السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مصريات

حكايات شهرزاد | حكاية الصعلوك الثاني (1)

حكايات شهرزاد
حكايات شهرزاد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في كل ليلة، تنسج شهرزاد من وحي خيالها باقة من أروع القصص والحكايات.. ما يجعل زوجها الملك شهريار يتلهَّف إلى سماع النهايات، تتوالى الليالي، وتتنوع الشخصيات في حكايات شهرزاد العجيبة والمميزة ما بين جنٍّ وسلاطين وقرَدة وغيرها من الكائنات الغريبة، فيزداد شوق الملك إلى سماع المزيد.
تدور القصة الكبرى «ألف ليلة وليلة» حول شهريار وشهرزاد، عندما يكتشف شهريار في بداية الحكاية أن زوجته الأولى لم تكن مخلصة، فيرى أن كل النساء خائنات ويقرر الزواج بعروس جديدة كل يوم وقتلها في صباح اليوم التالي. راقب النساء وحشية شهريار وقتله لبناتهم أمام أعينهم. لكن شهرزاد، ابنة الوزير، تقنع والدها أن يقدمها إلى شهريار، وتقوم شهرزاد بحكاية قصة لشهريار، ولكنها توقف قصتها في لحظة حاسمة، لذلك يؤجل شهريار قتلها إلى الليلة التالية، وهكذا تستمر شهرزاد برواية القصص لمدة 1001 ليلة.
وخلال شهر رمضان الكريم، تقدم "البوابة نيوز" للقارئ 30 حكاية من تلك الحكايات
تروي شهرزاد:


تقدَّمَ الصعلوك الثاني وقبَّل الأرض وقال: يا سيدتي، أنا ما وُلِدت أعور، وإنما لي حكاية عجيبة لو كُتِبت بالإبر على آماق البصر لَكانت عبرةً لمَن اعتبر؛ فأنا ملك ابن ملك، وقرأت القرآن على سبع روايات، وقرأت الكتب على أربابها من مشايخ العلم، وقرأت علمَ النجوم، وكلامَ الشعراء، واجتهدت في سائر العلوم حتى فُقْتُ أهلَ زماني، فعَظُم حظي عند سائر الكَتَبة، وشاع ذكري في سائر الأقاليم والبلدان، وشاع خبري عند سائر الملوك، فسمع بي ملك الهند، فأرسل يطلبني من أبي، وأرسل إليه هدايا وتحفًا تصلح للملوك.
جهَّزَني أبي في ست مراكب، وسرنا في البحر مدة شهر كامل حتى وصلنا إلى البر، وأخرجنا خيلًا كانت معنا في المركب، وحمَّلنا عشرة أحمال هدايا، ومشينا قليلًا، وإذا بغبار قد علا وثار حتى سدَّ الأقطار، واستمر ساعةً من النهار، ثم انكشف فبان من تحته ستون فارسًا وهم ليوث عبوس، فتأملناهم وإذا هم عرب قطَّاع طريق، فلما رأونا ونحن نفرُّ قليل، ومعنا عشرة أحمال هدايا لملك الهند، رمحوا علينا وشرعوا الرماح بين أيديهم نحونا، فأشرنا إليهم بالأصابع، وقلنا لهم: نحن رسل إلى ملك الهند المعظَّم، فلا تؤذونا. فقالوا: نحن لسنا في أرضه، ولا تحت حكمه.
ثم إنهم قتلوا بعض الغلمان، وهرب الباقون، وهربت أنا بعد أن جُرِحت جرحًا بليغًا، واشتغلت عنَّا العرب بالمال والهدايا التي كانت معنا، فسرتُ لا أدري أين أذهب، وكنت عزيزًا فصرتُ ذليلًا، وسرت إلى أن أتيت رأس الجبل، فدخلت مغارة حتى طلع النهار، ثم سرت منها حتى وصلت إلى مدينة عامرة بالخير قد ولَّى عنها الشتاء ببرده، وأقبل عليها الربيع بورده، ففرحت بوصولي إليها، وقد تعبت من المشي، وعلاني الهم والاصفرار؛ فتغيَّرَتْ حالتي، ولا أدري أين أسلك، فملت إلى خياط في دكان، وسلَّمتُ عليه فردَّ عليَّ السلامَ، ورحَّبَ بي وباسطني، وسألني عن سبب غربتي، فأخبرته بما جرى لي من أوله إلى آخره؛ فاغتمَّ لأجلي، وقال: يا فتى، لا تُظهِر ما عندك، فإني أخاف عليك من ملك هذه المدينة؛ لأنه أكبر أعداء أبيك، وله عنده ثأر.
ثم أحضر لي مأكولًا ومشروبًا، فأكلت وأكل معي، وتحادثت معه في الليل، وأخلى لي محلًّا في جانب حانوته، وأتاني بما أحتاج إليه من فراش وغطاء، فأقمتُ عنده ثلاثة أيام، ثم قال لي: أَمَا تعرف صنعةً تكتسب بها؟ فقلت له: إني فقيه طالب علم، كاتب حاسب. فقال: إن صنعتك كاسدة في بلادنا، وليس في مدينتنا مَن يعرف علمًا ولا كتابةً غير المال. فقلت: واللهِ لا أدري شيئًا غير الذي ذكرته لك. فقال: شد وسطك، وخُذْ فأسًا وحبلًا، واحتطب في البَرِّيَّةِ حطبًا تتقوَّت به إلى أن يفرج الله عليك، ولا تعرِّف أحدًا بنفسك فيقتلوك. 
ثم اشترى لي فأسًا وحبلًا، وأرسلني مع بعض الحطابين، وأوصاهم بي، فخرجت معهم واحتطبت، فأتيت بحمل على رأسي فبعته بنصف دينار، فأكلت ببعضه وأبقيت بعضه، ودمت على هذا الحال مدة سنة، ثم بعد السنة ذهبت يومًا على عادتي إلى البَرِّيَّةِ لأحتطب منها، ودخلتها فوجدت فيها خميلة أشجار فيها حطب كثير، فدخلت الخميلة وأتيت شجرةً وحفرتُ حولها وأزلت التراب عن جدارها، فاصطكت الفأس في حلقة نحاس، فنظفت التراب، وإذا هي في طابق من خشب، فكشفته فبان تحته سُلَّمٌ، فنزلت إلى أسفل السلم، فرأيت بابًا فدخلته، فرأيت قصرًا محكم البنيان، فوجدتُ فيه صبية كالدرة السنية، تنفي عن القلب كلَّ هَمٍّ وغَمٍّ وبَلِيَّة، فلما نظرت إليها سجدتُ لخالقها لما أبدع فيها من الحسن والجمال.
نظرت إليَّ وقالت لي: أنت إنسي أم جني؟ فقلت لها: إنسي. فقالت: ومَن أوصلك إلى هذا المكان الذي لي فيه خمسة وعشرون سنة، ما رأيت فيه إنسيًّا أبدًا؟ فلما سمعت كلامها وجدتُ له عذوبةً، وقلت لها: يا سيدتي، أوصلني الله إلى منزلك، ولعله يزيل همي وغمي.
حكيتُ لها ما جرى لي من الأول إلى الآخر، فصعب عليها حالي، وبكت وقالت: أنا الأخرى أُعلِمُكَ بقصتي، فاعلم أني بنت ملك أقصى الهند صاحب جزيرة الأبنوس، وكان قد زوَّجني بابن عمي، فاختطفني ليلةَ زفافي عفريت اسمه جرجريس بن رجموس بن إبليس، فطار بي ونزل في هذا المكان، ونقل إليه كل ما أحتاج إليه من الحلي والحلل، والقماش والمتاع، والطعام والشراب، وفي كل عشرة أيام يجيئني مرةً فيبيت هنا ليلةً، وعاهدني إذا عرضَتْ لي حاجة ليلًا أو نهارًا أن ألمس بيدي هذين السطرين المكتوبين على القُبَّة، فما أرفع يدي حتى أراه عندي، ومنذ كان عندي له اليومَ أربعةُ أيام، وبقي له ستة أيام حتى يأتي، فهل لك أن تقيم عندي خمسة أيام، ثم تنصرف قبل مجيئه بيوم؟ 
فقلت: نعم. ففرحَتْ، ثم نهضت على أقدامها، وأخذت بيدي وأدخلتني من باب مقنطر، وانتهت بي إلى حمام لطيف ظريف، ودخلت فجلست على مرتبة، وأجلستني معها، وأتَتْ بسكر مُمَسَّك وسقتني، ثم قدَّمت لي مأكولًا، فأكلنا وتحادثنا، ثم قالت لي: نَمْ واسترِحْ، فإنك تعبان. فنمت يا سيدتي، وقد نسيت ما جرى لي وشكرتها.
وهنا.. أدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.