الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

مجددون.. نصر حامد أبو زيد.. رائد التنوير فى القرن الـ21

 الدكتور نصر حامد
الدكتور نصر حامد أبو زيد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 تقدم «البوابة» فى هذه النافذة على مدار شهر رمضان كل يوم رائدا من رواد التنوير فى مصر، للتعرف على دورهم فى محاربة الظلام والفكر المتطرف وإنارة طريق العقل والتنوير للسير فى درب التقدم والتطور ومواكبة العالم الحديث.


يعد الدكتور نصر حامد أبو زيد، والذى رحل عن عالمنا فى ٥ يوليو ٢٠١٠، بعد صراع مع المرض، من أبرز رواد التنوير فى القرن الـ٢١، إذ ولد فى إحدى قرى طنطا، وأنهى دراسته فى قسم اللاسلكى عام ١٩٦٠، وعمل بضع سنوات حتى استطاع أن يوفر لنفسه فرصة الدراسة الجامعية.
وحصل على الليسانس من قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة ١٩٧٢ بتقدير ممتاز، ثم ماجستير فى الدراسات الإسلامية عام ١٩٧٦ بتقدير ممتاز، كما حصل على دكتوراه فى الدراسات الإسلامية كذلك عام ١٩٧٩ من الكلية ذاتها.
يعتبر أحد أبرز المفكرين التنويريين فى مصر والعالم العربى خلال القرن الحادى والعشرين، وصاحب المشروع المهم فى تجديد الفكر والخطاب الدينى، الرجل الذى تعرض لتنكيل كبير من قبل الأصوليين الإسلاميين وصل إلى حد اتهامه بالكفر، ونفيه من مصر، والحكم بالتفريق بينه وبين زوجته، لكنه ظل صامدًا ومدافعًَا عن حق الإنسان فى التفكير والبحث وإعمال العقل، حتى رحل عن عالمنا فى ٥ يوليو ٢٠١٠، تاركًا ميراثًا كبيرًا من المعرفة.
وقد قدم لنا نصر حامد أبو زيد، الكثير من الأبحاث والكتب المهمة لفهم تراثنا، ومعرفة سبب فشل مشروعات التحديث والتنوير، وكانت البداية مع أفكار المعتزلة حيث أعد دراسة عن المجاز فى القرآن عند المعتزلة، الذين لعبوا دورًا مهمًا فى التأصيل لهذا العلم، كمنهج فى تعاملهم مع النص القرآنى، ساعدهم على فهم القرآن، وقد حاز نصر بهذه الدراسة درجة الماجستير بتقدير امتياز، بعد ذلك بدأ فى وضع مجموعة من الأركان الأساسية لمشروع تجديد الخطاب والفكر الدينى، توصل إليها بعد رحلة طويلة سنحاول رصد أبرز ملامحها.
وقد اهتم نصر أبوزيد، خلال رحلته العلمية بثلاث محاور رئيسة هى: دراسة التراث على أسس علمية ووضعه فى سياقه التاريخى، ونقد خطاب الإسلام السياسى، وتأصيل وعى علمى بدلالة النصوص الدينية، وقد أصل نصر لهذه المحاور فى العديد من كتبه، ومنها الاتجاه العقلى فى التفسير، وفلسفة التأويل، ونقد الخطاب الدينى، ومفهوم النص دراسة فى علوم القرآن، وغيرها من الكتب والأبحاث فى هذا المجال.
يعتمد نصر حامد أبوزيد، فى موقفه من التراث وفى القلب منه القرآن الكريم على منهج تأويلى يرتكز على الفكر المعتزلى الذى أعلى من دور العقل فى فهم وتحليل النصوص وكذلك على التراث الصوفى وخاصة التأويل عند محيى الدين ابن عربى وطبق هذا المنهج فى قراءته للتراث الإسلامى بشكل واضح، مستعينا بآليات جديدة لم تكن موجودة من قبل فقد استفاد من المناهج الفلسفية واللغوية الحديثة كنظرية التلقى والهرمنيوطيقا والسيموطيقا وتحليل الخطاب وغيرها، وركز «أبوزيد» فى إعادة قراءته للنص القرآنى فى جانبيه اللغوى وعلاقته بالإنسان باعتباره المقصود بالخطاب والمشكل له من جهة أخرى، وذلك بحكم ثقافة الإنسان وبيئته التى ترتبط بالنص فى تنزيله، كما نادى «أبوزيد» فى كتاباته بنزع القداسة عن نصوص التراث؛ وينطلق نصر حامد أبو زيد فى قراءته للتراث من منطلقين أساسيين يحددهما فى كتابه «دوائر الخوف».
المنطلق الأول
هو الإيمان العميق بصلابة الإسلام وقوته فى نفوس الناس كلما تأسس على العقل وقوة الحجة، وضعفه فى المقابل وتهافته، كلما اعتمد على مجرد التسليم والإذعان، ويؤكد نصر حامد أبو زيد على أن الإسلام هو الدين الوحيد من بين الأديان المنزلة الذى يعطى لإيمان العقل أولوية قصوى، وينحاز له ضد التقليد، والتمسك بأهداب الماضى وعبادة ما كان عليه الآباء والأجداد، فالعقل هو السبيل الوحيد لـ«العلم» الذى هو بدوره الأساس المتين الذى تتأسس عليه الهداية، ويقرر نصر حامد أبوزيد بأنه لأهمية وأصالة دور العقل فى تأسيس الايمان والهداية ربط الإسلام ربطا محكما بينه وبين الاجتهاد، ولم يجعل الوصول إلى الصواب، ناهيك عن الوصول إلى الحقيقة التى هى ضالة المؤمن- شرطا لإجازة الاجتهاد ومكافأته، لقد أجاز الإسلام الاجتهاد الخطأ وكافأه «من اجتهد فأخطأ فله أجر»؛ ذلك أن الخطأ هو السبيل لبلوغ الصواب فى مجال التفكير الحر، بلا خوف، ولا عوائق، ولا مناطق آمنة كما يريد البعض.
ويستنتج نصر حامد أبو زيد من كل هذا أن دينا يحرص على التفكير الحر بمكافأة الاجتهاد الخطأ لهو دين واثق من نفسه، وهو دين يمنح المؤمن به ثقة وجسارة فى الاجتهاد، وجرأة فى البحث والتفكير لا تبالى بغضب الغاضبين ولا تعصب المتعصبين.
المنطلق الثانى
أن ثوابت الإيمان الدينى هي العقائد، والعبادات، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.
والإيمان لا يستبعد الفهم والشرح والتأويل، ففى مجال العقيدة اختلفت اجتهادات العلماء المسلمين مثلا حول فهم طبيعة الإيمان، واختلفوا حول تعريفه، وما إذا كان التعريف يتضمن العمل أى العبادات، أم أنه قاصر على إيمان القلب، وأكثر من هذا اختلفوا حول عقيدة التوحيد بين من يفصل الذات الإلهية والصفات وبين من يوحد بينهما، كما اختلفوا حول طبيعة القرآن هل هو محدث مخلوق أم قديم أزلى؟
ويقدم نصر حامد أبوزيد هذه الاختلافات ليؤكد أن تلك الخلافات لم تكن خلافات حول الأصول، وإنما كانت اجتهادات مختلفة فى فهم تلك الأصول وشرحها، فلم ينكر أحد منهم وجود الله عز وجل، أو ينكر التوحيد فضلا عن أن ينكر أن القرآن منزل من عند الله.
وقد كان من الطبيعى وقد اختلفوا حول طبيعة القرآن أن يختلفوا فى تفسيره وتأويله بين متمسك بالمعنى الحرفى مع التسليم بما وراءه، وبين متأول يرى فى قواعد اللغة والبلاغة مدخلا طبيعيا لفهم لغة القرآن الكريم وتأويلها؛ لأن القرآن ليس فى التحليل الأخير إلا تنزيلا «بلسان عربى مبين» سورة الشعراء ١٩٥ وكل من هؤلاء لم ينكر إعجاز القرآن الكريم.
تلك كانت المسلمات والمنطلقات التى أرساها نصر حامد أبوزيد لقراءة التراث الإسلامى بشكل عام وفى القلب منه النص المحورى القرآن الكريم.
أعد دراسة عن المجاز فى القرآن عند المعتزلة وقدم رؤية مختلفة لقراءة التراث.