في كل ليلة، تنسج شهرزاد من وحي خيالها باقة من أروع القصص والحكايات، ما يجعل زوجها الملك شهريار، يتلهَّف إلى سماع النهايات، تتوالى الليالي، وتتنوع الشخصيات في حكايات شهرزاد العجيبة والمميزة ما بين جنٍّ وسلاطين وقرَدة وغيرها من الكائنات الغريبة، فيزداد شوق الملك إلى سماع المزيد.
تدور القصة الكبرى «ألف ليلة وليلة» حول شهريار وشهرزاد، عندما يكتشف شهريار في بداية الحكاية أن زوجته الأولى لم تكن مخلصة، فيرى أن كل النساء خائنات ويقرر الزواج بعروس جديدة كل يوم وقتلها في صباح اليوم التالي، راقب النساء وحشية شهريار وقتله لبناتهم أمام أعينهم، لكن شهرزاد، ابنة الوزير، تقنع والدها أن يقدمها إلى شهريار، وتقوم شهرزاد بحكاية قصة لشهريار، ولكنها توقف قصتها في لحظة حاسمة، لذلك يؤجل شهريار قتلها إلى الليلة التالية، وهكذا تستمر شهرزاد برواية القصص لمدة 1001 ليلة.
وخلال شهر رمضان الكريم، تقدم "البوابة نيوز" للقارئ 30 حكاية من تلك الحكايات.
وتروي شهرزاد:
لما استيقظتُ وجدتها تكبس رجلي فدعوت لها، وجلسنا نتحادث ساعةً، ثم قالت: واللهِ إني كنتُ ضيقةَ الصدر وأنا تحت الأرض وحدي، ولم أجد مَن يحدِّثني خمسة وعشرين سنةً، فالحمد لله الذي أرسلك إليَّ.
تمكَّنَتْ محبتها في قلبي، وذهب عني همي وغمي، ثم جلسنا في منادمة إلى الليل، فبِتُّ معها ليلة ما رأيت مثلها في عمري، وأصبحنا مسرورين، فقلت لها: هل أطلعك من تحت الأرض، وأريحك من هذا الجني؟ فضحكت وقالت: اقنع واسكت، ففي كل عشرة أيام يومٌ للعفريت وتسعةٌ لك، فقلتُ وقد غلب عليَّ الغرام: فأنا في هذه الساعة أكسر هذه القبة التي عليها النقش المكتوب لعلَّ العفريت يجيء حتى أقتله، فإني موعود بقتل العفاريت.
وأكمل: لما رفست القبة رفسًا قويًّا، قالت لي المرأة: إن العفريت قد وصل إلينا، أَمَا حذَّرْتُك من هذا؟ والله لقد آذيتني، ولكن انجُ بنفسك، واطلع من المكان الذي جئتَ منه. فمن شدة خوفي نسيت نعلَي وفأسي، فلما طلعت درجتين التفتُّ لأنظرهما، فرأيت الأرض قد انشقَّت، وطلع منها عفريت ذو منظر بشع، وقال: ما هذه الزعجة التي أرعشتِني بها، فما مصيبتك؟ فقالت: ما أصابني شيء غير أن صدري ضاق، فأردتُ أن أشرب شرابًا يشرح صدري، فنهضتُ لأقضي أشغالي، فوقعْتُ على القبة. فقال لها العفريت: تكذبين يا فاجرة.
نظر في القصر يمينًا وشمالًا فرأى النعل والفاس، فقال لها: ما هذا إلا متاع الإنس، مَن جاء إليك؟ فقالت: ما نظرتهما إلا في هذه الساعة، ولعلَّهما تعلَّقَا معك. فقال العفريت: هذا كلام محال لا ينطلي عليَّ يا عاهرة. ثم إنه عرَّاها وصلبها بين أربعة أوتاد، وجعل يعاقبها، ويقررها بما كان؛ فلم يهن عليَّ أن أسمع بكاءها، فطلعت من السلم مذعورًا من الخوف، فلما وصلتُ إلى أعلى الموضع رددتُ الطابق كما كان، وسترته بالتراب، وندمت على ما فعلت غاية الندم، وتذكَّرْتُ الصبية وحُسْنها، وكيف يعاقبها هذا الملعون، وهي لها معه خمس وعشرون سنة وما عاقَبَها إلا بسببي، وتذكرت أبي ومملكته وكيف صرتُ حطَّابًا.
ثم مشيتُ إلى أن أتيتُ رفيقي الخياط، فلقيته من أجلي على مقالي النار وهو لي في الانتظار، فقال: إني بتُّ البارحةَ وقلبي عندك، وخفتُ عليك من وحش أو غيره، فالحمد لله على سلامتك. فشكرته على شفقته عليَّ، ودخلت خلوتي، وجعلت أتفكَّر فيما جرى لي، وألوم نفسي على رفسي هذه القبة، وإذا بصديقي الخياط دخل عليَّ، وقال لي: في الدكان شخص أعجمي يطلبك، ومعه فأسك ونعلك، قد جاء بهما إلى الخياطين، وقال لهم: إني خرجت وقتَ أذان المؤذن لأجل صلاة الفجر فعثرتُ بهما، ولم أعلم لمَنْ هما، فدلُّوني على صاحبهما. فدلَّه الخياطون عليك، وها هو قاعد في دكاني، فاخرج إليه واشكره، وخُذْ فأسك ونعلك.
فلما سمعت هذا الكلام اصفرَّ لوني، وتغيَّرَ حالي، فبينما أنا كذلك وإذا بأرض محلي قد انشقَّت، وطلع منها الأعجمي، وإذا هو العفريت، وقد كان عاقَبَ الصَّبِيَّةَ غاية العقاب، فلم تُقِرَّ له بشيء، فأخذ الفأس والنعل، وقال لها: إن كنت جرجريس من ذرية إبليس فأنا أجيء بصاحب هذه الفأس والنعل. ثم جاء بهذه الحيلة إلى الخياطين، ودخل عليَّ ولم يمهلني، بل اختطفني وطار وعلا بي، ونزل بي، وغاص في الأرض وأنا لا أعلم بنفسي، ثم طلع بي القصر الذي كنتُ فيه، فرأيت الصبية عريانة، والدم يسيل من جوانبها، فقطرت عيناي بالدموع، فأخذها العفريت وقال لها: يا عاهرة، هذا عشيقك. فنظرَتْ إليَّ وقالت له: لا أعرفه ولا رأيته إلا في هذه الساعة. فقال لها العفريت: أهذه العقوبة ولم تقري؟! فقالت: ما رأيته عمري، وما يحل من الله أن أكذب عليه. فقال لها العفريت: إن كنتِ لا تعرفينه، فخذي هذا السيف واضربي عنقه. فأخذَتِ السيف وجاءتني ووقفت على رأسي، فأشرت لها بحاجبي، ودمعي يجري على وجنتي، فنهضت وغمزتني، وقالت: أنت الذي فعلتَ بنا هذا كله. فأشرت لها أن هذا وقت العفو.
فهمت الصبية إشارتي رمت السيف من يدها يا سيدتي، فناولني العفريت السيف وقال لي: اضرب عنقها وأنا أطلقك ولا أنكِّد عليك. فقلت: نعم. وأخذت السيف، وتقدَّمت بنشاط، ورفعت يدي فقالت لي بحاجبها: أنا ما قصرتُ في حقك. فهملت عيناي بالدموع، ورميت السيف من يدي، وقلت: أيها العفريت الشديد والبطل الصنديد، إذا كانت امرأةٌ ناقصةُ عقل ودين لم تستحِلَّ ضرب عنقي، فكيف يحل لي أن أضرب عنقها، ولم أَرَها عمري؟ فلا أفعل ذلك أبدًا، ولو سُقِيتُ من الموت كأس الردى. فقال العفريت: أنتما بينكما مودة. أخذ السيف وضرب يد الصبية فقطعها، ثم ضرب الثانية فقطعها، ثم قطع رجلها اليمين، ثم قطع رجلها اليسار، حتى قطع أربعها بأربع ضربات، وأنا أنظر بعيني، فأيقنت بالموت، ثم أشارَتْ إليَّ بعينَيْها فرآها العفريت، فقال لها: قد زنيت بعينك. ثم ضربها فقطع رأسها، والتفت إليَّ، وقال: يا إنسي، نحن في شرعنا إذا زنَتِ الزوجةُ يحلُّ لنا قتلها، وهذه الصبية اختطفتُها ليلةَ عرسها وهي بنت اثنتي عشرة سنة، ولم تعرف أحدًا غيري، وكنت أجيئها في كل عشرة أيام ليلةً واحدة في زيِّ رجل أعجمي، فلما تحقَّقْتُ أنها خانتني قتلتها، وأمَّا أنت فلم أتحقَّق أنك خنتني فيها، ولكن لا بد أني ما أخليك في عافية، فتمنَّ عليَّ أيَّ ضرر.
ففرحتُ غاية الفرح، وطمعت في العفو، وقلت له: وما أتمناه عليك؟ قال: تمنَّ عليَّ أي صورة أسحرك فيها، إما صورة كلب، وإما صورة حمار، وإما صورة قرد. فقلت له وقد طمعت أنه يعفو عني: والله إنْ عفوتَ عني يعفُ الله عنك بعفوك عن رجل مسلم لم يُؤذِكَ. وتضرَّعْتُ إليه غاية التضرع، وبقيت بين يديه، وقلت له: أنا مظلوم. فقال لي: لا تُطِلْ عليَّ الكلام، أما القتل فلا تخف منه، وأما العفو عنك فلا تطمع فيه، وأما سحرك فلا بد منه. ثم شق الأرض، وطار بي إلى الجو حتى نظرت إلى الدنيا تحتي كأنها قطعة ماء، ثم حطَّني على جبل، وأخذ قليلًا من التراب، وهَمْهَمَ عليه وتكلَّم ورشَّني، وقال: اخرج من هذه الصورة إلى صورة قرد.