للعقيدة الإسلامية أثر بالغ في نفوس معتنقيها لسماحتها وملائمتها للنفس البشرية، وهو الذي انعكس بشكل كبير على الفنون في شتى مجالاتها، كان أبرزها العمارة الإسلامية، حيث سجلت عبر التاريخ صورة صادقة للفنان المصري ومهارته، ولعل جدران المساجد ومنابرها أبرز دليل على دقة وحرفية الصانع والفنان المصري ومهارته، فعلى مدار شهر رمضان المبارك تأخذكم جريدة «البوابة» في رحلة بين مساجد مصر وأضرحتها، لنتعرف على تاريخ نشأتها، وتأثيرها الروحاني في قلوب مُرتاديها.
ضريح فاطمة خاتون أو كما أطلق عليها «المقريزي» مدرسة تربة أم الصالح، وهي أم الملك الصالح بن المنصور قلاوون، شيد هذه القبة السلطان المملوكي المنصور قلاوون لزوجته فاطمة خاتون أم ابنه الملك الصالح علي، ما بين عامي «٦٨٢هـ-١٢٨٣م» و«٦٨٣هـ-١٢٨٤م»، وتقع في شارع الأشراف امتداد شارع الركبية بحي الخليفة بمدينة القاهرة، وقد كانت أرض هذه التربة وما حولها بستانًا يعود إلى العصر الأيوبي، وقد دفنت بهذه القبة السيدة فاطمة خاتون وابنها الصالح علي، وينسب بعض علماء الآثار هذا الضريح إلى السيدة خوند أشلون زوجة قلاوون وأم ابنه الملك الناصر محمد، لكن هذا الرأي مخالف لكل المصادر التاريخية ذلك لأن المنصور قلاوون تزوجها سنة ٦٨١هـ والضريح تم بناؤه سنة ٩٨٢ هجرية، ودفنت فيه زوجته السيدة فاطمة خاتون أم ولده على الملقب بالملك الصالح والتي توفيت عام ٦٨٢ هجرية، كما دفن والدها الملك الصالح عام ٦٨٧ هجرية، أما خوند أشلون فقد ماتت في سلطنة والدها.
والمعروف أن هذه التربة قد كمل بناؤها في حياة الملك الصالح الذي شارك في افتتاحها مع والده المنصور قلاوون الذي تصدق بمالٍ جزيل عند افتتاحها وأوقف عليها الأوقاف للقراء والفقهاء، وكانت هذه القبة تمثل جزءًا من مجموعة معمارية اندثر معظمها.
وتتكون القبة الضريحة من مدخل مقبي كما يتقدم الضريح سقيفة كما هو الحال في السيدة رقية وقبة شجر الدر وقبة الأشرف خليل، أما غرفة الضريح نفسها فمبنية من الآجر القائم على مدماكين من الحجر، ونظراً لتشابه تخطيط هذه القبة مع قبة الأشرف خليل فإن خوذة القبة المفقودة الآن ربما كانت تشبه خوذة قبة الأشرف خليل.
فقد تولى الملك الصالح وهو ابن السلطان الملك المنصور قلاوون سلطنة مصر في عام ٦٧٨ هجرية، وفي عهد السلطان الظاهر بيبرس تزوج المنصور قلاوون بابنة أحد أمراء المماليك، وقد احتفل السلطان الظاهر بهذا الزواج احتفالاً كبيرًا، وتعهد بكل ما يلزم هذا الحفل من الولائم مما جعل الأمراء وكبار رجال الدولة يتسابقون في تقديم الهدايا إلى المنصور قلاوون.
وكانت أعظم تلك الهدايا تلك التي قدمها له السلطان والتي كانت تحوى الخيل والأنسجة الوشاة والشرابيش المذهبة والمرصعة بالجواهر والمناطق المكفتة بالفضة والذهب والسيوف المرصعة والمزخرفة بالمينا والقسى المطعمة بالعاج والصدف وغيرها كثير، هذا بالإضافة إلى عشرة من المماليك.
وقد قبل قلاوون الهدايا كلها فيما عدا المماليك، فقد اعتذر عن قبولها.
وعندما تولى المنصور قلاوون سلطنة مصر وضع نصب عينيه القضاء على التتار الذين احتلوا جزءًا من بلاد الشام، لذلك نجده يكتب إلى الأمير سيف الدين بلبان الطباخي نائب حصن الأكراد بغزو الفرنج بالمرقب، لمساعدتهم التتار، عند وصولهم حلب، ولم يكن قد مضى على توليه السلطنة غير أسبوع واحد، فقام الأمير سيف الدين بجمع التركمان وغيرهم وحمل المجانيق والآلات ونازل المرقب، فانهزم المسلمون ونهبهم الفرنج، وعدم من المسلمين مقدار مائتي فارس ورجل.