الخميس 23 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

اعترافات أم مناورات.. رسائل القائم بأعمال مرشد الجماعة الإرهابية

صلاح عبدالحق
صلاح عبدالحق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مَرَّت عشرة أيام على إعلان جماعة الإخوان الإرهابية "جبهة لندن" تسمية صلاح عبدالحق قائمًا بأعمال المرشد رسميًا، بعد تأخر دام لأكثر من أربعة أشهر كشف عن صراعات وخلل إداري كبير، ومنذ الإعلان الرسمي قدَّم "عبدالحق" عدة بيانات محملة بالرسائل.
في أول اجتماع له مع الهيئة الإدارية العليا وعدد من قيادات وعناصر التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية، تحدث "عبدالحق" حول عدة موضوعات شائكة، خاصة وأنه يحاول رسم خطواته المستقبلية، بعدما أعلنت عن اختياره رسميًا جبهة لندن خلفًا لإبراهيم منير الذي توفي في الرابع من نوفمبر الماضي.

صلاح عبدالحق

تراجع الأفعى
في تصريح مهم، اعترف "عبد الحق" لجماعته بأن "الجماعات مهما كانت قوتها، لا تهزم الدول مهما كان ضعفها، وأن هناك دائما إمكانيات للحل. فإن لم يتم الحل، فعلى الأقل يتم تخفيف الأثار، لأن الصدام نتائجه سيئة". مثل هذا الاعتراف يأتي بعد مرحلة طويلة من الحروب الفاشلة، وزمن من التحريض ضد الدولة المصرية، ونصب الفخاخ لها، وضرب علاقتها مع الدول الشقيقة والصديقة، ودعم العناصر المتطرفة التابعة لها في الداخل لتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية ضد قوات الجيش والشرطة، وضد القضاء والكنائس ودور العبادة.
اعتراف "عبدالحق" بأنه على قناعة أن جماعته لن تستطيع هزيمة الدولة، وأن الصدام نتائجه سيئة، وأنه ملتزم بما صرح به سلفه إبراهيم منير بـ"ترك الصراع على السلطة"، اعترافات تأتي في إطار محاولة التسلل إلى مائدة الحوار الوطني، أو قطع أي شوط في عقد مصالحة مع مصر، خاصة في وقت تتحرك فيه الدول التي كشفت عن عدائها الواضح، في وقت سابق، للتقرب من القاهرة، لبناء روابط جديدة معها.
فشل الجماعة الإرهابية في حربها التي تشنها على عدة محاور منها الجهادي الإرهابي بمساعدة جماعات بايعت تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين، والأجنحة إخوانية العسكرية مثل سواعد مصر أو حسم، ولواء الثورة،. وهناك أيضا محور التحريض عبر المنصات والأذرع الإعلامية والحملات التي تستخدم الذباب الإليكتروني لنشر الشائعات وترويج الأخبار الكاذبة، وإشاعة روح الخمول، أو اليأس، أو الإحباط، أو تثبيط همة وحماسة المصريين. هذا الفشل المدعوم بتراجع بعض الدول، أو تعديل موقفها، بهدف تقريب علاقتها مع القاهرة مجددا ولو على حساب الجماعة الإرهابية التي كانت مستأجرة لها.    
موقف "جبهة لندن" من "الصراع على السلطة" هو التخلي والترك، وهو موقف تكتيكي تبناه إبراهيم منير، تحدث عنه المراقبون باستفاضة ووصفوه بأنها محاولة ماكرة من مكتب لندن للتحايل والعودة إلى المشهد بعدما خرجوا منه مطرودين في أعقاب ثورة 30 يونيو. كما حذَّر المراقبون من مثل هذه التصريحات التي تحتوي قدرا كبيرا من التراجع والانحناء، لأنه تراجع مُضلل يهدف لتحقيق مكاسب، أو تخفيف أثر الهزائم المتتالية، لحين تجتمع قوتها التي ضربتها الدولة المصرية وخلخلت أعماقها، ثم معاودة الهجوم والاشتباك، وإعادة تدوير مشروعها التخريبي في المنطقة. خاصة وأنها تصريحات تخرج من "عبدالحق" القيادة الآتية من تنظيم 1965 الذي شكلَّه سيد قطب وقاده ضد بلاده.

عمرو فاروق، الباحث في شئون الجماعات الأصولية

مرحلة التيه التنظيمي
من جانبه، قال عمرو فاروق، الباحث في شئون الجماعات الأصولية، أن مضمون رسائل "عبد الحق" تتسق مع توجهات "جبهة لندن" بشكل عام، والتي طرحها من قبل إبراهيم منير، حول الاستراتيجية الجديدة للجماعة في طريقة التعامل مع الأنظمة السياسية الحاكمة.
وأضاف "فاروق" في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، أن جماعة الإخوان مجبرة على التهدئة مع النظام السياسي في ظل السقوط المدوي لاسيما على الساحة السياسية والشعبية، فضلا عن ارتباكها وتخبطها الفكري، ودخولها في مرحلة "التيه التنظيمي" في ظل الانشقاقات التي تلاحقها، وانقسامها على نفسها، وتيقنها أن خطاب المظلومية لم يعد يجدي.
ويرى الباحث في شئون الجماعات الأصولية، أن "جبهة لندن" تلعب دورا خطيرا، حيث تضع على عاتقها غسل سمعة الجماعة من الدماء التي سالت على أيدي عناصرها، ونالت من المدنيين والعسكريين المصريين، في إطار تحول الأزمة السياسية إلى معركة دينية، وعدم قدرتها في التعامل مع أزمة يونيو2013، بنوع من الخبرة، لكنها دفعت الشباب إلى دائرة القتل والدم تحت ذريعة أن ما يحدث يمثل حربًا على الإسلام وليس حربًا على المنهج السياسي لجماعة الإخوان، لكنها تعمل دائما على التوحد مع الإسلام كدين، والشريعة كإطار عقائدي.

إبراهيم منير

شرعية المناصب 
منذ إعلان تسمية صلاح عبدالحق قائما بأعمال المرشد، وسط رفض حاد من جبهة إسطنبول، إلا أن عبدالحق الذي لم يمر على اختياره حتى الآن سوى عشرة أيام، فإنه حرص على عقد اجتماع ضم عددا كبيرا من عناصر الجماعة الإرهابية سماه "على خطى الإمام" قاصدا العودة والتذكير بدور حسن البنا المؤسس الأول للجماعة.
خلافا للاجتماع، فإن "عبدالحق" واصل إرسال العديد من الرسائل عبر صفحة المتحدث الرسمي للجماعة "جبهة لندن"، ركز فيها جمع شمل الجماعة التي ضربتها الفرقة والصراعات الداخلية، كما ركز على احترام العمل التنظيمي، ورغبته في وضع حل للمسجونين.
رسائل "عبدالحق" تمت صياغتها بخبرة شديدة منه بوصفه قيادة عملت في الجانب الدعوي والإرشاد التربوي داخل الجماعة لزمن طويل، وهو ما ظهر جليًا من رسائله الموجهة لجماعته بمناسبة شهر رمضان، حيث اهتم بمساندة العنصر النسائي، ووجه رسالة للمسجونين والقيادات المُدانة قضائيا، ثم الأفراد التي ابتعدت نتيجة الصراعات والإخفاقات التي ضربت الجماعة وزلزلت كيانها، ووصف طريق عودتهم بقوله "أول الوحدة رغبة وتوبة"، ثم رسالة للفرقاء من القيادات داعيًا إياهم للوحدة والاجتماع، متقربًا إليهم بإعلاء شأنهم ودورهم وقيمتهم بأن غيابهم سَبَّبَ تراجعًا للأمة في قيمتها ودينها وهويتها، بحسب تعبيره.  
حرص "عبدالحق" على توجيه رسالة معنوية لسجناء الجماعة الإرهابية، منتقيًا من بينهم مرشد الجماعة محمد بديع؛ ليُعلن له "تجديد البيعة" وفيها إشارة للعناصر المنشقة والمتصارعة بأنه خاضع لرأس الجماعة، رابطا بين تجديده للبيعة وبين تمسكه باختيار جبهة لندن له قائما بالأعمال، وهو ما يشير إلى محاولة "عبدالحق" لإضفاء الشرعية على وجوده في منصبه من خلال خضوعه للمرشد السجين من ناحية، ولاختيار الإخوان له من ناحية أخرى.
من أهم ما حرص عليه "عبدالحق" هو توجيه رسالة لـ"العالمين للإسلام والدعوة إلى الله" وهو أسلوب معروف ومجرب بكثافة واهتمام شديد لدى الجماعة الإرهابية، وهو بناء روابط وصلات مع العاملين في الشأن الديني، تحت شعار أن الكل يعمل من أجل الله والإسلام، لاختراقهم في المقام الأول، ثم لحجز مكان وموضع قدم بين الآخرين، حيث تتمكن من الحفاظ على صورتها كأنها جماعة تعمل في الشأن الديني والدعوي والتربوي فقط بعيدا عن العنف والعمليات الإرهابية.
وهكذا يعلنها "عبد الحق" بوضوح "أيدينا إليكم ممتدة للعمل المشترك" وهي كذبة مكررة، فهي لا تعرف العمل المشترك إلا في حالات الضعف والهزيمة، لذا لابد من التشبث بالآخرين، وتكريس وجودها في الشأن الديني من خلال جمعيات ومنظمات مدنية مخترقة.
 

سيد قطب

استقطاب الأجيال الحديثة
بالعودة إلى تصريحات عمرو فاروق، فإن "جبهة لندن"، تتعامل مع الوضع الراهن عن طريق خطابين أحدهما يمثل المنهج الروحي التربوي، كسبيل لتوحيد الصف الإخواني، وتوظيفا للشعارات الدينية، التي تربت عليها القواعد التنظيمية، في محاولة لتصحيح المفاهيم، على اعتبار أن الجماعة انحرفت عن مسارها الدعوي، وتمثل هذه اللغة الخيط الرابط والقوي والمتفق عليه بين مختلف القواعد التنظيمية التي تفلتت عن مشروع حسن البنا وسيد قطب، خلال  العشر سنوات الأخيرة.
مستكملا، أن الخطاب الثاني وهو خطاب سياسي يعمل على التهدئة مع النظام السياسي والشارع المصري، بعد سقوط القناع الحقيقي عن الجماعة ومشروعها في الوصول إلى السلطة بالقوة، من قبيل منحها قبلة الحياة مرة أخرى في إطار الدور الدعوي الاجتماعي الذي لا يحمل أجندة سياسية، لكنها في النهاية مراوغة سياسية، إذ أن الجماعة تدرك تماما أنها لم تعد في حاجة للدخول في صدام أو صراع مع الأنظمة السياسية، عقب اتخاذها خطوات جادة في التركيز على مشروع "التيار الفكري"، والتخفف من البناء التنظيمي، فضلا عن انتقال المعركة من الميدان العملي، إلى ميدان الفضاء الأزرق، من خلال بناء مئات المؤسسات الفكرية الافتراضية التي تروج للمشروع الإخواني، وتستهدف استقطاب الأجيال الحديثة فكريا وليس تنظيميا.

تهافت البناء التنظيمي
في رسالة سماها رسالة الأسبوع، حافظ "عبد الحق" على عدة مرتكزات أولها العودة لحسن البنا في القواعد التي يُقرها ويحتاج إليها مثل احترام نظام الجماعة، وهو من أكبر الأزمات التي تواجه الجماعة، ويحملها "عبدالحق" بوصفها عبئا يريد الانتهاء منه.
ومثلما يهتم بالتأكيد على احترام نظام الجماعة وعدم الخروج عليها، فإنه يرغب في اختيار المحترفين لتجنب الأخطاء، والعمل مع الآخرين؛ وهذه الأخيرة سمة تلجأ إليها الجماعة خاصة في حالات الضعف والهزات الكبيرة. وأيضا الحرص على شعبية الجماعة لأنها هي القوة المستخدمة في إحداث الفوضى، وتحريك الشارع، وتأجيج مشاعره وتحريضه بسهولة على الأنظمة السياسية القائمة. 
وهكذا، فإن "عبدالحق" الباقي من مخلفات تنظيم65، يركز على تاريخه وخبرته في العمل التربوي وابتعاده عن الأزمات والانشقاقات الأخيرة، للحصول على أكبر دعم ممكن لجمع شتات الجماعة الإرهابية، وإعطائها قبلة الحياة أمام هزائمها المتتالية.