الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة لايت

أحمد بهجت وأنا وكلام صيام.. الحلقة الثانية.. مدفع السحور

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كنت قد عكفت على كتابة حلقات عن ذكريات رمضان وساقتني الصدفة إلى أن تقع عيني على كتاب "مذكرات صائم، للكاتب الكاتب أحمد بهجت والذي صدر عام 1990 في 222 صفحة من القطع المتوسط، عن دار الشروق، فاحترت بين كتابة حلقات أو عرض الذكريات من الكتاب في حلقات، وبعد تفكير قررت واخترت الخلط فسأجاور كاتبنا الكبير وأنا الصغير ليحكي وأحكي وأكون قد اقتنصت أيام المغفرة في أن يسامحني على  الأمر.

 

يقول أحمد بهجت في توصيفه لهذه اللحظات: أصاب زوجتي نشاط مفاجئ حين أعلنت إشارات ضبط الوقت منتصف الليل. 

أطفئت أنوار الصالة وأضيئت أنوار المطبخ، اشتعلت عيون البوتاجاز الأربع، وراحت أشياء تطقطق في الحلل.. عما قليل ينتهي إعداد السحور. البيت كله مستيقظ وفي حالة استعداد قصوى.

- رمضان كريم .. 

قالتها زوجتي وهي تمرق من الغرفة في طريقها إلى المطبخ.. أحدث مرورها تفريغا للهواء في الغرفة فكدت أنقلب من مقعدي عل الأرض. 

حمدا لله فقد كانت الشبابيك مفتوحة. في تصورها أن رمضان هو شهر الطعام الوفير والحلوى الزائدة والغرائم والعزائم.. 

يجب أن أنظم حياتي في شهر رمضان، إن الفرصة المتاحة للذنوب العظيمة التي يرتكبها المرء كل يوم ممكن أن تتبخر في هذا الشهر الجميل الذي يفترض فيه أن نحس بالحرمان. 

- والنبي لانت واكل طبق الرز ده، حلفتك بالنبي. 

قلت في سري.. عليك الصلاة والسلام يا رسول الله. ومددت يدي إلى طبق الأرز المخلوط، بعدها توالت توسلات الأسرة أن اكل هذا 

النوع من اللحم، ثم أذوق هذه القطعة من الدجاج. 

ثم أنثني لهذه الصينية من الكنافة، وفي كل مرة كان ذكر الرسول يتردد في الحديث فأمد يدي بغير تردد.. وتذكرت وأنا أملا معدتي كيف كانت زوجة النبي عليه الصلاة والسلام

تعيش بالأشهر وهي لا توقد النار في بيتها.. وكيف كان طعامه الخبز الجاف المغموس في الزيت، وكيف عرف. 

أحب خلق الله وأكرمهم هذا الجوع النبيل الذي يدفع المرء مباشرة في قلب الوجود ويجعله يرق للعباد، ويحنو عليهم، ويشعر بأقسى آلامهم. 

انتهى السحور بغير إصابات، عدت إلى مقعدي محطما تماما. 

وإن زعمت بالبلاغات غير ذلك، عدت بعد السحور غير قادر على أن أحس بالحب أو الهوى، وانطفأ داخل هذا الوهج الذي انبعث للحظات، ولم يعد هناك شيء يشغلني غير هذا الثقل الكائن في المعدة. 

سألت نفسي كمصري، لماذا آكل إذا جلست للطعام كمن يأكل في آخر زاده؟ هل هو جوع القرون الأولى من حياة المصريين؟ هل هو اعتيادنا ظلم الحاكم الذي مد يده لطعامنا عادة قبل أن تمد أيدينا إليه؟ 

إن مصر أعظم بلاد الدنيا خصوبة وعطاء، بل لعل مأساتها الأولى أنها تقدم عطاءها بغير جهد، لكن خيرها يذهب لغيرها كما تقول الأمثال الشعبية.. لماذا إذن لم نزل نأكل إن جلسنا للطعام كمن 

يأكل في زاده الأخير. 

خرجت إلى الشريط الضيق الذي نطلق عليه اسم الشرفة ورفعت رأسي للسماء . لم أر شيئا غير النجوم والسحب.. 

النجوم تومض بأبعادها السحيقة في الكون.. وثمة سرب من السحب التي تشبه النذر الغامضة يندفع أمام رياح شهر نوفمبر الباردة. 

احسست بالبرد فغادرت الشرفة. جلست أقرأ قليلا قبل أن أنام.. ثم غلبني النوم.. نمت قبل أن أشرب..

أنا..

نوم العافية يا عم أحمد اطمئنك أننا لم نعد نأكل في آخر زادنا فلم يعد هناك شىء باق من الزاد، حتى ذلك الذي كنا نعتبره قليلا بالنسبة لما سردته من أصناف..

مدفع السحور

كان عندنا يا عم أحمد إحدى السيدات العجائز تمسك بعلبة صفيح وتقرع عليها وتنادي على كل بيت بالاسم، كنت حينها أنام بجوار جدتي على الفرن بعدما هدأت ناره من الخبيز طول اليوم وهناك لم أكن أحتاج إلى غطاء، اغط في النوم حتى أسمع قرع الصفيحة والنداء: وحدي الله يا أم عادل، فأرد بصوت مرتفع: لا إله إلا الله وهنا تنصرف المسحراتية، ثم أبدأ في وضع «الطبلية» التي كان كل ما عليها "جبنة وفول وبيض مسلوق في الصفيحة على الوابور أبو كباس وخس وما تيسر من جرجير وخيار، ثم نعاود ملء الكوز من الزير ونحتسي معا الشاي، ثم ننام وتظل جدتي الكفيفة تمر علينا كل عشر دقائق تسقينا الماء حتى يصعد عم عبده أعلى المسجد ويعلن أنه بعد قليل سيؤذن الفجر.

والحق يا عم أحمد أنني لم أشعر بالعطش ولم أنام دون أشرب إلا بعد جدتي أما عن حديثك عن الكنافة وماشابه فقد رأيناه فيما بعد وكانت عبارة عن أقراص سيأت الحديث عنها وعن غيرها في سياق حديثها..

رمضان كريم يا كاتبنا الكبير ونلتقي في الحلقة التالية.