فى هذا الزمن كان البطريرك هو البابا يوحنا السادس البطريرك رقم ٦٤ ، وكان معاصراً للملك "الكامل ناصر الدين"، وعندما وصل خبر وفاته لقصر السلطان، كان موجوداً عنده طبيبه الخاص الحكيم "ابى شاكر بن أبى سليمان"وهو ارخن قبطى تقى، استفهم منه عن تقاليد إقامة البطريك عند الأقباط؟ فقال له: نرشح ثلاثة رجال أخيار علماء، ونكتب اسم كل واحد منهم على رقعة، ونضيف رقعة رابعة عليها اسم السيد المسيح ، ونضعهم على المذبح ونصلى ثلاثة ايام بطلبات كثيرة وفى نهاية الثلاث ايام نحضر طفل دون سن البلوغ ليختار واحدة، فإن كان اسم أحدهم نقيمه بطريرك وان كانت الرقعة التى عليها اسم المسيح، نعرف انه لا يريد اى منهم، فنختار ثلاثة آخرين ونعيد الكرة الى ان نجد البابا الجديد.
أعجبت الفكرة الملك وامر بتنفيذ العادة القبطية، واصدر مكتوب بهذا المضمون، لكن القس"داود بن لقلق" وكان أحد ابرز المرشحين، ثار هو وأنصاره عندما وصلهم المكتوب !! فقد خافوا ألا تصيبه القرعة، وتكرر رفضهم لها على مدى سنوات كلما طرحت الفكرة، وكانوا يقولون صراحة أنه لا يوجد مثيل له فى العلم ليكون نداً له فى قرعة! بل سعوا لرسامته بأمر سلطانى، كما اقترحوا مناظرة بين المرشحين فى حضور للملك! وقالوا ان القرعة من عوايد الفرنجة!! والقس "داود بن لقلق" واحد من رهبان دير مار بقطر بالفيوم، وكان كاتب لاهوتى بليغ، لكن يشوب فكره إنحرافات عقيدية وكانت تعاليمه اقرب للملكانيين (الخلقدونيين)! ، وعندما تم تنبيهه لأخطائه لم يتراجع ، فقد كان يعانى من الكبرياء الذى يصيب بعض الموهوبين. فتم طرده من الدير لإنحراف عقيدته، بل تمرد على الزى الكهنوتى القبطى المعتاد وصار يلبس ثياباً مماثلة لثياب الروم الملكانيين!! كان مثيراً للمشاكل والمخاصمات فى كل مكان يحل به.
ورغم ذلك كان له معجبين كثر بثقافته وبلاغته! يرون ان من يعادونه يفعلون ذلك غيرة منه! فحاولوا رسامته بطريركا، وكان ابرز محبيه الأرخن" نشأ الخلافة أبو الفتوح بن الميقاط" وكان رئيس ديوان جيوش الملك العادل، وقد حاول ابو الفتوح على مدى سنوات رسامته بأى شكل. وتصدى له آخرين وبسبب هذه المشاحنات ظل الكرسى المرقسى خالياً لمدة عشرين سنة مليئة بالصراعات!!! وفى النهاية رسم القس داود بطريكاً من دون قرعة كما كان يريد!، بأسم "البابا كيرلس الثالث". وكانت أيامه كلها مشاكل وثار الشعب عليه عدة مرات لأخطائه فى الإدارة وابرزها السيمونية، والزموه بعمل مجمع مقدس لصياغة القوانين الكنسية.
وقرر مجمع الأساقفة الذى اجتمع فى كنيسة حارة زويلة بالقاهرة في ٣ سبتمبر ١٢٣٨م ، مجموعة من القرارات حرم من يحيد عنها وهى المعروفة ب (قوانين البابا كيرلس بن لقلق)، وتبدأ هذه القرارات بإقرار الإيمان الأرثوذكسي المحدد بواسطة المجامع المسكونية الثلاثة الأولى، وآباء الكنيسة وقوانين الرسل والمجامع المقبولة، وبعد ذلك تتفرع لأربعة كتب عن إدارة البطريركية، كامل طقوس ونظام البيعة، والأوقاف والصدقات.