ماذا تفعل إذا وجدت نفسك مضطرا في يوم ما للتعامل بنقود لا هي ورقية ولا هي معدنية بل نقود زجاجية؟!!.. لا تتعجب فقد وجدت هذه النوعية من النقود بالفعل، وكان ذلك ضمن مسار وتاريخ الحضارة الإسلامية، حيث كانت وسيلة لضبط أوزان القطع النقدية المعدنية التي استخدمت للتعاملات النقدية في عصور إسلامية مختلفة، وفي بعض الأوقات استخدمت هي نفسها كعملة للتعامل النقدي ومبادلة السلع بها.
قد تجد الأمر غير منطقي لكنه حقيقي والدليل عليه موجود في المتحف الإسلامي، حيث يقتني كنوزا مبهرة منها عملات ذهبية ومعدنية وصنج زجاجية، حيث شاهدنا أثناء جولة لنا بالمتحف مجموعة من الصنج الزجاجية علمنا أنها من عصور إسلامية مختلفة، وكانت تستخدم في وزن العملة، حيث كان الوزن الشرعي للدينار ٤.٢٥ جرام وللدرهم ٢.٩٧ جرام، وعلي الرغم من ذلك فقد كان الوزن الفعلي للعملة يختلف من دولة لأخرى بحسب الرخاء الاقتصادي.
وحتي لا يصعب الأمر علي قرائنا قررنا اللجوء لأهل العلم، وسألنا د. عاطف سعد، عالم الآثار الإسلامية، وأستاذ الكتابات والفنون الإسلامية، ووكيل كلية الآثار بجامعة جنوب الوادي لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، فقال لنا: إن الصنج جمع كلمة صنجة أو سنجة، وهي معربة من الكلمة الفارسية "سنك"، ومعناها الحجر، واستعملت في الفارسية بنفس المعني مع كلمة الوزن لتصبح "سنك وزنه".
وأضاف "سعد"، أن الصنج في البداية كانت من الحجارة، بدليل ما كشفت عنه الآثار القديمة من صنج فرعونية مصنوعة من الزلط، كما أن متحف اللوفر بباريس يحتفظ بعدد منها عليها كتابات بالمصرية القديمة بالخط الهيروغليفي، إحداها تزن ٣٢٥.١٦ جرام والأخرى ٣.٥٧ جرام وثالثة تزن ٣.٦٢ جرام، مما يدعم فرضية أن المصريين القدماء هم أول من استعمل الصنجات في الوزن.
وكشف عالم الآثار الإسلامية، عن أنه وبمرور الوقت تطورت صناعة صنج الوزن واستخدمت معادن ومواد أخري متنوعة مثل النحاس والحديد والبرونز والزجاج، وعندما قامت الدولة الإسلامية استخدمت صنجاً فارسية وأخرى بيزنطية، وكانت أول صناعة للصنج حينها في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، وكانت من الزجاج لعدة أسباب أبرزها ضمان دقة الوزن وعدم التلاعب به، خاصة أن الصنج الزجاجية استخدمت أيضاً لحساب عيار الذهب وفي الصرف كنقود.
من جانبه؛ قال أحمد صيام، مدير عام المتحف الاسلامي، والذي يضم في معروضاته الصنج الزجاجية، إن النقلة الحقيقية في تاريخ النقود الإسلامية حدثت في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، حيث قام بعد عدة مراحل بسك العملة علي الطراز الإسلامي، خاصة أنه لم يكن للعرب قبل الإسلام نقود خاصة بهم، وكانوا يلجأون للتعامل بالدنانير والدراهم البيزنطية والساسانية، والتي كانت تأتيهم عن طريق التعاملات التجارية مع الشام والعراق.