يُعد المتحف الإسلامى فى باب الخلق هو أكبر المتاحف فى العالم التى تخص حضارة واحدة، حيث يضم بين جنباته 100ألف قطعة أثرية تخص الفترة المعروفة اصطلاحًا بالحضارة الإسلامية، وفيه قطع فنية أثرية من مختلف بلدان العالم، والتى وصلت إلى مصر إما عن طريق الشراء أو الإهداء. وضمن تلك القطع أبريق مصنوع من البرونز ومحفور بدقة متناهية، وتم التأريخ لهذا الأبريق كما يقول الدكتور حسن الباشا فى كتابه عن القاهرة وفنونها بالقرن الثانى الهجري، ويتميز بزخارفه الساسانية والبيزنطية كعادة فنون العصر الأموى بشكل عام.
ومصر بدأ فيها الحكم الإسلامى منذ دخول عمرو بن العاص إليها عام ١٨ هجرية، واستقرت بها الأمور وبنى لها عاصمة جديدة وهى مدينة الفسطاط عام ٢١ هجرية، ثم توالت العهود على مصر، حيث صارت مصر تحت حكم الخليفة الثالث عثمان بن عفان ثم الخليفة الرابع على بن أبى طالب، ثم انتقل الحكم إلى البيت الأموي، فصارت مصر تابعة للدولة الأموية، وصار الوالى الأموى يحكم مصر من الفسطاط أيضًا.
وآخر خلفاء بنى أمية هو مروان بن محمد، وكان مشهورًا بالشجاعة والفروسية وووصفه مؤرخو عصره بأنه كان بطلًا حارب الخوارج وانتصر عليهم وحارب الروم، ثم قاتله العباسيون، ووقعت بين الطرفين وقائع ومعارك كثيرة، وسار إليهم مروان بجيش كبير وتقاتل الطرفان فى موقعة الزاب عام ١٣٢ هـ، وكانت الهزيمة من نصيب مروان بن محمد وجيشه، فتراجع إلى الشام فتبعه العباسيون، ثم فر إلى مصر فطاردوه، ثم قتلوه فى قرية أبو صير فى نفس العام، وبموته سقطت الدولة الأموية وبدأ حكم العباسيين.
وأبريق مروان بن محمد محفوظ فى متحف الفن الإسلامي، تحت رقم ٩٢٨١، ويبغ طوله ٤١ سم، وعرضه ٢٨ سم، ويمتاز بدقة الصنعة والرشاقة والغرابة فى ذات الوقت، فهو أبريق من قاعدة وبدن ورقبة ومقبض وغطاء ومصب وكل هذه الأجزاء تتصل ببعضها البعض بطريقة اللحام، بشكل محترف للغاية، لدرجة قد لا تلاحظ معها العين أثرًا لتلك اللحامات.
ومصب الأبريق على شكل ديك يصيح ناشرًا جناحيه، وأرجع علماء الآثار شكل المصب إلى الفن الرومانى الكلاسيكي، حيث حدثت احتكاكات مباشرة ما بين الأمويين والرومان، وبالتأكيد ينشأ عن ذلك نوع من التبادل الفني، وكذلك الأبريق يحمل زخارف بالحفر البارز عبارة عن عقود على شكل أهلة، وبداخل العقود زخارف نباتية ورسومات طيور وحيوانات، والمقبض نهايته من ناحية الرقبة تتخذ شكل زهرة الأكانتس، فالأبريق بشكل عام يجمع عددا من الغرائب أبرزها الديك الصائح، لذلك يصر البعض على أن الأبريق كان مخصصًا للوضوء، يعتبر الأثريون الفنون الموجودة على الأبريق هى بدايات التأثير على الفنون الإسلامية، والتى اتخذت بعد ذلك طابعًا خاصًا بها.
وأبريق مروان بن محمد عُثر عليه فى أنقاض مقبرة تعود إلى بداية العصر الإسلامي، ويُعتقد أن المقبرة تخصه، ولذلك تم نسب الأبريق إليه، ولكن الشك فى نسب المقبرة يجعل نسبة الأبريق إليه مشكوكًا فيه أيضًا، ومن الممكن أن يكون الأبريق مصنوعًا فى بلاد فارس واشتراه مروان بن محمد، أو آخرون حتى وصل إلى مصر، وتم تأريخ الأبريق أنه يعود إلى العصر الأموى بناءً على الزخارف الساسنية والبيزنطية عليه، والتى كانت مميزة للفنون الأموية.