قال المُنشد محمد عبد العظيم العطواني، نجل الشيخ العطواني، إن تعلقه ببُردة البوصيري كان تعلقًا ربانيًا، فهي التي نادته، فهي كالولي، والولي لا يُزار إلا بإذنه، كذلك «البردة» تختار من تحبه.
وأضاف «العطواني»: نشأتي الدينية ووالدي كانا سببًا فى أن أسلك مسلك المديح النبوى والإنشاد، مشيرًا إلى أن والده الشيخ «العطواني» نصحه نصيحة يجني ثمارها حتى الآن وهى أن أجعل «البردة» تعطيك من أسرارها النورانية وتجلياتها السماوية فى كل أمور حياتك.
■ بداية.. ما سر حبك لـ«البردة» عن غيرها؟
حبى للبردة شيء عجيب، هناك مقولة «لا يزار الولي إلا بإذنه»، كذلك «البردة» تختار من تحبه، كما حدث مع الوالد فهو فى الأصل كان حافظا وقارئا للقرآن فى طفولته، وعندما سمعه شيخه فى الكتاب يدندن بـ«البردة» أفسح له المجال وأتاح له الوقت كى ينشدها بين زملائه، وهو ما حدث معى أيضًا، فمن بين أخوتى تربيت فى منزل كانت «البردة» هى شغل والدى الشاغل فيه، فوجدت وأنا صغير أنها نمَت معى وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من وجدانى، وأكاد أقول إننى والبردة أصبحنا جزءًا واحدًا.
■ ماذا عن ارتباطك بآل البيت؟
هذا النمط هو السائد فى قريتنا بل فى منطقتنا بل فى صعيدنا، ولن أكون مغاليًا إن قلت بل فى مصرنا، نشأت على حب آل البيت فهم أكثرية فى الصعيد وكان والدى رحمة الله يُدعى للإنشاد فى الموالد، ومن تعداد ذكرهم وذكر مناقبهم أصبحت أحبهم من صغرى.
■ ماذا تعلمت من الشيخ العطواني.. وكيف كان يتعامل معك؟
تربيت فى بيت محمدي أكله وشربه هو ذكر وإنشاد واتباع لحضرة النبى، ليس هذا فقط وإنما كان الوالد رحمه الله متبعا ومطبقًا للسنة بحذافيرها داخليا وخارجيا، فتعلمت من الوالد أن الدنيا دار مرور وليس قرار تعلمت منه مقولته العظيمة «صنائع المعروف تقى مصارع السوء»، وكان يتعامل معنا باللين والحسنى، فقد كان وجهه مرآة لما بداخله فهذا هو ميزاننا الحساس فلو وجدنا أن الشيخ به بعض الهم سألنا أنفسنا عما يكدر صفوة، وكان يحثنا ليس فقط على قراءة القرآن بل تدبر معانيه.
ومن بين أخوتى وجد والدى حبى لـ«لبردة»، وكونى أدندن بها فى معظم الأوقات فكان رحمه الله يعطينى بعض من أسرار مدحها مثل متى أفخم ومتى أمد ومتى أزيد فى الغنة.
وقال لى مرة وأنا صغير أجعل «البردة» كل وقت تعطيك من أسرارها النورانية وتجلياتها السماوية فى كل أمور حياتك فما هى إلا قصيدة مدح فى خير البرية.
■ هل تحمل البردة رسالة للشباب وللمستمعين بشكل عام؟
البردة أحد أنواع الإنشاد ولكنه إنشاد من نوع خاص، إنشاد فى خير البرية وقصيدة مدح فى الذات المحمدية، وهى رسالة ناصعة البياض للشباب مباشرة فى وصف الحبيب المحبوب، كل بيت فى البردة هو جلال وجمال، وأهم رسالة فى البردة هو سبب إنشادها، وكما نعلم أن صاحب القصيدة وهو الإمام البوصيرى المولود ببنى سويف أصابه ذات مرة الحمى وكان لا يستطيع المشي، فما كان منه إلا أن تذكر حضرة المحبوب، صاحب الرسالة وشفيع الأمة، فبدأ القصيدة وفاض الله عليه من فضلها فأخذ يفند فى مناقب وصفات الحبيب صل الله عليه وسلم، وجهاده فى حياته وكرمه وعطفه ومعجزاته، وعندما انتهى منها ظهرت أول علامة ورسالة لها وهو شفاء الإمام البوصيرى وقام يمشي فرحا، فالبردة هى رسالة نورانية فيها من الصفات ما لو تمسك به شبابنا نجى من ضغوطات الحياة والتكالب على الدنيا وانتشر بينهم الحب والتسامح ومناقب وصفات الحبيب صلى الله عليه وسلم.
■ هل الإنشاد الديني له دور فى تقويم الروح والسلوك؟
إن لم يكن كذلك، فمن يستطيع تقويم الروح إلا عندما ننشد بالصفات وذكر المواقف التى يقدمها الإنشاد فى صورة تألفها النفس، سواء هذا الإنشاد من البردة أو القصائد الأخرى فهى تقدم وجبة دسمة للروح للتآلف مع الطبيعة وذكر المواقف التى تدعو النفس إلى التواضع وحب الآخر والإتيان بكل ما يجعل النفس تآلف الحياة من صلاة وزكاة وحب الآخر وصدقة وغيرها.
الإنشاد يعطى هذه الصفات فى وجبة من الموسيقى والدندنة وجبة من الكلام المسجوع الذى يخرج من قلب صاحب القصيدة الذى ربما جبر الله خاطره فى أمر أو يحب أن يجبر خاطره، والمديح سر نورانى فى تقويم السلوك وانكسار النفس وكثرة التعلق بالله.
■ هل يوجد شيخ مربٍ فى حياة المنشد؟
هذا أمر واجب، فالمنشد شخص يتأثر بالحياة بحلوها ومرها والشيخ المربى هو رمانة الميزان الذى عندما ينظر إلى مريده وهو المداح يستطيع أن يرى ما بداخله ويقومه وينصحه ويربت على كتفه ويدعمه نفسيا، والشيخ المربى كالنهر للمريد يزوده بما يجعله يثابر على الحياة.
■ هل الإنشاد يأخذ حقه فى وسائل الإعلام؟
الإنشاد الدينى نوع من الفلكلور الشعبي الذي بدأ تأصيله قبل أن يكون هناك إعلام، فلا تجد أحدًا من المصريين لا يدندن مع نفسه بكلمات فى مدح الرسول أو إنشاد فى مناسبة معينة، والإنشاد والمديح على مر العصور كان كالبحر أحيانًا هائجًا فى السماء وتارة هادئ، وفى ظل ما نحن فيه من ضغوطات أعتقد أن الإعلام لا يركز على المديح، فيما كان للإنشاد والمديح فى الآونة الأخيرة فى الموالد والأفراح نصيب الأسد وبخاصة بمولد سيدنا الحسين والسيدة زينب، ولا أنسى بعض المدارس الجديدة فى الإنشاد والمديح، والتى يُدرس فيها علمي المقامات والموسيقى مثل ما يفعل محمود التهامى، عندئذ لا أستطيع القول إن المديح مهضوم إعلاميًا بل هو موجود فى الساحة ويفرد له الكثير من البرامج.
■ هل يستطيع المنشد أن يغنى أغانى رومانسية؟
المنشد إنسان اختار هذا الفن من الغناء الذى هو فيه مديح سيدنا النبى فهذا ما توغل فى وجدانه، ومن الممكن أن يغنى أغانى أخرى سواء وطنية أو رومانسية، على سبيل المثال أنا من الممكن أن أدندن للسيدة أم كلثوم قصائد مثل القلب يعشق كل جميل، وأمل حياتى، ولكن هذا بينى وبين نفسى، لأنى اتخذت المديح منهجًا.
■ دور الأسرة لكي تصبح منشدًا؟
لها دور كبير، أوله النشأة الدينية الوسطية وحبذا لو كانت أزهرية، ثانيها القيم والأخلاق وحسن الجوار، ثم تعلم القرآن لما فيه من أصوات وجمال ومقامات، وأخيرا تعلم علم الأصوات ويُفضل أن يكون من متخصص.
■ الإنشاد الدينى ليس فن ربح على عكس الفنون الغنائية الأخرى.. كيف تتعاملون مع هذا الأمر؟
هناك فرق فى الأجر بين المنشد ومطرب المهرجانات، أولها أن المنشد فى الأساس يفعل ذلك لا حبا فى الإنشاد أو المديح نفسه، ولكن حبا فى الممدوح وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فالمادح لا يبتغى عوضا غير المغفرة والجنة وهو أجر يساوي الكثير، والمنشد يأخذ أجرًا مما يراه من أثر مديحه من ذكر للحبيب ولتأسى بمناقيه وصفاته، أخيرا المنشد يفعل كل ذلك بحب لا يبتغى شهرة ولا مال وإنما شفاعة الممدوح.
■ حدثنا عن الأجواء الرمضانية؟
الأجواء الرمضانية فى مصرنا العظيمة لا يضاهيها مكان آخر، نحن فى مصر نشم رمضان ونتحسسه قبل قدومه، ورمضان يأتى بالبهجة والسرور والحب، ويتوق المسلمين فيه إلى سماع الإنشاد والطرب بالمدح، وتعقد مجالس الإنشاد فى الصعيد كل يوم بعد صلاة العشاء والتراويح حتى موعد السحور، وتتم دعوتى إلى قريتى والقرى المجاورة طوال الشهر وتعقد المجالس بطول شوارع يتم فيها قراءة القرآن والإنشاد والمديح ويتخللها خطب لعلماء الأزهر الشريف، هى أجواء نورانية يجتمع فيها الأحباب والعائلات كبارا وصغارا، نطرب بالمديح ونكرر خلف المنشد وتقدم الحلوى والطعام.