الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

في مدح الحبيب.. «مصر بلد» وحي الحناجر.. أعلامها ومشايخها في المقدمة بأصوات ذهبية.. علي محمود إمامهم.. ومؤسس قواعد فن المديح النبوي.. وطه الفشني.. ملك التواشيح

ستاندر تقارير، صور
ستاندر تقارير، صور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اتسمت مصر بكوّنها أرضًا خصبة للابتهالات والأناشيد الدينية، وأيضًا بأصوات ذهبية تؤدي تلك الابتهالات، أرسلها الله لميادين التأليف والإنشاد لتملأ سمع العالم الإسلامي بأسره. وما زال تأثير هؤلاء الأئمة والشيوخ والمنشدين الأوائل ينتقل عبر الأجيال المتتالية، من خلال تلاميذهم وخلفائهم، ومن استوحوا منهم الإلهام، لتقديم ألوان مختلفة من فن الإنشاد الديني. واشتهرت مصر على مدى العصور بالعديد من المنشدين والمبتهلين الدينيين الذين أثروا المشهد الموسيقي والديني في مصر والعالم الإسلامي.

وخلال السطور التالية؛ نلقي الضوء على أبرز وأهم أصوات الإنشاد والابتهالات الدينية في مصر، وسنتعرف على مسيرة هؤلاء الفنانين وإنجازاتهم، وكذلك نتعرف على بعض من أناشيدهم وابتهالاتهم التي حققت نجاحًا كبيرًا وتركت بصمة في قلوب المستمعين.

علي محمود.. إمام المنشدين

يأتي على رأس المنشدين المصريين، مؤسس الإنشاد الحديث الشيخ على محمود (١٨٨٧ - ١٩٤٥) وهو منشد ومبتهل مشهور بصوته العذب والمؤثر، وواحد من المنشدين الذين أسسوا قواعد فن المديح النبوي في العصر الحديث. وتميز الشيخ علي محمود بصوته العذب وأدائه الرائع للأناشيد الدينية، وحقق نجاحًا كبيرًا في العالم الإسلامي. ورغم مشواره الفني الطويل إلا أن معظم أعماله ضاعت ولم يتبقَ منها سوى القليل من السنوات العشر الأخيرة في حياته.

تتلمذ الشيخ علي محمود على يد عمالقة المشايخ حينذاك كالشيخ إبراهيم المغربي وعبدالرحيم مسلوب، وتتلمذ على يده جيل العمالقة من المشايخ مثل الشيخ طه الفشني، ومحمد الفيومي، وكامل يوسف البهتيمي. كما تتلمذ على يده كبار الملحنين، أمثال محمد عبده أحمد، إضافة إلى سيدة الغناء العربي أم كلثوم وأسمهان. ويذكر أن ملك مصر فؤاد الأول عقد عام ١٩٣٠ مؤتمرًا عربيًا لتوحيد المقامات الموسيقية، وكان معظم حضوره من المشايخ المصريين، وعلى رأسهم الشيخ علي محمود.

طه الفشني.. ملك القصائد والتواشيح

كان الشيخ طه الفشني، المولود في مركز الفشن بمحافظة بني سويف عام ١٩٠٠، من أشهر المنشدين الدينيين في مصر والعالم الإسلامي خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين.

حفظ الفشني القرآن الكريم في سن مبكرة بكُتّاب القرية ثم التحق بمدرسة المعلمين، ثم الأزهر الشريف بالقاهرة، حيث درس علم القراءات والتجويد والأحكام وحصل على شهادة القراءات العشر.

وتمتع بصوت جميل وحنون، ولذلك كان يستمتع الناس بالاستماع إلى صوته الملائم للتلاوة القرآنية. وانضم للإذاعة عام ١٩٣٧ بعد أن سمعه سعيد لطفى باشا رئيس الإذاعة فى إحدى الحفلات بالقاهرة.

وسجل الشيخ طه الفشني للإذاعة تلاوتين كانتا تذاعا أسبوعيا، واكتفى بتلاوة القرآن الكريم والابتهالات. ولحن له التواشيح والابتهالات الدينية الشيخ زكريا أحمد ومرسى الحريرى ومحمد عبدالوهاب.

من أشهر التواشيح التى أداها الفشنى "يا أيها المختار، ميلاد طه، وحب الحسن، وإلهى، وسبحان من تعنو الوجوه لوجهه". وحظي الشيخ طه الفشني بشعبية كبيرة في مصر والعالم الإسلامي خلال فترة حياته، ولا تزال أغانيه الدينية تحظى بشعبية كبيرة حتى الآن. كما كان يتمتع بسمعة طيبة كرجل دين ومنشد ديني محترم. ويمكن القول بأن الشيخ طه الفشني كان من أشهر المنشدين الدينيين في العالم الإسلامي، وله مكانة خاصة في قلوب الكثيرين من المسلمين حول العالم. وتبقى أغانيه الدينية الجميلة حتى الآن تحمل رسالة الحب الإلهي والتقرب إلى الله، وتعكس التراث الإسلامي الغني والجميل.

محمد الفيومي.. أول مُنشد في السينما

كان محمد الفيومي، شيخًا ومبتهلًا مصريًا معروفًا بصوته العذب. وُلد كفيفا في حي الجمالية بالقاهرة عام ١٩٠٥، وكان والده عالمًا كبيرًا بالأزهر الشريف، ما دفع الابن للالتحاق بالأزهر وهو في سن العاشرة من عمره، حيث حفظ القرآن الكريم كاملًا وتعلم أصول التجويد والترتيل علي يد الشيخ حسن الجريسي الأزهري. احترف الشيخ محمد الفيومي قراءة القرآن الكريم في المساجد والمآتم، وجمع بين تجويد القرآن والإنشاد الديني والغناء، وتربع على عرش الإنشاد والمديح الديني وأصبح من كبار المبتهلين والمنشدين بالإذاعة المصرية عام ١٩٤٥.

شارك الشيخ محمد الفيومي في السينما المصرية كأول أزهري في السينما المصرية يلقي التواشيح، واستعان به المخرجون الكبار وهو يؤدي الإنشاد الديني مع بطانته الكبيرة، وكانت البداية مع فيلم (عزيزة) إنتاج ١٩٥٤ بطولة فريد شوقي ونعيمة عاكف وإخراج حسين فوزي، ثم شارك بعدها في فيلم (رصيف نمرة خمسة) إنتاج ١٩٥٦، بطولة الفنان فريد شوقي وهدي سلطان وإخراج نيازي مصطفى.

أصبح الفيومي بارزًا في الأوساط الدينية المصرية والعربية في عصره، حيث اشتهر بصوته الجميل وأدائه القوي والمؤثر للمدائح والأناشيد. كان الفيومي يحب التجول في جميع أنحاء مصر والدول العربية الأخرى للقاء المشايخ والتعرف على العادات والتقاليد الإسلامية في جميع أنحاء العالم العربي.

وأصدر الفيومي العديد من الأناشيد والابتهالات الدينية المميزة، والتي أصبحت محبوبة من قبل الكثيرين. ويُعتبر من أشهر أعماله مدائحه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم التي أداها بصوته العذب بطريقة تأسر القلوب.

وتوفي الشيخ محمد الفيومي يوم ١٠ أبريل عام ١٩٨٨ ودُفن بالقاهرة، تاركًا خلفه إرثًا كبيرًا من الإنشاد الديني.

نصر الدين طوبار.. صوت يضرب على أوتار القلوب

يُعتبر نصر الدين طوبار، المولود عام ١٩٢٠، من رواد فن الإنشاد والمبتهلات في مصر والعالم العربي، حيث أثرى المشهد الفني بأدائه الخاص وأسلوبه الفريد، ويُعتبر إرثه الفني إحدى الخلاصات المهمة للثقافة الإسلامية والعربية. اشتهر طوبار بصوته الرائع وأدائه المميز في الإنشاد والمبتهلات، حيث كان يتمتع بصوت شجي وجميل يلامس القلوب، وكان يتميز بأدائه الخاص الذي يجعل من الإنشاد والابتهالات تجربة فريدة وممتعة للجميع. 

الغريب في رحلة طوبار، أنه فشل في الالتحاق بالإذاعة ٦ مرات متتالية، وفي المرة السادسة قال راثيًا نفسه: "بك أستجير فمن يجير سواكَ فأجر ضعيفًا يحتمي بحماكَ إني ضعيف أستعين على قوي ذنبي ومعصيتي ببعض قواكَ أذنبت يا ربي وآذتنـي ذنـوبي ما لهـا مـن غافـر إلاكَ" لكنه عاد ونجح في المرة السابعة. وكانت أناشيد وابتهالات طوبار تعبر عن الإيمان والتقوى والحب لله، وكان يعتبره الكثيرون من أهم المنشدين والمبتهلين في مصر والعالم العربي.

وقد قدم نصر الدين طوبار العديد من الابتهالات التي لاقت رواجًا كبيرًا بين المستمعين، ومن بينها لطوبار العشرات من الابتهالات الرائعة، أبرزها أشرق الحق. وكان له أعمال مع كبار الشعراء مثل الشاعر الباكستاني محمد إقبال، الذي أنشد له طوبار قصيدة في مدح السيدة فاطمة الزهراء، إضافة إلى أكثر من ٢٠٠ ابتهال وموشح ديني.

وعلى الرغم من رحيل نصر الدين طوبار عن عالمنا في عام ١٩٨٦، إلا أن ابتهالاته وإنشاداته الجميلة ما زالت تعيش في قلوب المستمعين.

النقشبندي.. كروان الإنشاد

يُعتبر سيد النقشبندي، المولود عام ١٩٢٠، واحدا من أشهر المبتهلين المصريين في القرن العشرين. وكانت له موهبة خاصة في الغناء الديني والموشحات والمدائح، كما يُعتبر واحدًا من رواد المدرسة الصوفية في مصر.

بدأ النقشبندي مشواره الفني في الأربعينيات من القرن الماضي، حيث كان يحيي الاحتفالات الدينية والموالد والمناسبات الدينية الأخرى. واشتهر النقشبندي بصوته العذب وأدائه القوي الذي يعبر عن تأثره الكبير بالتقاليد الإسلامية الصوفية. 

وللشيخ سيد النقشبندي العديد من الأناشيد والمدائح والموشحات التي تمجد الرسول وآله الطيبين، وله أيضًا أعمال عظيمة مع كبار الملحنين في مصر أمثال سيد مكاوي وزكريا أحمد، وغيرهما.

ومن أبرز المواقف المعروفة للشيخ النقشبندي، أن الرئيس السادات من أكثر المحبين له، ويعود الفضل له في إخراج نشيد "مولاي إني ببابك" للنور، حيث أمر الرئيس السادات أن يقوم الملحن الكبير؛ بليغ حمدي بعمل مشترك مع النقشبندي، لكن النقشبندي شعر بالحرج، نظرًا لحساسية إنشاده على النغم الموسيقي، فاتفق مع المسئول عن الإذاعة آنذاك أن يتركه برفقة بليغ حمدي لمدة ربع ساعة، فإن دخل عليه ووجده خالعًا العمامة، فإن الأمور تسير على ما يرام، أما إن رآه مرتديًا إياها، فعليه أن يعتذر بوجود عطل فني لإنهاء المقابلة.

وعندما دخل مسئول الإذاعة وجد النقشبندي خالعًا العباءة والعمامة ونعليه، وجالسًا على الأرض قائلًا له: "بليغ ده عبقري"، ليخرج عمل "مولاي إني ببابك" الشهير إلى النور.

ومن المعروف عن النقشبندي أيضًا أن سيدة الغناء العربي أم كلثوم كانت عاشقة لصوته، وكانت تطمع أن تقوم بعمل فني مشترك، لولا وفاته عام ١٩٧٦.

كرمه الرئيس السادات مانحًا إياه وسام الدولة من الدرجة الأولى، كذلك فعل الرئيس مبارك بعد وفاته.

عمران.. سلطان التواشيح

وُلد محمد أحمد عمران في طهطا بمحافظة سوهاج عام ١٩٤٤، وأتم حفظ القرآن الكريم في سن العاشرة، ثم انتقل إلى القاهرة ليلتحق بمعهد القراءات بطنطا. وحتى يتعلم "عمران" أصول القراءات والإنشاد وعلم النغم والمقامات الموسيقية وفن الإنشاد الديني؛ التحق بمعهد المكفوفين للموسيقى.

وبحثًا عن لقمة العيش، عمل الشيخ عمران في شركة حلوان للمسبوكات، التي جعلته قارئًا للقران الكريم بمسجدها الكائن بموقع الشركة، وذاع صيته وانتشرت شهرته بين العمال، فتقدم بعد ذلك لاختبار الإذاعة المصرية في بداية السبعينيات، وتم اعتماده مبتهلًا بعد نجاحه المتفوق والمتميز في امتحان الأداء، وقد لحن له محمد عبد الوهاب وسيد مكاوي وحلمي أمين.

وتميز عمران بصوته الجميل والرائع الذي جعله يحظى بشهرة واسعة في العالم الإسلامي. وقد بدأت مسيرته المهنية في التلاوة القرآنية في سن مبكرة حيث كان يتلو القرآن في المساجد المحلية إلى أن أصبح عمران معروفًا في جميع أنحاء مصر والعالم الإسلامي بفضل تلاوته الرائعة والمؤثرة.

وبالإضافة إلى عمله في التلاوة القرآنية، اشتهر عمران كذلك بكونه منشدًا دينيًا معروفًا، حيث قدم العديد من الأناشيد الدينية التي نالت إعجاب الجميع. وأنشد وشارك عمران في الغناء للعديد من البرامج الدينية الغنائية وفي الاحتفالات بالمولد النبوي وآل البيت والأمسيات والمناسبات التي أقيمت بدار الأوبرا المصرية. كما سجل في الإذاعة عددًا كبيرًا من الأناشيد والابتهالات منها أسماء الله الحسنى وادركنا يا الله مع الشيخ سعيد حافظ وعمل بعض التترات للمسلسلات دينيه وسجل أيضا دعاء الصالحين وابتهالات أخرى عدة. ووافته المنية في ٦ أكتوبر ١٩٩٤. 

ويُعتبر الشيخ محمد عمران من بين أشهر قراء القرآن الكريم والابتهالات في العالم الإسلامي، وحظى بشعبية واسعة بسبب صوته الجميل وموهبته الفريدة في التحكم في أداءه، حيث يجمع بين العاطفة والتحكم الفني في تلاوته وإنشاده، ما يجعله قارئًا ومبتهلًا فريدًا ومميزًا عن كثيرين.

 

محمد الهلباوي.. هرم المبتهلين

يُعتبر الشيخ الهلباوي، المولود في حي باب الشعرية بالقاهرة عام ١٩٤٦، واحدًا من أشهر المنشدين الدينيين في مصر والوطن العربي. درس الهلباوي في الأزهر الشريف حتى حصل على إجازة التجويد، ثم والتحق بمعهد الموسيقى العربية لدراسة علوم النغم والأصوات والمقامات إلى أن أصبح مدرسًا لمادتي في التجويد وفن الإنشاد والمقامات الموسيقية في مركز الحفني للدراسات الموسيقية. لكن الهلباوي، كان قد بدأ يتلو القرآن الكريم وإنشاد السيرة النبوية والتواشيح الدينية وعمره لم يتجاوز الـ ١٥ نظرًا لنشأته بين الصوفيين وقراء القرآن والموشحين. 

ومن أشهر ابتهالاته روضه المختار طه، وبذكر الله تنشرح الصدور، ويا من بالوفا قد عودوني، وقل لمن يفهم عني، وغيرها. كما كوّن الهلباوي فرقته للإنشاد الديني عام ١٩٨٠ بهدف الحفاظ على تراث فن الإنشاد الديني وأصوله وقواعده، بالتعاون مع الدكتور سليمان جميل، شارك بعدها في العديدمن المهرجانات العربية والعالمية في باريس وومرسيليا وروما. وتميزت ابتهالات الهلباوي بأسلوبه الخاص وصوته الجميل الذي يستطيع من خلاله إيصال الكلمات والمعاني بشكل مؤثر. كما أنه يستخدم في أغانيه العديد من الآلات الموسيقية العربية التقليدية، مثل العود والكمان.

ويُعد الهلباوي رمزًا للإنشاد الديني في مصر والعالم العربي، وقد تم تكريمه بالعديد من الجوائز والتكريمات على مدى السنوات العديدة، قبل أن يرحل عن عالمنا في عام ٢٠١٣.