الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مصريات

حكايات شهرزاد | حكاية الصعلوك الأول (2)

حكايات شهرزاد
حكايات شهرزاد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في كل ليلة، تنسج شهرزاد من وحي خيالها باقة من أروع القصص والحكايات.. ما يجعل زوجها الملك شهريار.. يتلهَّف إلى سماع النهايات. تتوالى الليالي، وتتنوع الشخصيات في حكايات شهرزاد العجيبة والمميزة ما بين جنٍّ وسلاطين وقرَدة وغيرها من الكائنات الغريبة، فيزداد شوق الملك إلى سماع المزيد.

تدور القصة الكبرى «ألف ليلة وليلة» حول شهريار وشهرزاد، عندما يكتشف شهريار في بداية الحكاية أن زوجته الأولى لم تكن مخلصة، فيرى أن كل النساء خائنات ويقرر الزواج بعروس جديدة كل يوم وقتلها في صباح اليوم التالي. راقب النساء وحشية شهريار وقتله لبناتهم أمام أعينهم. لكن شهرزاد، ابنة الوزير، تقنع والدها أن يقدمها إلى شهريار، وتقوم شهرزاد بحكاية قصة لشهريار، ولكنها توقف قصتها في لحظة حاسمة، لذلك يؤجل شهريار قتلها إلى الليلة التالية، وهكذا تستمر شهرزاد برواية القصص لمدة 1001 ليلة.

وخلال شهر رمضان الكريم، تقدم "البوابة نيوز" للقارئ 30 حكاية من تلك الحكايات.

تروي شهرزاد:

 

قال ذلك الصعلوك: أخذوني، وأنا غائب عن الدنيا بسبب هذه الأخبار التي سمعتها عن أبي، فلما تمثَّلْتُ بين يدي الوزير الذي قتل أبي، وكان بيني وبينه عداوة قديمة، وسبب تلك العداوة أني كنت مولعًا بضرب البندق، فاتفق أني كنتُ واقفًا يومًا من الأيام على سطح قصري، وإذا بطائر نزل على سطح قصر الوزير، وكان واقفًا هناك، فأردتُ أن أضرب الطيرَ، وإذا بالبندقة أخطأَتْ وأصابت عين الوزير، فأتلفَتْها بالقضاء والقدر.

 فلما أتلَفْتُ عينَ الوزير لم يقدر أن يتكلم لأن والدي كان ملك المدينة؛ فهذا سبب العداوة التي بيني وبينه، فلما وقفتُ قدامه وأنا مكتَّف، أمر بضرب عنقي، فقلتُ: أتقتلني بغير ذنب؟! فقال: أي ذنب أعظم من هذا؟ وأشار إلى عينه المُتلَفة، فقلتُ له: فعلتُ ذلك خطأً. فقال: إن كنتَ فعلتَه خطأً، فأنا أفعله بك عمدًا. ثم قال: قدِّموه بين يدي. فقدَّموني بين يدَيْه، فمدَّ أصبعه في عيني الشمال فأتلفها؛ فصرتُ من ذلك الوقت أعور كما تروني، ثم كتَّفني ووضعني في صندوق، وقال للسياف: تسلَّمْ هذا، وأشهِرْ حسامَك وخُذْه واذهب به إلى خارج المدينة، واقتله ودَعْه للوحوش تأكله. فذهب بي السياف، وسار حتى خرج من المدينة، وأخرجني من الصندوق، وأنا مكتوف اليدين مقيَّد الرجلين، وأراد أن يغمض عينيَّ ويقتلني، فبكيتُ، وكان السيَّاف لأبي، ولي عليه إحسان، قال: يا سيدي، كيف أفعل وأنا عبد مأمور؟! ثم قال لي: فُزْ بعمرك، ولا تَعُدْ إلى هذه الأرض فتهلك، وتهلكني معك.

فلما قال لي ذلك قبَّلت يدَيْه، وما صدقت بالنجاة حتى فررت، وهان عليَّ تلف عيني بنجاتي من القتل، وسافرتُ حتى وصلتُ إلى مدينة عمي، فدخلت عليه وأعلمته بما جرى لوالدي، وبما جرى لي من تلف عيني، فبكى بكاء شديدًا، وقال: لقد زدتَني همًّا على همي، وغمًّا على غمي؛ فإن ابن عمك قد فُقِدَ منذ أيام، ولم أعلم بما جرى له، ولم يخبرني أحد بخبره. وبكى حتى أغمي عليه، فلما استفاق قال: يا ولدي، لقد حزنت على ابن عمك حزنًا شديدًا، وأنت زدتني بما حصل لأبيك غمًّا على غمي، ولكن يا ولدي بعينك ولا بروحك.

ثم إني لم يمكنني السكوت عن ابن عمي الذي هو ولده، فأعلمتُه بالذي جرى له كله، ففرح عمي بما قلته له فرحًا شديدًا عند سماع خبر ابنه، وقال: أرني التربة. فقلت: والله يا عمي لم أعرف مكانها؛ لأني رحت بعد ذلك مرات لأفتش عليها فلم أعرف مكانها. ثم ذهبتُ أنا وعمي إلى الجبانة، ونظرت يمينًا وشمالًا فعرفتها، ففرحت أنا وعمي فرحًا شديدًا، ودخلتُ أنا وإياه التربة، وأزحنا التراب، ورفعنا الطابق، ونزلت أنا وعمي مقدارَ خمسين درجة، فلما وصلنا إلى آخِر السلم، وإذا بدخان طلع علينا فغشي أبصارنا، فقال عمي الكلمةَ التي لا يخاف قائِلُها وهي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم مشينا وإذا نحن بقاعة ممتلئة دقيقًا وحبوبًا ومأكولًا، وغير ذلك، ورأينا في وسط القاعة ستارةً مسبولة على سرير، فنظر عمي إلى السرير فوجد ابنه هو والمرأة التي قد نزلَتْ معه صارَا فحمًا أسودَ، وهما متعانقان كأنهما أُلْقِيَا في جبِّ نار، فلما نظر عمي ذلك بصق في وجهه، وقال: تستحق يا خبيث، فهذا عذاب الدنيا، وبقي عذاب الآخرة وهو أشد وأبقى.

ثم إني تفكَّرْتُ ساعةً في الدنيا وحوادثها؛ مِن قتْلِ الوزير لوالدي، وأخذه مكانه، وتلَفِ عيني، وما جرى لابن عمي من الحوادث الغريبة؛ فبكيت، ثم إننا صعدنا ورددنا الطابق والتراب، وعملنا القبر كما كان، ثم رجعنا إلى منزلنا، فلم يستقر بيننا الجلوس حتى سمعنا دقَّ طبول وبوقات ورمحت الأبطال، وامتلأت الدنيا بالعجاج والغبار من حوافر الخيل، فحارت عقولنا ولم نعرف الخبر، فسأل الملك عن الخبر، فقيل: إن وزير أخيك قتله، وجمع العسكر والجنود، وجاء بعسكره ليهجموا على المدينة في غفلة، وأهل المدينة لم يكن لهم طاقة بهم، فسلَّمُوا إليه. فقلت في نفسي: متى وقعت أنا في يده قتلني. وتراكمت الأحزان، وتذكرت الحوادث التي حدثت لأبي وأمي، ولم أعرف كيف العمل، فإن ظهرتُ عرفني أهل المدينة وعسكر أبي فيسعون في قتلي وهلاكي، فلم أجد شيئًا أنجو به إلا حلق ذقني فحلقتها، وغيَّرْتُ ثيابي وخرجت من المدينة، وقصدت هذه المدينة والسلام؛ لعل أحدًا يوصلني إلى أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين؛ حتى أحكي له قصتي، وما جرى لي، فوصلت إلى هذه المدينة في هذه الليلة فوقفت حائرًا، ولم أدْرِ أين أمضي، وإذا بهذا الصعلوك واقف فسلَّمْتُ عليه، وقلت له: أنا غريب. فقال: وأنا غريب أيضًا. فبينما نحن كذلك، وإذا برفيقنا هذا الثالث جاءنا وسلَّمَ علينا، وقال: أنا غريب. فقلنا له: ونحن غريبان. فمشينا وقد هجم علينا الظلام، فساقنا القدر إليكم، وهذا سبب حلق ذقني، وتلف عيني.

فقالت الصبية: ملِّسْ على رأسك ورُحْ.

وهنا.. أدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.