أكد الأنبا أنطونيوس نجيب بطريرك كنيسة الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسية وكاردينال الكنيسة الجامعة أن الكنيسة الكاثوليكية لا تعترف بالطلاق بناءً على التعليم الصريح والواضح للسيد المسيح وكتب العهد الجديد الملهَمة.
يقول إنجيل القدّيس متى (19: 1-9): « ولَمَّا أَتمَّ يسوعُ هذا الكَلام، تَرَكَ الجَليلَ وَجاءَ بِلادَ اليَهوديَّةِ عِندَ عِبْرِ الأُردُنّ فَتبِعَتهُ جُموعٌ كَثيرة، فشفاهم هُناك فَدنا إِليهِ بعضُ الفِرِّيسيِّين وقالوا له لِيُحرِجوه: أَيَحِلُّ لأَحَدٍ أَن يُطَلِّقَ امرَأَتَه لأَيَّةِ عِلَّةٍ كانت؟ . 4 فأَجاب: ((أَما قَرأتُم أَنَّ الخالِقَ مُنذُ البَدءِ جَعلَهما ذَكَراً وَأُنثى . وقال: لِذَلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباهُ وأُمَّه ويَلزَمُ امرَأَتَه ويصيرُ الاثْنانِ جسَداً واحداً فلا يكونانِ اثنَينِ بعدَ ذلكَ، بل جَسَدٌ واحد. فما جمَعَه الله فلا يُفرِّقنَّه الإِنسان. فقالوا له: فلِماذا أَمَرَ موسى أَن تُعْطى كِتابَ طَلاقٍ وتُسَرَّح؟ . قالَ لهم: مِن أَجْلِ قساوَةِ قُلوبِكم رَخَّصَ لَكم موسى في طَلاقِ نِسائكم، ولَم يَكُنِ الأَمرُ مُنذُ البَدءِ هكذا. أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: مَن طَلَّقَ امرَأَتَه، إِلاَّ لِفَحْشاء، وتَزوَّجَ غيرَها فقَد زَنى. فقالَ له التَّلاميذ: إِذا كانَت حالَةُ الرَّجُلِ مَعَ المَرأَةِ هكذا، فلا خَيرَ في الزَّواج. فقالَ لهم: هذا الكلامُ لا يَفهَمُه النَّاسُ كُلُّهم، بلِ الَّذينَ أُنعِمَ علَيهِم بذلك. فهُناكَ خِصْيانٌ وُلِدوا مِن بُطونِ أُمَّهاتِهم على هذِه الحال، وهُناكَ خِصْيانٌ خَصاهُمُ النَّاس، وهُناك خِصْيانٌ خَصَوا أَنفُسَهم مِن أَجلِ مَلكوتِ السَّمَوات. فَمَنِ استَطاعَ أَن يَفهَمَ فَليَفهَمْ! »
وأوضح أنه استنادًا إلى باقي كلمات السيد المسيح في هذا النَص، وإلى ما جاء في الأناجيل الأخرى أن عبارة "إلا لسبب الزنا" لا تدلّ هنا على فكّ رباط الزواج، بل على مجرد الانفصال، ويدعم هذا التفسير الدراسات اللغوية في النصوص غير الكتابية القديمة.
وأشار الى أن هذا المعنى يتأكّد في نفس إنجيل القدّيس متى، إذ يكمّل السيد المسيح في نفس النَص، وبعد الكلمات السابقة مباشرة: "ومَن تزوّج بمطلّقة يزني" متسائلا كيف تكون الكلمة بمعنى فكّ رباط الزواج إذا كان كل من الطرفين لا يمكنه الزواج مرة ثانية؟ وإلا يُعتبَر زانيًا، لأن كلام "السيد المسيح" لا يقول "إذا كانت مخطئة".
واضاف : في إنجيل القدّيس مرقس (10: 1-12) لا يذكر السيد المسيح الكلمات "إلا لسبب الزنا". وهذا هو النص كاملاً: "فتقدم الفريسيون وسألوه: هل يحلّ للرجل أن يطلّق إمرأته؟ -ليجربوه- فأجاب وقال لهم: بماذا أوصاكم موسى؟ فقالوا: موسى أذن أن يُكتب كتاب طلاق فتطلق، فأجاب يسوع وقال لهم: من أجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية. ولكن من بدء الخليقة الله ذكراً وأنثى خلقهما الله. من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمّه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسداً واحداً. إذاً ليس بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرّقه إنسان. ثم في البيت سأله تلاميذه أيضاً عن ذلك، فقال لهم: مَن طلَّق إمرأته وتزوّج بأخرى يزني عليها، وإن طلّقت إمرأة زوجها وتزوّجت بآخر تزني".
هنا الكلام واضح وصريح، ولا يحوي أية استثناءات ولا يمكن للأناجيل أن تتناقض.
وفي الرسالة إلى كنيسة روما يقول القدّيس بولس (7: 2-3): "المرأة المتزوّجة تربطها الشريعة بالرجل ما دام حيّا، فإذا مات تحرّرت من رباط الشريعة هذا. وإن صارت إلى رجل آخر وزوجها حي فهى زانية. ولكن إذا مات زوجها تحرّرت من الشريعة، فلا تكون زانية إن صارت إلى رجل آخر".. وهنا أيضاً لا استثناء من أي نوع.
ما تجيزه حالة الزنى هو إذًا الانفصال فقط، والهدف منه هو:
1- إعطاء فرصة لكلا الطرفين للتفكير في جسامة الذنب المُرتكَب ومحاسبة الذات.
2- إعطاء الوقت الكافي لكليهما ليدركا أن الخيانة غالبًا ما تكون ثمرة حياة زوجية فاترة، وعلاقات غير سويّة من الطرفين، ليشعرا أن كلاً منهما مذنب ولو بدرجة ما.
3- إعطاء الفرصة للطرفين لممارسة فضيلة التوبة، واليقين بأن المحبة الحقيقية تصفح وتضحّي، على مثال "السيد المسيح".
على أساس هذه العقيدة حدّد القانون رقم 863 من قوانين الكنائس الشرقية الكاثوليكية هذا الأمر كالتالي:
البند 1– يُرجَى الزوج كل الرجاء ألا يأبى –بدافع المحبة والحرص على خير الأسرة- الصفح عن القرين الزاني، وألا يقطع شركة الحياة الزوجية. أما إذا لم يعفِ له عن الذنب صراحة أو ضمنًا، فيحق له حل شركة الحياة الزوجية، ما لم يكن قد رضي بالزنى أو أتاح له سببًا، أو اقترف هو نفسه الزنى.
البند 2- العفو الضمني يحصل إذا عاشر الزوج البريء الزوج الآخر بعطف زوجي من تلقاء نفسه بعد علمه بالزنى. لكنه يُفترَض إذا حافظ لمدة ستة أشهر على شركة الحياة الزوجية بدون رفع الأمر إلى السلطة الكنسية أو المدنية.
البند 3- إذا حلّ الزوج البريء شركة الحياة الزوجية من تلقاء نفسه، يجب عليه في غضون ستة أشهر، أن يحيل قضية الانفصال إلى السلطة المختصة، التي عليها بعد التحقيق في جميع الظروف، أن تقدّر إن كان ممكنـًا حمل الزوج البريء على العفو عن الذنب وعدم التمادي في الانفصال.
فالكلام هنا عن حلّ شركة الحياة الزوجية؛ أي عن الانفصال فقط وليس عن حلّ رباط الزواج، فالرباط الزواجي يبقى ويدوم طالما الطرفان على قيد الحياة.
أما الحالات الأخرى التي يسمح فيها قانون الكنيسة الكاثوليكية بالانفصال عن شركة الحياة الزوجية فهي: "إذا جعل أحد الزوجين حياة زوجه أو أبنائه المشتركة في خطر أو بالغة المشقّة، فإنه يتيح للطرف الآخر سببًا مشروعًا للهجر بقرار من الرئيس الكنسي المحلي، أو حتى بمبادرته الشخصية إذا كان في التأخير خطر.. وفي كل الحالات، يجب استئناف شركة الحياة الزوجية لدى زوال سبب الانفصال، ما لم تقرّر السلطة المختصة غير ذلك" (قانون 864).
وتضيف القوانين: "عند انفصال الزوجين، يجب دائمًا اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمعيشة الأبناء وتربيتهم" (قانون 865).
"وبوسع الزوج البرىء وجدير به أن يقبل من جديد الزوج الآخَر في شركة الحياة الزوجية. وفي هذه الحالة يتنازل عن حقّ الانفصال" (قانون 866).