الأخبار الصادمة تأتي سريعًا من أفغانستان، حيث قامت حركة طالبان التي تسلمت السلطة من القوات الأمريكية في آب أغسطس من العام 2021 بإغلاق المكتبة الوحيدة للمرأة في أفغانستان، والتي تم تدشينها قبل 6 أشهر من قبل بعض الأحرار من النساء الأفغانيات.
أنشأت بعض السيدات هذه المكتبة بهدف التحايل على قرار سابق وتوجه أصيّل لدى طالبان بعدم السماح للقتيات بإستكمال تعليمهن؛ حيث تم إنشاء هذه المكتبة التي يقوم بكل شؤونها نساء وسيدات أفغانيات، مع العلم أن هؤلاء السيدات لا يُخالطن الرجال في الإدارة أو القراءة والإطلاع، ورغم ذلك تم غلقها.
إصرار الحركة على منع الفتيات من استكمال تعليمهن وغلق النافذة الوحيدة التي تُحاول أن تطل من خلالها المرأة الأفغانية على العالم دليل على تطرف الحركة، الذي بدا ظاهرًا للجميع وبدت أكثر تعبيرًا عنه، فالحركة التي حكمت البلاد في العام 1996 حتى العام 2001 هي نفس النسخة التي تطل بها علينا في العام 2023.
غلق المكتبة الوحيدة للمرأة في أفغانستان يؤكد توجه حركة طالبان ضد تعليمهنّ، وأن هذا التوجه ليس مرتبطًا بإختلاطها بالرجل أو شرعيّة خروجها من البيت، كما تدعي الحركة من أسباب تؤكد تطرفها، ولكن الموقف من تعليم المرأة أو إكسابها أي ثقافة تمحو الغشاوة التي تُصر الحركة على أن تضعها على عين وعقل المرأة الأفغانية، وهو السبب الوحيد من وراء إغلاق المكتبة.
فالحركة دائمًا لديها نية مبيته تجاه المرأة عمومًا وتجاه هذه المكتبة على وجه الخصوص أو أي مؤسسة تنويرية تُساعد في إضاءة عقل الأفغان، حيث تم مهاجمتها مرتين قبل الإغلاق الأخير، كما منعت الفتيات من أن يمُارسن حقهنّ في التعليم، فقد أغلقت من قبل المدارس في وجوههنّ، والهدف الحقيقي هو غلق الأمل الوحيد أمام تعليمهنّ حتى ولو ذاتيًا من خلال القراءة في مكتبة أنشئت لهذا الغرض، فقد كانت المكتبة الملجأ الوحيد بعد منعهن من العمل والتعليم فجاء المنع من القراءة!
هذا ما دفع الفتيات الأفغانيات إلى إنشاء مكتبات سرية يتبادلن من خلالهن بعض الكتب؛ ففي عهد طالبان باتت الكتب تهمة، بينما يتم تداول الأفيون بعلانية دون تعقب؛ هذا جزء من صورة حركة طالبان المتطرفة، فسلوكها هو انعكاس للأفكار المتطرفة التي تؤمن بها الحركة منذ نشأتها والتي لم يغيرها الزمان ولا الأحداث.
لم تنتهي أخبار الحركة عند هذا الحد، فقد رصد تقرير أمريكي مؤخرًا وجود 20 جماعة مسلحة داخل أفغانستان، وهذا إن دل فإنما يدل على مدى الدعم والرعاية التي تقدمها الحركة للجماعات المتطرفة حتى باتت كابول مركز دولي للجماعات المسلحة.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية تُدرك العلاقة التي تجمع حركة طالبان وتنظيم قاعدة الجهاد، ورغم ذلك انسحبت دون وجود ضمانات حقيقية بحيث لا تُصبح أفغانستان ملاذأ للجماعات المتطرف، ورغم أن طالبان حركة متطرفة لا يصح استثنائها من الوصف، إلا أنها وفرت دعمًا لكل الجماعات المتطرفة وليس القاعدة فقط.
صحيح واجهت الحركة تنظيم داعش على أراضيها ولكنها مواجهة تتعلق بخصومة سياسية بينها وبين هذه الحركة التي تُريد أن تُسيطر على الحكم أو أن تُشارك طالبان فيه، فضلًا على أنها تُريد توصيل رسالة للمجتمع بأنها متعهدة بالقضاء على الجماعات المتطرفة! والحقيقة أنها تواجه داعش من مساحة الخصومة السياسية فقط بدليل أنها مازالت توفر حماية لتنظيم القاعدة، وهو صورة أخرى متطرفة لداعش.
منذ تم توقيع الإتفاق بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية في فبراير من العام 2020 بالعاصمة القطرية الدوحة، والحركة توفر دعمًا لتنظيم القاعدة فلم تتخلى عنه بل دافعت عن وجوده وحمت زعيمه الذي قتل في شرفة المنزل الذي كان يطل على مبنى مجلس الوزراء الأفغاني، وللمناسبة هذا المنزل كان مملوكًا لوزير الداخلية الأفغاني، سراج الدين حقاني!
رهان الولايات المتحدة الأمريكية على حركة طالبان كان رهانًا خاسرًا؛ فإما أن واشنطن لم يكن أمامها من الخيارات سوى الإنسحاب غير المشروط أمام حركة متطرفة، أو أنها انهزمت في مواجهتها، وفي كل الحالتين نستطيع أن نقول،: إن الولايات المتحدة الأمريكية فشلت فشلًا ذريعًا في مواجهة جماعات العنف والتطرف في هذه البقعة من العالم.
بل صارت هذه البقعة مركز لقيادة الإرهاب العالمي بفضل سياسة واشنطن الخاطئة والخادعة في نفس الوقت؛ فرغم أنها واجهت داعش عبر تحالف دولي في العام 2014 ونجحت في القضاء على دولته بينما التنظيم بخلاياه مازال يُشكل خطرًا على أمن العالم، فالآن تُعود القاعدة لتصدر المشهد الجهادي من جديد، وهنا تحكي الصورة فشلًا أمريكًيا في مواجهتها.
مؤخرًا أبدت روسيا والصين انزعاجهما من التهديدات التي تُشكلها طالبان على أمن العالم، وطالبت الحركة بالوفاء بتعهداتها في مكافحة الإرهاب، طلب دولي في غير محله ولكن بات المجتمع الدولي يستجدي السلام من حركة متطرفة لا تؤمن بحقوق الإنسان والمرأة على وجه الخصوص، تمارس الإرهاب وتوفر حماية لبقية جماعات العنف والتطرف الأخرى.
قال مسؤول أمريكي مؤخرًا، بأن حركة طالبان المتطرفة نفذت هجمات ضد باكستان وطاجيكستان وأوزبكستان ودول أخرى، فضلًا عن حمايتها لقرابة 20 جماعة مسلحة، بما يُعني أن التفاوض معها كان بمثابة فشلًا أمريكيًا واعترافًا بالتنظيمات المتطرفة التي حمتها ومازالت تحميها هذه الحركة.
سلوك حركة طالبان ليس من فراغ ولكنه يُعبر عن مدى خطورة الحركة على أمن العالم، وعن تهاون واشنطن في مواجهة هذا الخطر أو فشلها في مواجهته بالأحرى، وهنا لابد أن تتحمل عبئ هذه المواجهة من جديد وأن تعتذر عما بدر منها في السابق، فلا يمكن بداية صفحة مواجهة جديدة قبل الإعتراف بأخطاء المواجهة القديمة.
غلق مكتبة المرأة الوحيدة في أفغانستان هو بمثابة إعلان حرب من قبل الحركة تجاه المرأة الأفغانية على وجه الخصوص، فلابد للأفغان أن يواجهوا خطة الحركة للقضاء على الشعب الأفغاني عبر سياسات ممنهجة ترتبط بتجهيل المرأة واغتيال العقل الأفغاني.