الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

دولة التلاوة.. الشيخ أحمد ندا رئيس جمهورية التلاوة والأب المؤسس

الشيخ أحمد ندا
الشيخ أحمد ندا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أصوات تصل عنان السماء، تناجي ربها، وتأخذ المستمعين إلى هناك.. حيث الشوق إلى الجنة تارة، والخوف من النيران تارة أخرى، كل ذلك جعل المدرسة المصرية تتربع على عرش تلاوة القرآن الكريم في الوطن العربي، حتى بدأ المد الخليجي في التلاوة برتمه السريع، وموسيقاه الثابتة ينتشر بين محبي الاستماع للقرآن الكريم، ولكن تبقى مصر هي مؤسسة دولة التلاوة، على يد الآباء المؤسسين، والذين كان في مقدمتهم رئيس جمهورية التلاوة في مصر فضيلة القارئ الشيخ أحمد ندا.

بين أزقة حواري المحروسة، وتحديدا في عام ١٨٥٢، بدأت الأصوات تتعالى في حارة "البغالة" بالقاهرة، بعدما تداول الناس خبر الطفل الذي يبدو مختلفا في شكله عن أقرانه، حمد والدُه ربَه قائلا:" سأسميه" أحمد، لم يكن يعلم الأب وقتها أن صغيره سيجوب صوتُه الدولة العثمانية، حتى يدخل ابنه في صدام مع الخديوي بعدما نافسه في موكب تقوده الخيول لا يقل في عظمته عن موكبه.

أحمد ندا، مؤسس دولة التلاوة في مصر الحديثة، ورغم أنه عاصر ثلاثة من عظماء التلاوة في مصر، وفي مقدمتهم الشيخ محمود القيسوني، والشيخ حسن الصواف، والشيخ حنفي برعي، إلا أن الشيخ ندا اتخذ طريقا آخر، ووضع لنفسه مدرسة خاصة، تتنقل ما بين الصبا والبيات والنهاوند في آن واحد، الأمر الذي لم يكن معهودا من قبل في الوطن الإسلامي.

في كتاب "ألحان من السماء" للراحل محمود السعدني؛ قال عن ندا إنه الشيخ الذي قلب موازين التلاوة في مصر، وغيّر مفهوم قراء القرآن الكريم، وحصل على مبالغ مالية كبرى، لم يعرفها قارئ من قبل، بداية من ١٠ جنيهات، حتى وصل إلى المائة.

واختلف الشيخ ندا عن جميع المقرئين، وتشبه بالحكام، وفتح باب منزله أمام الشعراء والأدباء وأهل الساسة، ومنهم أشهر مطربي عصره؛ صالح عبدالحي، ثم حافظ إبراهيم في أواخر عمره، حتى أغضب أهل الحكم منه، لأنه تشبه بهم.

فغضب الخديوي محمد توفيق باشا من أفعال الشيخ ندا، مستنكرا كيف لأحد الفقراء أن يقوم بفعل الأمراء، فأصدر الوالي فرمانا بمصادرة بعض من أملاك الشيخ أحمد، وأمام حماقات محمد باشا التزم الشيخ الصمت هربًا من كيد الوالي.

في ذلك الوقت كان يطلق على قراء القرآن الكريم "الصييته" وهم الطلبة الذين لم يحالفهم الحظ في التفوق في دراسة العلوم الدينية، فاتجهوا لتعلم الأحكام والقراءة، ودارت معركة على السيطرة على مسجد السيدة زينب، بين رواد المسجد والشيخ ندا الذي ذاع صيته، فاتبعه الحرافيش وعِلية القوم، وهم يبحثون دائما عنه بمقولتهم الشهيرة وقتها هو "الشيخ هيسهر فين الليلة؟".

وذكر شكري القاضي، في كتابه "عباقرة التلاوة في القرن العشرين"، أن الشيخ أحمد ندا تفوق على الجميع في وقته، وحتى في المستقبل، لقدرته على الجمع بين النغم وأحكام التلاوة والصوت الفريد، حتى أنه أطلق عليه مؤسس دولة التلاوة في مصر.

الغريب في الأمر أنه رغم الشهرة التي تمتع بها الشيخ، لم يترك خلفه سوى تسجيل واحد لسورة الأنبياء، ورغم الضجيج في الصوت، إلا أنك تطرب وأنت تستمع إليه مع ارتفاع أصوات من حوله وهم يصرخون ويعبرون عن العالم الذي نقلهم الشيخ إليه بصوته.

وتبقى الحكايات والروايات التي تقص حياة الشيخ ممن عاصروه هي المرجع الذي منع التاريخ أن يسقط من ذاكرته رئيس جمهورية التلاوة الشيخ أحمد ندا، والذي رحل عام ١٩٣٢.