شارك أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول والمنظمات الدولية رئيس الأساقفة بول ريتشارد غالاغر في مؤتمر حول موضوع "ديمقراطية من أجل الخير العام. أي عالم نريد بناءه؟" نظمته كلية العلوم الاجتماعية في جامعة غريغوريانا الحبرية بروما.
ألقى محاضرة سلط فيها الضوء على معنى الديمقراطية وفقاً لحكمة البابوات في السياق الدولي الراهن، وتساءل ما هي الديمقراطية وماذا ينبغي أن نفعل اليوم من أجل الحفاظ عليها.
وتحدث غالاغر عما سماه بـ"السياسة السلبية" التي تقود سيادة الشعوب وضمانة الحرية والمساواة بين المواطنين، ولفت إلى غياب الجهود المطلوبة من أجل تعزيز الوحدة، معتبراً أن الفردانية والنفعية يبدو أنهما أصبحتا الإجابة على احتياجات السعادة، وهما تؤسسان لديمقراطية مزيفة.
بعدها ذكّر المسؤول الفاتيكاني في هذا السياق بأن الديمقراطية هي في الواقع خدمة لوحدة الشعب في إطار التناغم، وهي ثمرة التزام يبحث عن هذه الوحدة. وأشار غالاغر إلى التغيرات التي يشهدها زمننا المعاصر ويبدو أنها تفتقر إلى وجهة واضحة.
وأكد أن العملية الديمقراطية هي متعددة الأبعاد، لافتا إلى أن السياسات الهادفة نحو المستقبل لا تُبنى غالباً على الحجج الفضلى إنما على قوة الأحقاد، والمشاعر الغرائزية.
وتحدث عن وجود ما سماه بالتحوّل التجميلي في السياسة في إشارة إلى تيارات وأحزاب تفوز في الانتخابات بفضل مظهرها الخارجي وحسب وليس نتيجة للأفكار والبرامج التي تطرحها في الحملة الانتخابية، وهكذا لا تستطيع السياسة أن تتخطى الاحتياجات الاقتصادية، إذ تتم التضحية بكل الطاقات السياسية والفردية على مذبح التفاهم الاجتماعي والاقتصادي.
لم تخل محاضرة رئيس الأساقفة غالاغر من تسليط الضوء على مواقف البابوات مشيرا على سبيل المثال إلى أن البابا بيوس الثاني عشر ندد بأزمة الأنظمة التوتاليتارية التي نتجت عن فصل العقيدة وممارسة التعايش الاجتماعي عن مفهوم الله، وداست على الطابع المقدس للكائن البشري.
وأكد أنه مع البابا باتشيلي أصبحت الديمقراطية جزءا لا يتجزأ من العقيدة الاجتماعية للكنيسة الكاثوليكية. وذكّر المسؤول الفاتيكاني بالإسهام الذي قدمه على هذا الصعيد البابوات يوحنا الثالث والعشرون ويوحنا بولس الثاني وصولا إلى البابا فرنسيس الذي – وعندما كان ما يزال كاردينالا – كتب عن انحطاط السياسة وعن تفريغ الديمقراطية من مضامينها.
وذكّر غالاغر بأن فرنسيس لم يتردد في دعوة الجميع إلى تحمل المسؤوليات، لاسيما قادة الدول، كي نتمكن من تخطي الأوضاع الراهنة التي لم تعد مقبولة.
وتوقف عند الخطابات العديدة التي ألقاها البابا برغوليو، مؤكدا أن إعادة إحياء الديمقراطية لا تمر عبر البحث المهووس عن الشعبية والشهرة أو إطلاق الوعود المستحيلة، أو الانضمام إلى أيديولوجيات استعمارية، إذ ثمة حاجة إلى ممارسة جيدة للسياسة، التي هي مسؤولية المواطن وفنّ الخير العام.
وختم رئيس الأساقفة غالاغر مذكرا بخطاب البابا فرنسيس إلى أعضاء السلك الدبلوماسي في يناير كانون الثاني الماضي عندما أكد أن بناء السلام في الحقيقة يعني قبل أي شيء احترام الشخص البشري.