شهدت مصر فى منتصف عام 1930 العديد من الحوادث التى أثارت الرأى العام وعلى رأسها تأجيل انعقاد البرلمان الأمر الذى أدى إلى مواجهات ساخنة بين أعضاء مجلسى النواب والشيوخ وبين وزارة إسماعيل صدقى باشا، فضلًا عن وقوع العديد من الحوادث فى عدة محافظات، وتدخلت الحكومة البريطانية التي سعت إلى الحفاظ على مصالحها برسائل إلى الحكومة المصرية، وهو ما رد عليه مصطفى باشا النحاس رئيس حزب الوفد بأن الأمة ستدافع عن دستورها فى مواجهة الحكم المطلق.
بعد المظاهرات التي وقعت عام ١٩٣٥، بعد اعتراض الحكومة البريطانية على مطالبة محمد نسيم باشا رئيس الوزراء بتفعيل دستور ١٩٢٣، وتعطيل دستور ١٩٣٠ الذي فُرِض على الشعب، اجتاحت المظاهرات العديد من المحافظات، احتجاجًا على التدخلات البريطانية وتصريحات وزير خارجية بريطانيا، وحدث إضراب عام في البلاد أواخر نوفمبر من العام نفسه.
وحسب المؤرخ عبدالرحمن الرافعي في الجزء الثاني من كتابه في "أعقاب الثورة المصرية ١٩١٩"، دعت القوى الوطنية إلى تشكيل ائتلاف على غرار ما حدث عام ١٩٢٥ من أجل تحقيق مطالب الشعب المصري، واتفقت الأحزاب والقوى الوطنية على تشكيل جبهة وطنية للمطالبة بتفعيل دستور ١٩٢٣، وتم الاتفاق على أمرين أولهما إعادة دستور ٢٣ وإجراء انتخابات حرة، وعقد معاهدة بين مصر وبريطانيا طبقًا لنصوص المشروع الذي انتهت إليه مفاوضات النحاس – هندرسون عام ١٩٣٠.
ولكن خرج الحزب الوطني ليعلن موافقته على المطلب الأول وهو تفعيل دستور ٢٣ بينما رفض المطلب الثاني حفاظًا على مبادئه وأهمها الجلاء المُطلق الناجز، ولأن الأحزاب الأخرى قبلت الدخول في المفاوضة لعقد المعاهدة قبل الجلاء، وهو ما اعتبره الحزب تعارضًا مع سياسته.
وتشكلت الجبهة الوطنية في ديسمبر ١٩٣٥ من الوفد والحزب الوطني والأحرار الدستوريين وحوب الشعب والاتحاد، وتم اختيار لجنة لوضع صيغة الكتاب الذي اتفقت الأحزاب على رفعه باسم الجبهة إلى الملك بإعادة دستور ١٩٢٣، وعقد اجتماع لوضع صيغة الكتاب، واجتماع آخر لوضع صيغة كتاب يتم رفعه إلى السير مايلز لامبسون المندوب السامي البريطاني للمفاوضة على عقد المعاهدة، ولكن لم يشترك الحزب الوطني في خطاب المندوب السامي.
وفي ١٢ ديسمبر ١٩٣٥ رفعت الأحزاب الكتاب إلى الملك فؤاد الأول ونص الكتاب على: "أننا لنرى بكل احترام أنه ما من مخرج من هذه المحنة أو علاج حاسم لها إلا أن يعود إلى الأمة فورًا دستورها الصادر في عام ١٩٢٣، وما كنا فيما نرى صادرين إلا عن الرأي الذي ارتضته حكمة جلالتكم السامية في كتابكم الملكي الصادر إلى مجلس الوزراء بتاريخ ٢٠ أبريل ١٩٣٥"، متابعًا: "نلتمس من جلالتكم التعطف بإصدار أمركم الكريم بإعادة دستور ١٩٢٣ فورًا ونرفع إلى سدتكم مع هذا الالتماس أسمى فروض الولاء لعرشكم والإخلاص لذاتكم".
ووقع على الكتاب الذي تم رفعه للملك كلٌ من: مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد، محمد محمود رئيس حزب الأحرار الدستوريين، إسماعيل صدقي رئيس حزب الشعب، يحيى إبراهيم رئيس حزب الاتحاد، حافظ رمضان رئيس الحزب الوطني، عبدالفتاح يحيى، حمد الاسل، حافظ عفيفي عن المستقلين، وتسلمه علي ماهر رئيس الديوان الملكي ورفعه إلى الملك.
كما رفعت الجبهة كتابها إلى المندوب السامي ووقع عليه نفس الموقعون على كتاب الملك عدا حافظ رمضان تنفيذًا لقرار الحزب الوطني، ووقعت العديد من الأحداث بعد ذلك منها استقالة وزارة نسيم باشا، وتشكيل على ماهر باشا رئيس الديوان الملكي للحكومة.
في ١٣ فبراير ١٩٣٦ صدر مرسوم ملكي بتعيين وفد المفاوضة مع بريطانيا لعقد المفاوضات، وتشكل وفد المفاوضات من مصطفى النحاس رئيسًا، والأعضاء هم، محمد محمود، إسماعيل صدقي، عبدالفتاح يحيى، واصف بطرس غالي، الدكتور أحمد ماهر، علي الشمسي، عثمان محرم، حلمي عيسى، مكرم عبيد، حافظ عفيفي، محمود فهمي النقراشي، أحمد حمدي سيف النصر، ومثلوا أحزاب الوفد والدستوريين الأحرار والاتحاد والشعب والمستقلين، ولم يتم تمثيل الحزب الوطني لعدم قبوله الاشتراك فيها استمساكًا بسياسته "لا مفاوضة إلا بعد الجلاء".
وبحسب كتاب الرافعي "ثورة ١٩١٩" فإن سياسة الحزب الوطني قائمة على أن الجلاء هو الدواء الوحيد للاحتلال، والأصل أن الاستقلال حق طبيعي ثابت لا يقبل المناقشة، ولا يصح أن يجعل هذا الحق موضع شك أو مساومة والمفاوضة والاحتلال قائم وسيلة قصد منها تشكيك الأمة المصرية في حقها في الجلاء، وإيمانها به.
سياسة
دفتر أحوال الوطن (٢٢).. الحزب الوطني يرفض معاهدة 1936
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق