في 22 أكتوبر 1930، أعلنت حكومة إسماعيل صدقي باشا الأمر الملكي بإلغاء دستور 1923 وحل مجلسي النواب والشيوخ، وإعلان دستور جديد للبلاد وهو دستور 1930، كما صدر في نفس اليوم قانون جديد للانتخاب.
وصف المؤرخ عبدالرحمن الرافعي في الجزء الثاني من كتابه في أعقاب الثورة المصرية 1919، إلغاء الدستور بأنه اعتداء منكر على حقوق الشعب، واستخفاف به، لأنه حق أساسي اكتسبته الأمة بعد جهاد طويل مرير.
ويضيف الرافعي، أن الدستور الجديد أهدر سلطة الأمة وحقوقها، وتتجلى قواعده في أن الحكومة اعتبرته منحة من الملك وهذا معناه أن الملك يلغيه وقتما شاء، فضلًا عن أنه جعل الدستور الجديد غير قابل للتجديد لمدة 10 سنوات، وقيد المسئولية الوزارية وهي حق مجلس النواب في مسائلة الحكومة وثقته بها من عدمه، كما جعل للسلطة التنفيذية حق التشريع وهو حق أصيل للسلطة التشريعية دون غيرها، وأيضًا جعل لها سلطة نقل اعتمادات من بابا إلى آخر في الميزانية دون حاجة إلى تصديق البرلمان، والصحف جعلت عرضة للتعطيل بقرار، فضلًا عن جعل الأعضاء المعينين بمجلس الشيوخ ثلاثة أخماس، بينما كان دستور 23 يقضي بانتخاب الثلاثة أخماس وتعيين الخمس.
كما جعل للملك وحده حق تعيين شيخ الأزهر وغيره من الرؤساء الدينيين بدلًا من تعيينهم وفقًا للقانون، بالإضافة إلى أن الدستور أعطى للملك حق تقدير الدعوة لاجتماع غير عادي للبرلمان، في حين كان دستور 1923 في مادته رقم 40 ينص على أن الملك يدعو البرلمان لاجتماع غير عادي متى طلبت الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلسين ذلك.
وأصدرت وزارة صدقي باشا، قانون الانتخاب وألغت القانون القائم من عام 1924 وجعلت الانتخاب على درجتين، كما جعلت حق الانتخاب في مندوبين خمسينيين أي أن كل مندوب ينوب عن خمسين ناخبًا، وجعلت سن الانتخاب 25 سنة بعدما كان 21 سنة، كما حرم أصحاب المهن الحرة خارج القاهرة من الترشح للبرلمان، وهو ما أدى إلى حرمان الأطباء والصحفيين والمحامين والمهندسين والتجار المقيمين في الأقاليم من الترشح.
العديد من الاحتجاجات وقعت على إثر إلغاء دستور 1923، وأصدرت الأحزاب السياسية العديد من البيانات أعلنوا خلالها رفضهم الاعتداءات التي تحدث، كما تقدم العديد من العمد والمشايخ باستقالاتهم وأعلنوا رفضهم المشاركة في الانتخابات التي دعت إليها الحكومة.
وجرت الانتخابات في مايو ويونيه 1931، ووصفها الرافعي بأنها انتخابات صورية، كانت على درجتين، الأولى الخمسونية، والتي يتم فيها اختيار مندوب عن كل خمسين ناخبًا، والثانية ينتخب فيها هؤلاء المندوبون أعضاء المجلس ثم أعضاء مجلس الشيوخ، وأشار الرافعي إلى أن الأمة قاطعت الانتخابات بشكل يشبه لما حدث للجنة ملنر 1919، ووقعت العديد من الاحتجاجات ووقائع القتل والأحداث الدموية، موضحًا أنه تم تزوير الانتخابات وتزوير المحاضر، وهو ما نتج عنه إضرابات في العديد من المحافظات، كما أضرب العمال في بولاق والورش الأميرية، وهو ما دعا الحكومة إلى التعامل مع المتظاهرين بإطلاق الرصاص الحي.
وأوضح الرافعي أن عدد القتلي طبقًا لبيانات الحكومة آنذاك بلغ 100 قتيل و 175 جريحا، لافتًا إلى أن العديد أقل من الحقيقة بكثير، فضلًا عن القبض على عدد من النواب السابقين، فيما تقدم حزب الوفد ببلاغات رسمية للنائب العام عن الجرائم التي تم ارتكابها.
في 12 مايو 1931 تنازل الخديو عباس الثاني عن العرش للملك فؤاد الأول، ثم اجتمع البرلمان في 20 يونيه 1931، وأقر اتفاقية جيغوب وقام بتعديل قانون العقوبات من أجل التنكيل بالمعارضين والصحافة.
وبيّن الرافعي العديد من الحوادث الجنائية التي وقعت في عهد صدقي باشا، ومنها العديد من القنابل التي ألقيت على منازل نواب البرلمان، ومنزل صدقي باشا نفسه تم العثور فيه على قنبلة، بالإضافة إلى قنابل تم إلقاؤها على المحاكم والمدارس، ثم القضية المشهورة بقضية البداري في أسيوط والتي تم فيها قتل رئيس المباحث، وتلا ذلك تم تعطيل العديد من الصحف ووقف إصدارها، وإقرار تعديلات جديدة على قانون العقوبات لتقييد الصحافة ومنع نشر أي أخبار ضد الحكومة والملك، فضلًا عن وضع قانون المطبوعات رقم 98 لسنة 1931، والقانون 35 لنفس السنة، وزادت في هذه القوانين والتعديلات عقوبة الحبس لتصل إلى 5 سنوات وغرامة تصل إلى 500 جنيه في حال نشر أي أخبار تهدد على قلب نظام الحكم أو تشكك في صحته وسلطانه.
وأشار الرافعي إلى أزمة اقتصادية طاحنة وقعت ما بين عامي 1930 – 1934، منها هبوط سعر القطن والمحاصيل الزراعية عامة، وتم استعمال القسوة في تحصيل الضرائب من المزارعين، فضلًا عن زيادة الديون العقارية، وتلا ذلك إجراء محادثات سيمون – صدقي في عام 1932، ولم يتم الموافقة على أي من طلبات صدقي باشا.
وبعد هذه الأحداث لاحت في الأفق أزمة سياسية وانشق عدد من قيادات حزب الوفد، بعد محاولات السير برسي لورين المندوب السامي البريطاني، شق الصف الوطني بتشكيل حكومة ائتلافية يمكنها التلاعب بها، وهو ما استطاع القيام به وشق صف الوفد.
وبعد حادثة البداري تم تشكيل حكومة جديدة برئاسة صدقي باشا أيضًا، ولكنه قام بتغيير بعض الوزراء، ولكن استمرت على نفس النهج من التعسف والتنكيل بالمعارضين، إلى أن وقعت حادثة الحسينية بمحافظة الدقهلية والتي قام فيها البوليس بقتل ثلاثة مواطنين، وتم على إثرها تغيير وزير الداخلية والزراعة والخارجية، واستمرت هذه الأوضاع إلى أن تقدم صدقي باشا باستقالته في سبتمبر 1933، وألف الوزارة بعده عبدالفتاح يحيى باشا، ولكن حسب الرافعي انفصلت وزارة يحيى باشا عن الشعب، وقامت بحل مجلس نقابة المحامين، في 28 ديسمبر 1933، وكان ذلك نتيجة مطالبة وزارة الحقانية بعدم انتخاب اثنين تم الحكم عليهما قبل يومين بالتوبيخ، وهو ما اعتبره المحامون تدخلًا في أمور النقابة الداخلية، وتم انتخاب ثلاثة أعضاء ممن حُكِم عليهم، ولكن استطاعت الحكومة الحصول على موافقة البرلمان بإقرار القانون رقم 86 لسنة 1933 لمنع انتخاب ممن صدر ضدهم أحكام دون تحديد نوع هذه الأحكام، وتطبيقه بأثر رجعي على مجلس النقابة للعام 1933، ووقف المحامون إزاء تطبيق هذا القانون ووقفوا وقفة مشرفة حسب الرافعي، ودعوا لاجتماع غير عادي للجمعية العمومية التي رفضت القانون الجديد.
في 6 نوفمبر 1934 تقدم عبدالفتاح يحيى باشا باستقالة الحكومة إلى الملك، الذي عهِد إلى محمد نسيم باشا بتشكيل الوزارة، في 15 نوفمبر من العام نفسه.
وكان أول عمل تقوم به وزارة نسيم باشا هو عودة الحياة الدستورية، وإلغاء دستور 1930 وحل مجلسي النواب والشيوخ، ولكن لم يُفعل دستور 1923، وتولى الملك فيها سلطة البرلمان والسلطة التنفيذية، وفي يناير من عام 1935 عقد الوفد المصري مؤتمره العام وحضره حوالي 25 ألف عضو وتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، وكان أهم القرارات هو الدعوة لعودة دستور 1923.
وفي 17 أبريل 1935 رفع نسيم باشا كتابًا إلى الملك للمطالبة بتفعيل دستور 23 مع إمكانية تعديله أو دعوة لجنة وطنية لوضع دستور للبلاد، ووافق الملك في 20 من الشهر نفسه على العودة بدستور 1923، ولكن اعترضت الحكومة البريطانية ووزير خارجيتها على العمل بهذا الدستور الذي يطالب به الشعب، وهو ما تسبب في انطلاق المظاهرات في القاهرة والمحافظات المختلفة احتجاجًا على التصريحات البريطانية، كما حدث إضراب عام في البلاد أواخر نوفمبر، وهو ما دعا القوى الوطنية إلى تشكيل ائتلاف لما حدث عام 1925 من أجل تحقيق مطالبهم، وتشكلت الجبهة الوطنية وكتبت كتابًا إلى الملك بمطالبها، كما كتبت كتابًا آخر إلى المندوب السامي البريطاني، وفي 12 ديسمبر 1935 استجاب الملك للجبهة بعودة دستور 1923 الذى تقرر بالأمر الملكي رقم 42 لسنة 1923.
وقوبل إعلان عودة الدستور الذي تعطل 5 سنوات بالفرحة والمظاهرات، ليتوج كفاح الأمة بتحقيق مطالبها، ويصف الرافعي ذلك اليوم بأنه أحد الأيام المجيدة في تاريخ الحركة الوطنية.