للعقيدة الإسلامية أثر بالغ في نفوس معتنقيها لسماحتها وملائمتها للنفس البشرية، وهو الذي انعكس بشكل كبير على الفنون في شتى مجالاتها، كان أبرزها العمارة الإسلامية، حيث سجلت عبر التاريخ صورة صادقة للفنان المصري ومهارته، ولعل جدران المساجد ومنابرها أبرز دليلاً على دقة وحرفية الصانع والفنان المصري ومهارته، فعلى مدار شهر رمضان المبارك تأخذكم جريدة "البوابة" في رحلة بين مساجد مصر وأضرحتها، لنتعرف على تاريخ نشأتها، وتأثيرها الروحاني في قلوب مُرتاديها.
يُعَد مسجد أحمد بك كوهيه أحد الآثار الإسلامية المهمة الموجودة في منطقة الخليفة، وقد قامت وزارة الآثار في الفترات الأخيرة بمجهودات كبيرة من أجل إعادة ترميمه، ولكن نتيجة لعدم استخدام الساحة الخاصة بالمسجد وغلقها، أصبحت عرضة لإلقاء القمامة داخلها وبالتالي تأثيرها على سلامة جدران الأثر، وتسببها في التلوث البصري والبيئي، كما يعاني المياه الجوفية على جدران الأثر.
ويقع المسجد بمنطقة الخليفة بحارة البزابيز داخل بئر الوطاويط، وقد ذكر المقريزى أن حارة بئر الوطاويط عرفت بذلك من أجل البئر التي أنشأها أبو الفضل جعفر بن الفرات وكانت ينتقل فيها 7 سقايات وهي التي أنشأها وحبسها لجميع المسلمين، والمسجد يقع حاليا بامتداد شارع السيوفية للشرق من جامع أحمد بن طولون.
كان هذا المسجد في الأصل قاعة أنشأها الأمير سنجر الجمقدار في سنة 710هـ- 1310م وقد أنشأ تلك القاعة بجوار مسجده الذي ظل قائما حتى عام 746هـ- 1345م، وعُرف فيما بعد باسم حديث هو "مسجد الكردي"
يتكون المسجد الحالي من صحن يحيط به إيوانات وله واجهة واحدة هي الواجهة الجنوبية الغربية، وبها باب يوصل لداخل المسجد، وله واجهة رئيسية حديثة مبنية بالحجر الفص النحيت، وتمتد الواجهة بطول 25.9م، وهي واجهة بسيطة خالية من أي زخارف أو عناصر معمارية؛ ما يجعلها أقرب لواجهات المنازل، وكان بها فتحتا باب تؤدي إحداهما لدورة المياه والميضأة وملحقات المسجد، وملحق به ساحة بمسطح 220 مترا مربعا، والساحة تجاور المسجد من جهتين ولها مدخلان على الحارات المجاورة، وبها برجولة خشبية.
يشير المسقط الأفقي للمبنى إلى أنه كان في الأصل القاعة الرئيسية لبيت سكني يرجع تاريخه إلى أوائل عصر المماليك البحرية "حوالي 710 هـ / 1310 م". حوله أحمد بك كوهيه إلى مسجد عام 1153 هـ / 1740-41 م. احتوت العديد من المساجد القاهرية على قاعات تشبه قاعات المباني السكنية، لذلك لم يكن تحول مثل هذا من مبنى سكني لمسجد صعباً. وبالتأكيد كان تحويل الاستخدام حلًا أكثر ملاءمة وأقل تكلفة من بناء مسجد جديد. أضاف أحمد بك إلى البيت منبرًا ومحرابًا صغيرًا في الزاوية ومئذنة من الطوب.
المسجد مسجل ضمن الاثار الإسلامية تحت رقم 521 ، ويقع في "درب البزابيز" بين مسجد أحمد بن طولون وشارع الخليفة
أما المسقط الأفقي فيمثل نمط العمارة السكنية الانتقالية بين بيوت الفسطاط والمنازل المملوكية القاهرية ذات القاعات، فالمجلس الشمالي ذو السقيفة ذات العقود الثلاث يتبع نمط منازل الفسطاط القديمة. على الجانب الآخر، يحاكي الإيوان الجنوبي فراغ قاعات المنازل المملوكية، التي تتكون من درقاعة على جانبيها إيوانان.
ويمتاز المسجد بوجود "الملقف" وهو عبارة عن نظام للتهوية الطبيعية يرجع تاريخه للعصر الفرعوني، حيث توجد فتحة موجودة بالحائط الجنوبي هي جزء من ملقف، يدخل منه الهواء من خلال هيكل صغير شبيه بالبرج ويهبط خلال الفتحة الرأسية لتهوية القاعة وتبريدها.
كما يمتاز المسجد بالسقف الملون ، وهو عبارة عن سقف خشبي مزخرف بمجموعة متنوعة من الرسومات الهندسية والمورقة، بعضها عبارة عن رسم مبسط لنبات اللوتس الفرعوني. كما يحمل السقف رسماً لرنك يتوسطه دائرة حمراء على خلفية بيضاء والتي قد تشير إلى الخونجة، وهي صينية طعام، وترتبط بوظيفة الجاشنكير (متذوق الطعام).
كما يحتوى المسجد على رمز رنك مماثل على شمعدان يحمل اسم الأمير بكتوت القرماني المتوفي عام 749 هـ / 1348 م وهو أحد مماليك السلطان المنصور قلاوون، وشغل منصب جاشنكير.