لمصر جيش يحميها.. وتحرير الأرض لم يكن ليأتي إلا بدم الشهداء والقتال من أجل عزتنا وكرامتنا
أبطال مصر حاربوا وهم صائمون ويحملون على أكتافهم 110 كيلو.. وصام معهم الجنود والضباط المسيحيون ورفضوا أن يأكلوا أو يشربوا.. وإذا جاء وقت الإفطار كانوا يقفون لتأمين زملائهم المسلمين
هم تماما كما تصورهم الأساطير.. جنود يرفضون الانكسار.. لا ينحنون إلا لوجه الله سبحانه وتعالى.. جباههم أعلى من قمم الجبال، لا يلقون للكلمات الرثة بالا.. يفتحون عيونهم يسمون باسم العزيز القهار.. يمنون أنفسهم برضا الرحمن.. لا يبتغون سوى سلامة الوطن.. ذرات تراب الأرض التي اختلطت بمن سبقهم في ركب الشهادة.. تحية إلى هذه البذلة المموهة التي طالما أرعبت أعداء هذا الوطن.. تحية إجلال وتقدير لزلزلة الأرض تحت بيادتكم الطاهرة.. عبرتم فيما مضى على جثث وأشلاء أعدائكم..وها أنتم اليوم تعبرون بهذا البلد إلى بر الأمان.. تحية لكم من كل عربي مخلص.. تحية لكم يا أبطالنا في أعالي القمم.. وفي الأحراش وفوق الأرض وتحت الأرض وفي عنان السماء.. منا لكم السلام والإجلال.. ولنا منكم القدوة والصحبة والمثل.. جيش مصر خير أجناد الأرض ليكن دوما شعارنا.. " اسلمي يا مصـرُ إنـنـي الـفِـدا.. ذي يــدي إن مــدَّتِ الــدنـيـا يـدا.. أبـدًا لـن تـسـتـكـيـني أبـــدًا..إنــنـي أرجـو مــع الـيـوم غـدا.. ومعي قلبي وعزمي للجهاد..ولـقلبي أنتِ بـعـدَ الـدين ديــن.. لكِ يا مـصــرُ الــسـلامة..وسـلامًا يا بــلادي.. إنْ رمى الدهـرُ سهـامَه..أتَّقـيهـا بفـؤادي.. واسلمي فـي كـل حيـن".
لم أجد أفضل من تلك الكلمات التي وصف بها مذيع عراقي جيش مصر الباسل،الذي لا يخفى على أحد أنه من أعرق المؤسسات على مر التاريخ، ولا يخفى على أحد أن الجيش المصرى منذ عهد الفراعنة، حتى تأسيسه في الدولة الحديثة على يد محمد على باشا، ليصبح من وقتها حتى الآن أقوى الجيوش في المنطقة، ومشاركًا أساسيًا في تحديد مستقبل شعبه وشعوب المنطقة، ليثبت أنه وبحق خير أجناد الأرض.
وعلى مدى التاريخ يعرف الجميع أن الجيش المصري أقوى وأعرق جيوش المنطقة العربية والأفريقية، وعرف القاصي والداني أنه خاض الكثير من المعارك التي حمى فيها الأرض وصان العرض، وقدم بما يلا يدع مجالا للشك أنه جيش رشيد لا يفرط في حبة رمل من أرضه المقدسة،وأن من يفكر في المساس بتلك الأرض وشعبها سيلاقي ما لا عين رأت وما لم يخطر على بال بشر.
وها نحن اليوم نعيش ذكرى انتصار من انتصارات خير أجناد الأرض، وليس أي انتصار ما نتحدث عنه، إنه انتصار جيش الصائمين في حرب أكتوبر المجيدة على العدو الإسرائيلي الذي سوق وروج لنفسه أنه يملك جيشا لا يهزم أبدا، ولا تطاله آلة عسكرية مهما كانت قوتها.
وجاء انتصار العاشر من رمضان، الذي تحقق مغلفا بمشاعر إيمانية تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى ينصر الحق، ويزهق الباطل، جاء النصر والجيش الباطل صائم مبتهل إلى الله جل جلاله بأن ينصره ويثبت أقدامهم، ويزلزل قلوب العدو ويرمي في قلوبهم الرعب والذعر، فكانت البداية مع صيحة "الله أكبر" التي خرجت من أعماق جنودنا الأبطال لتصل إلى كل مكان في العالم، وتعلن أن المقاتل المصري الصائم الذي يحمل مهماته على كتفه، يستطيع عبور قناة السويس، وقادر على تحطيم أقوى ساتر ترابي، وأن أصوات ارتطام بيادتهم بالأرض زلزلت قلوب العدو، وفرقت قواه شيعا،فبات غير قادر على لملمة قواه والتصدي لبركان الغضب المصاحب لجيش مصر الباسل.
في العاشر من رمضان 1393 هجرية، 1973م، قام الجيش المصري البطل فى الثانية ظهرا، بعبور قناة السويس في مفاجأة عسكرية أذهلت الجميع، وبدأت موجات الجيش المصرى في العبور وتحطيم خط بارليف، وذلك فى منظومة عمل تم إعدادها بشكل متقن للغاية، فاجأت الجميع حينها، وفي نفس نفذت أكثر من 200 طائرة حربية مصرية ضربات جوية على الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية بالضفة الشرقية للقناة، وطارت الطائرات على ارتفاعات منخفضة للغاية لتتفادى الرادارات الإسرائيلية، واستهدفت في ضرباتها المطارات ومراكز القيادة ومحطات الرادار والإعاقة الإلكترونية وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة، فشلت قدرة العدو العسكرية، وأذهلته بالتخطيط العسكري المفاجيء الذي لم يتوقعه أحد بفضل خطة الخداع والتمويه التي سبقت قرار العبور.
وفي نفس الوقت، وضمن منظومة عسكرية واحدة مرتبة ومنظمة، بدأت المدفعية المصرية، بعد عبور الطائرات بخمس دقائق في قصف التحصينات والأهداف الإسرائيلية شرق القناة تمهيدا لعبورأبطال المشاة الذيم قدموا نموذجا للمقاتل الذي يحمل روحه بين كفيه فداء لوطنه.
وضمن المنظومة العسكرية أيضا، وصلت عناصر سلاح المهندسين والصاعقة إلى الشاطئ الشرقي للقناة لإغلاق الأنابيب التي يجري بها السائل المشتعل الموجه إلى سطح القناة، ثم قامت المدفعية ذات خط المرور المسطح بالضرب المباشر على مواقع خط بارليف لتأمين عبور المشاة من نيرانها، بعدها عبر القناة 2000 ضابط و30 ألف جندي من خمس فرق مشاة، واحتفظوا بخمسة رؤوس كباري واستمر سلاح المهندسين في فتح الثغرات في الساتر الترابي لإتمام مرور الدبابات والمركبات البرية، وذلك فى تمام الساعة السادسة والنصف، ليقدم أبطال الجيش المصري بانوراما عسكرية أبهرت وأذهلت العالم الذي لم يصدق أن جيش مصر زلزل ما أطلق عليه بأنه جيش لا يقهر، وأنه حطم أسطورة إسرائيل التي كانت تتاجر بها بين الدول.
ذكريات النصر فى العاشر من رمضان، وأساطير أبطال مصر في هذه الملحمة العسكرية تحتاج إلى مجلدات ومجلدات، حتى نوفيهم جزءا من حقهم، فهؤلاء هم من استردوا الكرامة، وصانوا الأرض،وحافظوا على تراب مصر بل الوطن العربي بأسره، وفي كل ذكرى للنصر نكتشف بطولات لمنعرفها من قبل، وأبطالا حفروا أسماءهم بحروف من نور في قلوبنا وعقولنا.
ومن هؤلاء الأبطال، البطل محمد طه يعقوب، أحد رجال الفرقة 19 مشاة من الجيش الثالث الميداني وصاحب أشهر علامة نصر في حرب أكتوبر 1973، الذي عمل مدرسًا إلا أنه شعر أن عليه واجب يسعى لأدائه لوطنه فتطوع فى الجيش رغم حصول قبلها على إعفاء، ويعرف العالم المقاتل المصري محمد طه يعقوب بعلامة النصر الشهيرة في انتصار العاشر من رمضان.
وفي حديثه لـ "البوابة نيوز"، أكد محمد طه صاحب "علامة النصر"، أن ذكرى العاشر من رمضان ذكرى عزيزة على قلب كل مصري، كاشفًا السر وراء تسميته بصاحب "علامة" النصر، قائلًا: يوم 7 أكتوبر 1973 ثاني أيام حرب أكتوبر شن العدو غارة جوية شديدة علينا في منطقة عيون موسى، فبترت ساق أحد زملائي، وإذا تركناه سينزف ويموت، وكان لابد أن يتطوع أحدنا ويحمله ويسير به 3 كيلو متر، ثم يعبر به قناة السويس حتى يصل به إلى مكان آمن للعلاج، والحمد لله كنت أنا من قرر أن يحمله على أكتافه ويسير به تلك المسافة.
وتابع صاحب "علامة النصر": "قمت بالمهمة وحملت زميلي الذي فقد الوعي بسبب النزيف وكان شبه جثة هامدة، وحملته لمسافة 3 كيلو وسط الغارات وعدت به ووصلت قناة السويس وكان يصعب على أي إنسان السباحة فيها منذ 1967، ووفقني الله وعبرت به قناة السويس وفي الجهة الغربية من القناة قابلني مصور من مؤسسة أخبار اليوم يدعي إبراهيم رمضان فأبهره المشهد، وبعد أن سلمت زميلي للعلاج طلب مني تصويري، وكنت غارقا بالمياه فقلت له: "مش هينفع نتصور هنا"، وسرنا حتى وصلنا معبر "الجناين" بالسويس وجفت ملابسي وقال: إن تلك الصورة ستكون الأولى في حرب أكتوبر وهنا أدركت أهمية الصورة وعزمت أن تجوب تلك الصورة العالم كله ومن هنا قررت أن أرفع يدي بـ "علامة النصر"، وإذا نظرنا لتلك العلامة سنجد أنها تعبر شبه جزيرة سيناء وخليج السويس وخليج العقبة وبينهما سيناء، وبالفعل انتشرت الصورة عبر جميع وكالات الأنباء وقال العالم وقتها: إن المصريين انتصروا في حرب أكتوبر والدليل خروج مجند من الجيش المصري في ثاني يوم من أيام الحرب رافعًا "علامة النصر"، وحدث كل ذلك في عصر السابع من أكتوبر، ومن هنا قال لي الرئيس السادات: لقد بشرت بالنصر يا بطل ومن هنا أطلق على صاحب "علامة النصر".
وعن الحرب وتزامنها مع شهر رمضان الكريم، قال:" كان لدينا يقين وإيمان بأن الله سبحانه وتعالى سينصرنا في هذه الأيام الكريمة المباركة".
ومن هؤلاء الأبطال أيضا، اللواء البطل محي نوح الذي شارك فيما يقرب من 92 عملية خلف خطوط العدو، وضرب مناطق عدة داخل إسرائيل منها "إيلات"، في الفترة من عام 1967 حتى عام النصر في أكتوبر 1973، عاش فيها ألم النكسة، وحلاوة الانتصار في أرض المعركة، الذي أكد أن حرب أكتوبر، هي الحرب الأعظم في التاريخ المعاصر، وما زالت ذكراها عالقة في الأذهان ولن تمحى منها أبدا وسيتذكرها جميع المصريين والعرب إلى أبد الدهر، فلها تأثير قوي جدا علينا فبعد مرارة الهزيمة ذقنا حلاوة النصر، وجاء انتصار أكتوبر العظيم ليعيد إلينا الفخر والعزة والكرامة.
وتابع في حديثه لـ "البوابة نيوز"، أن نصر العاشر من رمضان تحقق بقوة وإرادة المقاتل المصري العظيم، الذي تغير تمام في الفترة ما بين 1967 إلى 1973، وتلقى تدريبا وتطويرا أهله لأن يقاتل في أي ظروف، وأكسبه خبرة كبيرة جاءت من خلال المشاركة في معارك الاستنزاف، التي كسرت الحاجز بينه وبين جيش العدو، حتى جاءت حرب رمضان فكانت سهلة وممكنة بالنسبة له، فعبر القناة والساتر الترابي وهو يحمل ما يقرب من 110 كيلو على كتفيه من ذخيرة ومعدات، ليثبت للعالم بأسره أن المقاتل المصري لا يضاهيه مقاتل.
وتابع:" هزمنا العدو الإسرائيلي في 6 ساعات في منظومة عسكرية تدرس لجيوش العالم، ورفضنا الإفطار في شهر رمضان الكريم، وصمم أبطال جيش مصر على أن يحاربوا من أجل وطنهم وهم صائمون داعين المولى عز وجل أن ينصرهم ويعزهم، وليس هذا فقط بل صام معنا الجنود والضباط المسيحون ورفضوا أن يأكلوا أو يشربوا أمامنا، وإذا جاء وقت الإفطار كانوا يقفون لتأمين زملائهم المسلمين خلال وقت الإفطار، في تلاحم ووحدة يؤكد أن هذا الشعب سيظل في رباط إلى يوم الدين".
وتابع:" لمصر جيش يحميها، وتحرير سيناء لم يكن ليأتي إلا بدم الشهداء والقتال من أجل أرضنا وكرامتنا، وأنا واحد من هؤلاء المقاتلين، وأصبت 4 مرات خلال العمليات، وكان دمي جزءا مما سال في سبيل حرية وطننا، وأظهر نصر العاشر من رمضان – السادس من أكتوبر، معدن المقاتل المصري الذي يستطيع الدفاع عن وطنه ويقهر كل من تسول له نفسه الاعتداء عليه.
وقمنا بعمليات قتالية كثيرة منها ما هو داخل الأراضي التي احتلتها إسرائيل، كما قمنا بعمليات إغارة وهاجمنا مدينة سيدي لمصر جيش يحميها، وتحرير سيناء لم يكن ليأتي إلا بدم الشهداء والقتال من أجل أرضنا وكرامتنا، وأنا واحد من هؤلاء المقاتلين، وأصبت 4 مرات خلال العمليات، وكان دمي جزءا مما سال في سبيل حرية وطننا، وأظهر نصر أكتوبر معدن المقاتل المصري الذي يستطيع الدفاع عن وطنه ويقهر كل من تسول له نفسه الاعتداء عليه.
وقمنا بعمليات قتالية كثيرة منها ما هو داخل الأراضي التي احتلتها إسرائيل، كما قمنا بعمليات إغارة وهاجمنا مدينة سيديوم وغيرها داخل إسرائيل نفسها، وأعتز وأفتخر بالإصابات التي ما زالت ترسم آثارها على جسدي، كما أعتز بزيارة الرئيس جمال عبدالناصر بعد أن علم بإصابتي، وتحرير سيناء لم يأتِ بالمفاوضات ولكن بالحرب وبدم الشهداء وبقوة الجيش المصري، والمفاوضات لم تكن إلا بعد أن أدرك العدو الإسرائيلي قوة الجيش المصري.م وغيرها داخل إسرائيل نفسها، وأعتز وأفتخر بالإصابات التي ما زالت ترسم آثارها على جسدي، كما أعتز بزيارة الرئيس جمال عبدالناصر بعد أن علم بإصابتي، وتحرير سيناء لم يأتِ بالمفاوضات ولكن بالحرب وبدم الشهداء وبقوة الجيش المصري، والمفاوضات لم تكن إلا بعد أن أدرك العدو الإسرائيلي قوة الجيش المصري.