الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

مصطفى بيومى يكتب: رمضان فى عالم نجيب محفوظ

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

رواية "عصر الحب" تقدم مشهدًا غنيًا يعبر عن إيقاع الحياة الرمضانية فى مصر


يحظى المحرومون فى شهر الصيام بنفحات مادية وروحية.. وطعام موائد الأغنياء غير متاح فى بيوتهم
 

يمثل نجيب محفوظ قيمة مضيئة فى تاريخ الثقافة المصرية، والعربية والإنسانية، ذلك أنه يقدم نموذجًا فذًا للمثابرة والجدية والدأب من ناحية والتمسك بالتفاعل الإيجابى مع معطيات الواقع الاجتماعى دون إهمال التجديد الفنى من ناحية أخرى.
فى هذا الإطار، وعبر ثلاثة أرباع القرن تقريبًا، منذ أوائل الأربعينيات فى القرن العشرين، تنوعت وتراكمت الدراسات والبحوث النقدية التى تتناول إنتاجه الثرى، وينتمى دارسوه والباحثون فى إبداعه إلى مدارس واتجاهات نقدية مختلفة، وأجيال متباينة، وجنسيات شتى؛ لكن المشترك الراسخ بينهم جميعًا هو الإقرار بمكانته السامية وتقدير إنجازه المرموق.
ويحظى شهر رمضان بمكانة مهمة فى العالم الروائى والقصصى لنجيب محفوظ، ذلك أنه يجمع بين الدينى العقائدى والدنيوى الاجتماعى، وتتجسد من خلاله ملامح متميزة أصيلة فى الشخصية المصرية، حيث التدين الذى يتسم بالكثير من التسامح، والإقبال على الحياة ومسراتها دون إسفاف أو تجهم.
ولشهر رمضان مكانته وخصوصيته فى الحياة المصرية، وفى عالم نجيب محفوظ بالتبعية. الأمر لا يقتصر على الجانب الدينى وحده، فهو يتغلغل فى أعماق الحياة الاجتماعية، وتتجلى آثار شهر الصيام بوضوح فى الإيقاع اليومى الذى يتغير مساره جذريًا، وفى سلوك البشر الذين يتواصلون ويتفاعلون مع الشهر بطرق وأساليب مختلفة، تجمع بين الدينى والدنيوي.
يكشف الكاتب الكبير، فى عالمه الثرى، عن الملامح والسمات الراسخة فى الشخصية المصرية، ومن أهمها غياب التنافر والتناقض والصراع بين الدين والدنيا، والقدرة على المزج بينهما وتحقيق التلاحم، وهو ما يتجلى فى شهر رمضان وما يصاحبه من تحولات واحتفالات.
صيام شهر رمضان عند الغالبية العظمى من المصريين المسلمين، عبر المراحل التاريخية المختلفة، ليس التزامًا بأداء الفريضة الدينية فحسب، لكنه أيضًا فرصة استثنائية للتواصل الاجتماعى، والمرح والمودة والسهر، والتخلص من روتينية الإيقاع السائد المألوف فى الشهور الأخرى.
بعض المسلمين لا يصومون فى الواقع المعيش، وفى عالم نجيب محفوظ بالتبعية. الأمر هنا لا يتعلق بنسبة المفطرين، التى هى ضئيلة عند مقارنتها بالأغلبية الصائمة، لكنه يشير إلى "أعداد" تتنوع أسبابهم ودوافعهم، وينقسمون بين المجاهرة والتستر، والأغلب الأعم منهم أقرب إلى الاستهتار دون اعتناق للكفر والإلحاد.
من ناحية أخرى، فإن خصوصية وتفرد العلاقات الاجتماعية فى شهر رمضان لا تخفى أو تغيب، فالاحتفالات تتزايد عند الطبقات جميعًا، والتزاور لا ينقطع، والطعام المختلف يمثل عنصرًا جوهريًا مهمًا فى الحياة اليومية التى تكتسب مذاقًا جديدًا، ثم يأتى عيد الفطر ليمثل الذروة فى التعبير عن العناق الحميم بين الدين والدنيا.
يتسع عالم الكاتب الكبير لرصد وتأمل وتحليل المظاهر المختلفة التى يتسم بها شهر رمضان، لكن الرواية المبكرة "خان الخليلى" هى الأكثر أهمية، فبداية أحداثها تقترن بقرب بداية الشهر، وكذلك نهايتها، وفيها تعبير إنسانى شعبى عميق عن طبيعة الحياة المصرية وتحولاتها فى شهر الصيام.
ويمكن دراسة شهر رمضان وتجلياته، عند نجيب محفوظ، لتقديم صورة متكاملة متجانسة متوازنة عن شهر الصيام فى عالم نجيب محفوظ، وهو ما يعكس بالضرورة لوحة مكثفة صادقة عن طبيعته المتفردة فى الواقع المصرى، ليس على اعتبار أن الصيام فريضة دينية فحسب، لكن أيضًا من حيث أنه ممارسة اجتماعية وثيقة الصلة بالسلوك الإنسانى، وطبيعة الشخصية، والسمات الغالبة على مراحل التطور الاجتماعى.

الإطار الاجتماعى
فى "قصر الشوق"، يحتفل آل شداد بقدوم شهر رمضان احتفالًا يفوق الوصف، كما يقول كمال عبد الجواد: "أنوار تُضاء، وقرآن يُتلى فى بهو الاستقبال، والمؤذنون يؤذنون فى السلاملك".

رواية قصر الشوق لنجيب محفوظ


مثل هذا الاحتفاء ليس دينيًا خالصًا، ولا يمكن أن يكون، فهو مزيج من الدينى والاجتماعى، ذلك أنه لا يليق بأسرة شداد الأرستقراطية فاحشة الثراء أن تتخلف عن مثيلاتها من الأسر ذات الشأن والمكانة، ولا نظر فى هذا السياق إلى طبيعة السلوك الدينى الذى يتسم به أفراد الأسرة، فالاحتفال موجه إلى المجتمع وأفراده فى المقام الأول.
بيوت السراة 
أسرة شداد ليست الأسرة الوحيدة التى تبالغ فى الاحتفال والاحتفاء عند قدوم شهر رمضان، ففى "خان الخليلى" يتحدث كمال أفندى خليل عن الليالى الرمضانية قبل ربع قرن من مطلع الأربعينيات فى القرن العشرين: "وكيف كانت بيوت السراة تظل مفتوحة طوال الليل، تستقبل القاصدين وتستقرئ مشاهير المقرئين حتى مطلع الفجر، وقال إن بيتهم القديم – بيت أبيه- كان ضمن تلك البيوت العامرة".
ربما يكون حديثه عن بيت أبيه العامر موضعًا للشك، ورغبة فى التفاخر الكاذب، فليس فى حاضر كمال أفندى ما ينبئ عن بقايا ثراء قديم، لكن الظاهرة الموضوعية التى يرصدها صحيحة ولا مجال لإنكارها. شهر رمضان الكريم مناسبة ذات خصوصية، يمتزج فيها الدينى بالاجتماعى، وبيوت السراة المفتوحة دليل عملى على التواصل مع شهر رمضان، بما يليق ويتوافق مع جلال المناسبة وأهميتها فى المجتمع المصرى.
فى قصة "أم أحمد"، مجموعة "صباح الورد"، يرصد الراوى ما يتحقق فى شهر الصيام من تقارب وتناغم وانسجام طبقى لا تعرفه الشهور الأخرى: "لم يكن التزاور ممكنًا بين الربع والسراى، ولكن السرايات كانت تفتح أبوابها لأهل الربع فى رمضان والأعياد، يجلسون فى الحديقة، ويأخذون حظوظهم من اللحوم والكعك ويستمعون لتلاوة القرآن من كبار المقرئين".

رواية صباح الورد

فى شهر رمضان وحده، تذوب وتتراجع الفوارق الطبقية الشاسعة دائمة الوجود، ويحدث التقارب الاستثنائى بين الفقراء والأغنياء. الأغنياء يعطفون ويرقون ويجزلون العطاء للمحرومين على مدار العام، والفقراء يستمتعون بمسرات لا يجدون إليها سبيلًا من الطعام والشراب والترفيه. فريضة الصيام هى المشترك الذى يوحد من كانوا متباعدين متنافرين، ويحظى المحرومون بنفحات مادية وروحية، فالطعام الذى يتناولونه على موائد الأغنياء غير متاح فى بيوتهم، أما الاستماع إلى كبار قارئى القرآن الكريم فليس ميسورًا إلا فى قصور السادة.
الطبقة الوسطى 
إذا كان الأغنياء قادرين على الاحتفال بما يتوافق مع إمكاناتهم المادية العالية، فإن الفقراء والعاديين من الناس يمارسون الاحتفال وفق قدراتهم المحدودة، وليس من نموذج معبر يفوق ما تقوله وتفعله أم أحمد عاكف فى "خان الخليلي"
ينتمى آل عاكف إلى الطبقة الوسطى "المستورة"، فهم ليسوا من الفقراء المحرومين الذين يعانون الضيق وشظف العيش، لكنهم أيضًا ليسوا من الأثرياء المرفهين البعيدين عن مشقات الحياة وما تحفل به من معاناة اقتصادية.
الأب عاكف أفندى موظف متقاعد ذو معاش محدود، والأم ربة بيت لا تعمل، والعبء كله يقع على كاهل الإبن أحمد، وهو بدوره موظف صغير لا يملك إلا راتبه المتواضع الذى لا يغنى عنه شيئًا. لا تجهل أم أحمد عاكف شيئًا من هذا كله، لكنها تتهيأ لاستقبال شهر رمضان بحديث مطول عن "حقوقه وواجباته"، وعن النقل والكنافة والقطائف واللحوم: "وانشغلت الأم فى الأيام الباقية بتهيئة المطبخ، وتبييض الأوانى وتخزين ما تيسر من النقل والسكر والبصل والتوابل. وكان لمقدم رمضان فى نفسها فرحة وسرور، ولو أنها لم تؤد فريضة الصيام إلا منذ سنوات قلائل، إذ أنه شهر المطبخ كما أنه شهر الصيام - أو لأنه شهر الصيام – وأجمل من هذا أنه شهر الليالى الساهرة والزيارات الممتعة، حيث تُدار الأحاديث على قزقزة اللب والجوز والفستق. ومن حسن الحظ أن رمضان وافق ذلك العام شهر أكتوبر، وهو شهر معتدل، وغالبًا ما يصفو جوه ويطيب فيلذ فيه السهر حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر".
المسألة هنا لا تخص الصائمين وحدهم، ولا تنصرف إلى معنى الدين والعبادات، فالمفردات الشائعة تتعلق بالطعام والسهر والزيارات الممتعة. حقوق رمضان وواجباته مادية تنصرف إلى الطعام من ناحية وإلى التواصل الاجتماعى من ناحية أخرى، ولا غرابة أن تكون أم أحمد هى الأكثر احتفاء وسعادة، على الرغم من أنها حديثة العهد بالصيام، وليس فى سلوكها ما ينم عن توجه دينى أصيل مؤثر. 
ولا يختلف الأمر كثيرًا عند الأب عاكف أفندى، فهو يستعيد ذكريات قديمة قوامها السرور والتواصل المرح مع الأصدقاء المقربين من أبناء جيله: "وفى أيام الفتوة والصحة كنت أسرى قبل السحور فى جمع من الإخوان من السكاكينى إلى حينا هذا، نتسحر كوارع ولحم الرأس وندخن البورى فى مقهى الحسين ونستمع إلى آذان الشيخ على محمود ثم نعود مع الصباح الباكر".
ليس فى مثل هذه الطقوس الاجتماعية ما يتناقض مع الدين، أو يتصادم مع جلال الصيام، فمن حق المسلم الصائم أن يستمتع بمسرات الحياة، والطعام متعة لا تختلف عن السمر والسهر وصحبة الأهل والأصدقاء والتردد على الأماكن ذات الطابع المميز، بكل ما فيها من سحر وروعة.
رائحة الكعك 
فى قصة "أسعد الله مساءك"، مجموعة "صباح الورد"، يتحول الطعام المتميز غير التقليدى إلى "علامة رمضانية" فى طفولة حليم عبد القوى البيه: "وفى رمضان يمتلئ الكرار بالنقل، وبالكعك فى عيد الفطر".
عيد الفطر هو ذروة الاحتفال بشهر رمضان، و"خان الخليلي" أكثر روايات نجيب محفوظ تعبيرًا عن أجواء العيد ومباهجه وكيفية استقباله والتواصل معه.
عندما يقترب شهر رمضان من نهايته، تقول أم أحمد عاكف لابنها المسئول عن تدبير الاحتياجات المادية للأسرة: "لم يبق إلا يومان، وبات الإنسان يشم رائحة الكعك الطيبة فى الجو"
على الرغم من الاعتراضات التى يبديها أحمد لأسباب اقتصادية، فإنه لا يملك إلا أن يرضخ!
يقول محتجًا: "الكعك فرحة الأطفال"، وترد الأم متشبثة بحقها الموروث فى الاحتفال الذى تعودت عليه، وتجد فيه عيدها الحقيقي: "والرجال والنساء. العيد عيد الناس جميعًا. ألم تر إلى أبيك كيف جهز نفسه بعباءة جديدة يصلى بها العيد؟ وكيف ابتعت أنت بدلة وطربوشًا وحذاء.. مباركة عليك باسم الرحمن؟ أما سرورى أنا بالعيد ففى العجن والنقش ورش السكر والحشو بالعجمية"!.
للمرأة منطقها المتماسك المقنع، فلكل إنسان أن يحتفل بالعيد وفق الممارسات التى تجلب السرور إلى نفسه. وإذا كانت فرحة الأب بالعباءة الجديدة، وفرحة الابن بالبدلة والطربوش والحذاء، فإن فرحة الأم لن تتحقق إلا عبر الطقوس المعتادة الموروثة، فالطعام المتميز هو الذى يبث البهجة والفرحة والسرور.
الكعك من علامات العيد، ورائحته ذات بريق وحضور، أما إعداده والتفنن فيه فمصدر سعادة ومتعة وشعور بالتحقق لآلاف الآلاف من النساء اللاتى لا يختلفن عن أم أحمد عاكف، بكل بساطتها وعفويتها وروح المرح التى تسكنها.
تمتلئ الرواية بكثير من التفاصيل عن احتفالات عيد الفطر وطقوسه، وهو ما سوف نتوقف أمامه تفصيلًا فيما بعد، لكن قصة "المهد"، مجموعة "القرار الأخير"، تقدم تتويجًا بليغًا لرؤية نجيب محفوظ الشاملة عن الطابع المميز للعيد، كما تتسم به الحياة المصرية، اعتبارًا من الأيام الأخيرة فى شهر رمضان: "فى الأيام الأخيرة من الشهر يمضى به أبوه إلى السكة الجديدة، إلى محلى جاكويل وجوستر، فيشترى له بدلة جديدة وحذاء جديدًا. يحفظهما لصباح العيد، ويتفحصهما بحنان، ويشمهما بوجد متلذذًا برائحة الجلد والقماش الجديدين. وحلق الشعر والحمام وأخذ الزينة الكاملة والانطلاق إلى ميدان الأفراح والمزامير والأراجيح، والكعك والغريبة والعديّات وزيارات الأقارب والأحباب، وسينما الكلوب المصرى وشارلى شابلن".
لوحة متكاملة الأبعاد، تقدم شهادات مكثفة عن أجواء العيد وآليات الاحتفال به فى الربع الأول من القرن العشرين. تختلف الطقوس فى مراحل تالية، بالنظر إلى التطور الاجتماعى وما يطرأ على إيقاع الحياة من تحولات، لكن الجوهر لا يطوله تغيير حقيقى، ففرحة العيد قائمة فى كل زمان ومكان.
للفريضة الدينية جلالها وطقوسها وفلسفتها، ولا تعارض بين ذلك الجانب العقائدى وما يمثله الاحتفال الاجتماعى عند الصغار والكبار، النساء والرجال، بالملابس والطعام والزيارات. إنها الفرحة الدنيوية، بعد أداء فريضة الدين.
تساؤلات وذكريات 
على الرغم من أن "الثلاثية" هى أغنى أعمال نجيب محفوظ بدلالاتها الاجتماعية والثقافية، وبقدرتها غير المسبوقة على تقديم شهادة وافية عن المجتمع المصرى فى النصف الأول من القرن العشرين، فإننا لا نجد فيها اهتمامًا ملموسًا واضحًا بشهر رمضان، من الناحيتين الكمية والكيفية، ولا نستطيع التعرف على مواقف وممارسات الشخوص الرئيسين، المنتمين إلى أسرة السيد أحمد عبدالجواد فى أجيالها المتعاقبة.
ليس أدل على محدودية الاهتمام من أن القارئ لا يعرف شيئًا ذا بال عن طقوس رب الأسرة خلال شهر الصيام، والإشارتان الوحيدتان العابرتان نجدهما فى الجزء الثالث والأخير: "السكرية"، حيث يؤرخ أحمد عبدالجواد للقائه الأخير مع صديق العمر محمد عفت، بالسهرة الرمضانية التى قضياها معًا: "عليك رحمة الله يا محمد عفت، كان آخر العهد به سهرة من ليالى رمضان فى السلاملك المطل على الحديقة"
كان الصديقان يعيشان فى المرحلة الأخيرة من عمر حافل بالكثير من اللهو والصخب والمغامرات، ومثل هذه السهرة الرمضانية قد تناسب وقار الشيوخ وأمراضهم المزمنة، لكنها لا تصلح شاهدًا على الطبيعة المختلفة للسهرات القديمة المواكبة لفتوة الشباب وذروة الرجولة.
سرعان ما يموت أحمد عبدالجواد نفسه، فتأتى الإشارة الثانية عن شهر رمضان، فى سياق حديث الخادمة أم حنفى عن ذكرياتها القديمة مع الفقيد الراحل، لكن ما تستدعيه وتحكيه غائم يخلو من التفاصيل المشبعة، ولا يشفى غليلًا: "وأمس جر الحديث إلى ذكر ليالى رمضان فبادرت تحدث عن سيرة سيدى فى رمضان منذ ساعة استيقاظه فى الضحى حتى عودته إلينا عند السحور"
أسئلة كثيرة مهمة غائبة الإجابات، تطرح نفسها على من يتابعون الإيقاع اللاهى لشخصية السيد أحمد عبدالجواد: كيف كان صيامه؟ وهل يؤثر الصيام على أسلوبه التقليدى المألوف فى التعامل مع أصدقائه وأفراد أسرته؟ وكيف يطيق الابتعاد عن الخمر والنساء شهرًا كاملًا؟ وما المواعيد التى يلتقى فيها مع شلته، وكيف يقضون سهراتهم المعتادة؟ وهل تزداد عباداته فى شهر الصيام أم تتضاعف عصبيته؟ وكيف يكون احتفاله بالعيد؟
ما السر فى إهمال نجيب محفوظ للموقع الذى يحتله شهر رمضان فى حياة أحمد عبدالجواد وأسرته؟!. إن "الثلاثية" تمتلئ بعشرات التفاصيل عن الجوانب المتعددة فى الحياة المصرية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية، وللدين مكانته التى تترك آثارها على معظم الشخوص، فلماذا يتضاءل الاهتمام بشهر رمضان؟!.
هل يستشعر الروائى الكبير حرجًا، أم أنه يواجه مأزقًا موضوعيًا وفنيًا يحول دون تعبيره عن التأثير الذى يتركه الشهر على إيقاع الحياة المألوفة المعتادة؟.
مع اتساع الإطار الزمنى للثلاثية، حيث تمتد أحداثها عبر ما يزيد على ربع قرن، فإن نجيب محفوظ لا يقدم إلا أقل القليل عن شهر رمضان، ومن هذا القليل يمكن استنباط مجموعة من المؤشرات العامة، التى نجد صداها فى أعمال روائية وقصصية أخرى، سابقة ولاحقة للثلاثية.
اتهامات ودلالات 
تتمثل أهم هذه المؤشرات فى الاتهام الذى توجهه خديجة أحمد عبدالجواد لشقيقتها عائشة، فى "بين القصرين"، والذى يأتى بشكل عفوى دال: "كلنا نصوم رمضان إلا أنتِ، تتظاهرين بالصوم، وتندسين فى حجرة الخزين كالفأرة وتملئين بطنك بالجوز واللوز والبندق، ثم تفطرين معنا بنهم يحسدك عليه الصائمون ولكن الله لا يبارك لك"!.
المستخلص من العبارة السابقة ذو شقين: الأول هو الشيوع النسبى لظاهرة المفطرين، أو المتهمين بالإفطار فى رمضان، والثانى هو التداخل الملحوظ بين الإطارين الدينى والاجتماعى عند الحديث عن الصيام.
عائشة ليست المفطرة الوحيدة فى عالم نجيب محفوظ، وفى الواقع الاجتماعى العريض الذى يعبر عنه هذا العالم، كما أن عبارة خديجة: "الله لا يبارك لك"، لا تنصرف إلى مفهوم "البركة" بالمعنى الدينى، فالذى تعنيه هو استمرار نحافة شقيقتها، على الرغم من نهمها فى تناول الطعام، وإفطارها فى رمضان!.
الاهتمام محدود بشهر رمضان فى "الثلاثية"، لكن رواية "عصر الحب" تقدم مشهدًا غنيًا بالمؤثرات والدلالات، فى تعبيره الفنى عن إيقاع الحياة الرمضانية فى مصر، وعن مدى التقارب الروحى العميق بين الفقراء والأغنياء.
تتربع الست "عين" فوق قمة الهرم الاجتماعى، وتقبع أم سيدة فى قاعه، لكنهما تتناولان الإفطار معًا، وتمارس كل منهما سلوكًا مغايرًا، يعكس طبيعة الشخصية ودرجة الإقبال على الحياة.
رائحة الملوخية، التى تملأ الحارة، هى التى تدفع أم سيدة إلى الزيارة المباغتة قبل الإفطار، وبصحبتها الابنة الطفلة: "عقب الآذان غيرت عين ريقها على عصير خشاف فاتر، ثم نهضت لتصلى المغرب، على حين جلست أم سيدة إلى المائدة بعد أن نزعت عنها الملاءة وهى تتمتم "لا حياء فى الجوع". وراحت خادمة تشعل المصباح الغازى الكبير المدلى من السقف فوق السفرة، ثم أشعلت قنديل الفراندة المطلة على الحديقة، ومضى الإفطار فى المضغ تتخلله كلمات عابرة".
تهرع الست "عين" إلى الصلاة، أما المرأة الفقيرة الكادحة فإنها تخوض معركة الطعام. ويستمر التباين السلوكى بعد نهاية الإفطار، فأم سيدة تؤثر أن تقتعد شلتة، لتمد ساقيها ترويحًا لمعدتها المتخمة: "ولفت سيجارة. تخدرت من أول نفس، نعست عيناها العسليتان وانتفخ أنفها الغليظ الممسوح الأرنبة كرأس القطة. وسيطر الصمت قليلًا تحت تأثير رغبة ملحة فى الراحة، وجاءت خادمة بفانوس عزت الملون، فهفت نفس عين إلى الانطلاق وقالت:
- ما أحلى المشى عند الحسين.
فتمتمت أم سيدة ضاحكة:
- عندما ترجع إلى القدرة على المشي.
ولفت سيجارة ثانية"!.
سيجارة أم سيدة ولذة الاسترخاء، فى مواجهة تطلع عين إلى المشى والتريض وزيارة الحسين، وبين هذين التوجهين يظهر الفانوس الرمضانى ليعبر عن عالم الأطفال، ممثلًا فى عزت ابن عين، حيث يغيب الانشغال بالطعام والتدخين وزيارة المساجد، ذلك أن الاهتمام كله منصب على التطلع الدائم إلى اللعب واللهو والمرح.
الصيام عبادة وأجواء روحانية، مثلما هو احتفال اجتماعى وتهيؤ للسرور والفرح، والعيد بهجة للأطفال والنساء والرجال جميعًا. لا تعارض بين الدينى والدنيوى، ولا ينبغى لمثل هذا التناقض الوهمى أن يكون. المتنطعون حدهم من يصنعون الحواجز الوهمية والصراعات التى لا مبرر لها، أما عالم نجيب محفوظ فينتصر للمصالحة الضرورية بين الدين والدنيا.
حكمة الأصداء 
فى "أصداء السيرة الذاتية"، يقدم الكاتب الكبير خلاصة رؤيته وعصير حكمته، مسلحًا بلغة تعانق روح الصوفية، وتبتعد عن الإطناب والثرثرة.
ما أكثر اللوحات التى تقدمها الأصداء عن مغزى الإيمان وجلاله، وأبعاده المتعددة المتشعبة، لكن الجدير بالتأمل والاهتمام هو ما نجده فى لوحتى "على مائدة الرحمن" و"ليلة القدر"، ففيهما عزف جديد متفرد على ثنائية التلاحم بين الدينى والاجتماعى، عند التعامل مع شهر رمضان.
تحت عنوان "على مائدة الرحمن"، يكتب نجيب:
"عمرت مائدة الرحمن بالصائمين. ولما ترامى إليهم الآذان تأهبوا وبسملوا، وهتف رجل ذو شأن:
- طعامنا حرام على من بقلبه زيغ.
وندت عن رجل ضحكة عالية لفتت إليه الأنظار.
أمسك عن الضحك وقال:
- عندى غذاء أجمل فأصغوا إليَّ!
ولكنهم أقبلوا على الطعام وهم يسخرون من الرجل.
ولما امتلأت البطون وثقلت الأجفان فغفوا إغفاءة قصيرة. ورأوا فى نومهم عالمًا يفتن ويسحر. ولما استيقظوا توجهوا نحو الرجل الضاحك فلم يجدوا له أثرًا.
وترك الغائب فى كل قلب لوعة".
ما أكثر الغافلين الذين يقبلون على اليسير المتاح، وينصرفون عن الوعود الوفيرة. مائدة الرحمن تتسع للكثير من الخيرات، والظاهر منها لا يمثل شيئًا يُذكر عند مقارنته بالباطن المحجوب المخبوء، لكن الغالبية العظمى تقنع بما ترى، وتعجز عن الاستماع إلى كلمات الحق التى تخاطب الأعماق.
عقابهم الموجع ان يروا فى نومهم وأحلامهم العابرة ما أضاعوه فى صحوهم، وعقابهم أيضًا أن تستقر اللوعة فى قلوب أهدرت نعمة اليقين وتشبثت بملء البطون.
"موائد الرحمن" ظاهرة رمضانية اجتماعية واسعة الانتشار فى الحياة المصرية، لكن الذى يعنيه محفوظ يتجاوز الظاهر التقليدى المباشر، فهو يتحدث عن مائدة الرحمة الإلهية، تلك التى لا يصنعها البشر، فهى هبة إلهية لمن تصفو أرواحهم.
ليلة القدر 
فى لوحة أخرى، من اللوحات التى تتضمنها "أصداء السيرة الذاتية"، يقدم نجيب محفوظ رؤية ذات مذاق ساحر فريد عن "ليلة القدر".
"زينا حجرة الاستقبال بالورود. وتسلل البخور من نوافذ بيتنا إلى عرض الطريق. وأعددنا من أسباب السرور ما يلذ السمع والبصر والذوق.
وأملنا كالآخرين أن ينزل الشيخ فى ضيافتنا ويسهر عندنا ليلة القدر. واستغرق والداى فى التلاوة وجعلت أذهب وأجيء بين النافذة والباب المفتوح.
وفجأة تعالت فى جلال الليل زغرودة من بيت أحد الجيران.
وتبادلنا نظرات الأسى فى صمت.
وقال أبى متنهدًا.
- لا يريد الحظ أن يبتسم بعد".
لهفة الإنسان فى انتظار أن تتحقق الأحلام، وأن يحل الضيف الخارق القادر على إحالة الحياة إلى عالم جديد.
الكل ينتظر، ويهيئ نفسه قدر الاستطاعة والجهد، لكن القرار النهائى الحاسم لا يملكه المنتظرون المجتهدون. ليس فى مستطاعهم إلا أن يزينوا ويهيئوا أنفسهم، وأن ينتظروا مستغرقين فى التلاوة والدعاء، ومسكونين باللهفة التى لا شبيه لها.
الأسى نتيجة منطقية لتبخر الأمل، لكن الحظ السعيد الذى لا يبتسم، قد يعاود الابتسام.

خصوصية "خان الخليلى" 
إذا كانت "أصداء السيرة الذاتية" هى الذروة ونهاية المطاف، فإن "خان الخليلي" هى أكثر الأعمال الواقعية فى تعبيرها الصادق عن الأجواء الرمضانية فى الحياة المصرية، خلال مطلع الأربعينيات من القرن العشرين.

رواية خان الخليلي

إيقاع مختلف 
يقدم الموظف التقليدى أحمد عاكف، الشخصية المحورية فى الرواية، أنموذجًا متكاملًا لمشاعر ومعاناة وأحاسيس الأغلبية الصائمة: "وفى اليوم الأول من الصيام كابد أحمد عاكف تعبًا مرهقًا، فشق عليه ألا يشرب قهوته ويدخن سيجارته على الريق، ومضى إلى الوزارة متوجع الرأس متثائبًا، وغالب مغالبة يائسة حتى دمعت عيناه من التثاؤب واسترخت جفونه".
مزيج من الجوع والعطش والحنين إلى العادات اليومية المزاجية، السيجارة والقهوة، وشعور تقليدى يكابده الصائمون بالإرهاق والتعب والزحف البطيء للوقت فى انتظار الوصول إلى ساعة الإفطار: "وكان أبقى الأهرام بغير قراءة ليتسلى بمطالعته فى الساعة الأخيرة المعروفة بشدتها وثقلها فأكب عليه حتى فرغ منه، ونظر فى الساعة فعلم أنه لايزال عليه أن ينتظر نصف ساعة أخرى!"
يتغير إيقاع الحياة اليومية فى رمضان، ويبدأ الصائمون شهرًا يمارسون فيه طقوسًا وعادات جديدة. لا يشعر المفطرون بمثل هذا النوع من التغيير الجذرى، لكنهم لا يستطيعون الإفلات من تأثير المناخ العام، الذى تخضع له الأغلبية الصائمة.
تخلو الشوارع قبل دقائق من الإفطار، وتعمر البيوت بالصائمين الذين ينتظرون لحظة الإفطار، وبعينى أحمد عاكف يقدم نجيب محفوظ لوحة يعرفها الصائمون جيدًا.
يسود السكون قبل الإفطار فى شوارع المدن الإسلامية كافة، وتخلو الطرقات إلا من بقايا المارة المتعجلين فى العودة إلى بيوتهم. ذلك المشهد هو ما نجده فى الحياة المصرية المعاصرة، وهو نفسه ما يرصده أحمد عاكف فى شوارع "خان الخليلي"، عندما تنتقل أسرته إلى الحى الشعبى العريق، هروبًا من الغارات الألمانية فى مطلع الأربعينيات من القرن العشرين، ويصومون هناك لأول مرة، بعد أن تعودوا الصيام فى حى "السكاكيني"، الأقرب إلى العصرية والأبعد عن احتذاء التقاليد الموروثة.
المشهد الشائع 
أحمد عاكف يمثل الأغلبية الصائمة، وهذه الأغلبية هى صانعة المشهد الشائع السابق للإفطار: "وقد أوشك الطريق أن يخلو إلا من باعة الزبادى، وشاهد شعاع الشمس الأخير يتقلص عن أسوار العمارات التى تواجهه من وراء مربع الحوانيت العظيم، والنوافذ المفتوحة تعلن عن السفر الحافلة، وعلى الشرفات انتصبت القلل لتبرد وانتثرت أطباق الخشاف المكللة بغلالات بيض، وأتى الهواء بروائح التقلية ونشيش المقليات فتاه فى دنيا الطعام الساحرة".
التطلع إلى الطعام وليد إحساس عارم بالجوع، لكن الطعام ليس هدفًا من أهداف الصيام ولا يمكن أن يكون. يقدم محفوظ لوحة تعرفها الحياة المصرية جيدًا، لوحة التفاف الأسرة الصائمة حول المائدة، حيث الانكباب على الالتهام، ويتخلل ذلك حديث قليل مغلف بالمرح والمودة: "وهتف المؤذن بصوته الجميل.. الله أكبر.. الله أكبر.. فأجاب أحمد بصوت مسموع.. لا إله إلا الله.. ثم تحول عن النافذة ذاهبًا إلى الصالة. والتأم جمع ثلاثتهم حول السفرة، ثم غيروا ريقهم على عصير قمر الدين حتى رووا ظمأهم، وأتت الأم بطبق الفول المدمس فأقبلوا عليه بنهم شديد وتركوه أبيض من غير سوء، فقال الأب وهو يعتصر بقليل من الماء:
- أظن الأوفق أن نؤخر الفول حتى نصيب من أنواع الطعام الأخرى وإلا امتلأنا به وحده.
فقالت الأم ضاحكة:
- هذا ما تقوله كل عام ولكنك لا تذكره إلا عقب الفراغ من الفول!.
ولكن لم يزل فى البطون متسع فجيء باللوبيا والفلفل المحشو واللحم المحمر وتعاونت الأيدى والأعين والأسنان فى عزم وسكون".
لوحة غنية لا تحتاج إلى تعليق، وتجسيد حى صادق لما يمثله شهر الصيام عند الملايين من أفراد الأسر المصرية، حيث الاحتفاء بالطعام، والإقبال على المرح، وهيمنة مشاعر الألفة والمودة. يبدأ التهيؤ قبل إطلالة الشهر الكريم، ويستمر الاحتفال البهيج عبر أيامه ولياليه.
صيام صيام 
ثمة تجسد شعبى غنى بالألوان، يقدمه نجيب محفوظ من منظور أحمد عاكف، المنتقل من هدوء "السكاكينى" إلى صخب حى الحسين الشعبى، عظيم الاحتفاء والاحتفال بشهر رمضان: "وجاء مساء الرؤية، وانتظر الناس بعد الغروب يتساءلون، وعند العشى أضاءت مئذنة الحسين إيذانًا بشهود الرؤية - وقد اجتزأوا بالإضاءة عن إطلاق المدافع لظروف الطوارئ- وازينت المئذنة بعقود المصابيح مرسلة على العالمين ضياء، لألاء، فطاف بالحى وما حوله جماعات مهللة هاتفة (صيام صيام كما أمر قاضى الإسلام)، فقابلها الغلمان بالهتاف والبنات بالزغاريد، وشاع السرور فى الحى كأنما حمله الهواء الساري".
مثل هذه الفرحة البهيجة الطاغية، باستقبال شهر رمضان، تتوافق مع التزام الغالبية العظمى بالصيام، وقد يزدحم عالم نجيب محفوظ بالمفطرين، لكن الصائمين يمثلون التيار الأعم الشامل. ولأن القاعدة هى الصيام، فإن الاستثناء اللافت للنظر هو الجدير بالاهتمام والمتابعة، للكشف عن الدوافع والأسباب.
من الناحية الفنية، فإن شهر رمضان يلعب دورًا محوريًا بالغ الأهمية فى بناء "خان الخليلي"، فبه تبدأ الرواية، وبه أيضًا تنتهى أحداثها الحافلة بالمتغيرات والمفارقات.
كان انتقال الأسرة إلى حى "خان الخليلي" فى شهر سبتمبر سنة ١٩٤١، قبل أيام قليلة من بداية رمضان، وكانت النهاية مع مطلع شهر سبتمبر سنة ١٩٤٢، حيث ليلة النصف من شعبان، والتهيؤ لاستقبال شهر جديد من شهور الصيام.
بين الشهرين، تعرضت أسرة أحمد عاكف لمأساة موت رشدى فى ريعان شبابه، وتضيق الأم بالحى الذى شهد موته، فتلح على أحمد أن ينتقل بهم إلى مكان جديد، بحثًا عن السلوى والنسيان، وابتعادًا عن أشباح الذكريات السوداء: "إذا أردت أن ترحم أمك حقًا فابحث لنا عن مقام جديد".
المقام الجديد فى ضاحية الزيتون، وقبيل المغادرة يفكر أحمد فيما حدث له خلال عام واحد: الجارة الشابة التى أحبها، والأخ الحبيب الذى مات، والأحداث والحوادث التى عصفت به: "هل يذكر يوم أقبل على هذا الحى وفى النفس شوق إلى التغيير؟. لقد حدث التغيير وأحدث دمعًا وحسرة، وها هو ذا رمضان مقبل.. فيا للذكرى!.. أيذكر كيف استقبل رمضان الماضي؟ أيذكر موقفه من النافذة الأخرى فى انتظار آذان المغرب وكيف رفع البصر فرأى؟ وجرى أمام ناظريه التاريخ الذى كتبته الليالى فتتابعت حتى هذه الليلة بمداد الأمل والحب والألم والحزن. وهذه الليلة الأخيرة. وغدًا يبيت فى دار جديدة، فى حى جديد، موليًا الماضى ظهره.
الماضى بما أحدث من أمل وما خيب من رجاء..
فالوداع يا خان الخليلي"
هكذا دنيا الناس جميعًا، وليس أحمد عاكف وحده، فهى مزيج معقد من الأمل والحب والألم والحزن. ومع تتابع الأيام والسنوات، يبقى شهر رمضان ثابتًا ذا أثر فعال فى حيوات الناس. تصوم الأغلبية الساحقة، وتفطر الأقلية النادرة، ويتطلع الجميع إلى أحلام تتوهج فى الشهر المسكون بالحب والمودة، وتقارب الفقراء والأغنياء، والتفاف بناء الأسرة الواحدة حول الموائد المليئة بالطعام والصفاء ودفء المشاعر الإنسانية.