ترددت كثيرًا في أنفذ أخبارًا عن تلك الشخصية فمهما عصفت الأقلام وتداولت الروايات ومهما تفننت الأسطر وضحكت الكلمات لا أستطع أن أوفي قدر تلك الشخصية التي عجزت كتب التاريخ على الإلمام بجميع سماتها المتفردة.
فقد جمع بين القوة والتواضع، بين الصرامة والعدالة بين الزهد على النفس والعطاء للغير وفصل بقلبه وبعقله بين الحق والباطل لذا سمى بالفاروق وأنزلت آيات من السماء تصديقا لأقواله في سورة الحجاب وسورة البقرة.
في هذا المقال سأتناول جانب من جوانب شخصية عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهي العدالة التي أدركها سيدنا عمر بكل جوانبها، فقامت دولته على أركان صلبة لا تزعزعها فتنة ولا يهدمها فساد، وكما يقول الإمام بن تيمية: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة.. بالعدل تستصلح الرجال وتستغزر الأموال.
فيكفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سيدنا عمر رضى الله عنه:
"جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه"
بل أن العدالة هي الحب الذي يسرى في أعماق عمر ومعنى الحياة لدية فقد جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم ماذا تحب من الدنيا؟ قال عمر بن الخطاب أحب في الدنيا ثلاث امر بالمعروف ولو كان سرا – ونهي عن المنكر ولو كان جهرا – وقول الحق ولو كان مرًا.
كان رضى الله عنه صارم في تطبيق العدالة حتى ولا ولو على أهلة فقد رفض عمر ما فعله عمرو بن العاص من سترة بعبد الرحمن بن عمر عند ما شرب الخمر وأراد أن يتطهر فجلده في غرفة مغلقة تكريما لأمير المؤمنين فأغضب عمر ذلك وأرسل خطاب شديد اللهجة الى عمرو مطالبة بإرسال عبد الرحمن الذي جلده أبيه عمر بغلظة أمام عامة الناس حتى كاد الموت أن ينال منه.
كان الفاروق لا يفرق في حكمه بين مسلم وذمى فعندما اختصم إليه مسلم وذمى رأى أن الحق لليهودي فقضى له.
فكانت لا تأخذه في العدل لومة لائم وكان رضى الله عنه يطبق العدالة على الثرى قبل الفقير على الأمير قبل العبد فيذكر أن جبلة بن الأجهم الأمير الغساني هشم أنف رجل من العامة ووطئ أزاره حينما كان يطوف حول الكعبة فطلب عمر بن الخطاب غضب غضبا شديدًا وأراد القصاص للرجل حتى رحل جبله خوفا من العقاب بعد أن رفض حكم عمر.
من شدة عدالة عمر بن الخطاب ما رواه أنس أن رجلًا من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال: عذت معاذا قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه، فقدم فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب، فوالله لقد ضربه، ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استفدت منه. فقال عمر لعمرو: ماذا بكم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ !
قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني.
كان مفهوم العدالة عن الفاروق ساميًا، حيث كان يراجع نفسة بل كان يجهش البكاء حينما تشعره نفسة التقية النقية بالتقصير تجاه ، بكى بكاءًا شديدا حينما وجد امرأة تحاول أن تفطم طفلها دون السنتين لكى تنال من عطاء بيت المال طبقا لأوامر فحتى نفسة الرحمية كان يحاسبها في صغائر الأمور قبل كبيرها، فكم أن بن الخطاب أنسانًا لا يجد الشيطان له مسلكا، وكم من خصائل تجمعها تلك الشخصية، فالفاروق عمر هو الذى استطاع أن يجمع ما بين الغلظة في تطبيق الشرع والرحمة في معامله البشر فكيما هو عمر متسامحا ومتواضعا بقدر عزة وكبريائه.
ومازلت اتذكر رواية الأحنف بن قيس عن عمر وهو يحاكم نفسه حينما ضرب رجل بالدرة (السوط)- جاء يستنصره على آخر بطريقة لا تناسب قدره كأمير للمؤمنين فيقول لخطاب؟ كنت وضيعا فرفعك الله، وكنت ضالًا فهداك الله، وكنت ذليلًا فأعزك الله، ثم حملك على رقاب الناس فجاءك رجل يستعديك فضربته فماذا تقول لربك غدا إذا أتيته اتعبت الذين سيجيئون بعدك كان نور العدالة يجرى في أعماق أعماق سيد عمر بن الخطاب فكان يحمل في قلبه هموم الرعية حتى كان مهموم بأمورهم فيما بعده وعلى ذلك أراد أن الفاروق أن تكون نجما يهتدى به الخلفاء والحكام بعده فيقول رضى الله عنه: والذي بعث محمدا بالحق لو أن عنزا ذهبت بشاطئ الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة "فأين أنت يا أمير المؤمنين من حكام شربوا من دماء شعبهم ما يشعب ظمآهم؟
أين أنت ياعمر من حقوق استبحت وحرمات انتهكت ومحارم حللت؟
فمن فى عصرنا يستطيع أن يضاهي تلك الشخصية العمرية المتفردة في عصر الخلفاء وفي كل العصور؟ !
وللأفكار ثمرات.. مادام في العقل كلمات وفى القلب نبضات.. مادام في العمر لحظات.