال بالبستان.
آراء حرة
من الشرق والغرب.. شعراء مسيحيون مدحوا الرسول عليه الصلاة والسلام
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق