كل عام وانتم بخير.. ساعات معدودات ويهل علينا الشهر الفضيل بنفحاته الإيمانية المباركة وروحه الطيبة التي تضفي على النفس سكينة واطمئنان، خصوصا مع أداء فضيلة الصوم في شهر رمضان المعظم.. حيث يشعر الصائم بهوان الدنيا وأنها حقًا لا تساوي جناح بعوضة.
وفي واقع الحال فإنني مثل جميع البشر بانتظار حلول الشهر الفضيل بفارغ الصبر حيث يعتبر فرصة ذهبية لجلاء الكروب والزهد في متاع الدنيا والبعد، قدر الإمكان، عن كل ما يفسد حسنات المؤمنين الصائمين الراجين عفو الله الكريم، لكنني بمنتهى الصراحة أفكر في مغزى الحديث الشريف: (إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ).. لأطرح على نفسي التساؤل الجوهري: ما المقصود بتصفيد الشياطين في رمضان ؟ وذلك من وحي التجربة التي ألاحظ فيها أن اكثر ما تنشط فيه الأباليس في رمضان لتفسد علينا صومنا وأعمالنا التي نبتغي بها وجه الله سبحانه وتعالى.
حتى رسخ في يقيني أن شياطين الجن هم من يصفدون.. أما شياطين الإنس فلا ينامون ولا يهدأون ولا يتركونا ننام أو نهدأ.. هذا والله أعلم.
وعن رأي الدين في مسألة تصفيد الشياطين في رمضان.. رد الشيخ عويضة عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على سؤال نصه: ما معنى تصفيد الشياطين في هذا الشهر المبارك؟.
وقال أمين الفتوى: أيام الله المباركة لها كرامات عند الله، كما أن الأماكن لها كرامات، فبيوت الله أطهر بقاع الأرض، كالمسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد الحبيب صلى الله عليه وسلم، فالعبادات فيها مضاعفة والجلوس فيها مبارك.
وأضاف أمين الفتوى: فالله لشيء يصنع أشياء، فعندما تصفد الشياطين تسلسل كما جاء في رواية، فالله يسلسل الشياطين فلا توسوس للعبد، ولكن العبد الذي لا يريد أن يفعل الحرام لا بد أن يكره الحرام، حتى يسلسل الله سبحانه وتعالى له شياطينه فلا يوسوس له بسوء أبدا.
وأكمل الشيخ عويضة عثمان: فتصفيد الشياطين كرامة لهذه الأيام، والمؤمن يزداد طاعة في هذه الأيام والعاصي الذي يريد التوبة يجد التوبة مهيأة له في هذه الأيام؛ لأن الله صفد الشياطين وجعل كرامة أخرى وهي فتح أبواب الجنة، وكرامة إغلاق أبواب النار.
وعن قول البعض إن تصفيد الشياطين، يعني أنه لا يستطيع أحد أن يرتكب ذنبا أو إثما في رمضان، قال أمين الفتوى: يرتكب الذنب من كان قلبه معلق بحب الذنب، ومن لا يريد أن لا يتغير، والله قال: (يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)؛ لذا لا بد أن تأخذ أوامر الله بقوة وتترك كل ما يضيع عليك جمالها، وكل ما يضيع عليك الاستمتاع بها، وكل ما يسبب لها شوائب كما لا بد أن تسعى لهذا.
واختتم الشيخ عويضة عثمان: إذا دخلت فيها بضعف ووجدت قلبك يلتفت إلى الذنب، ستجد ألف شيطان يوسوس لك، إذن المؤمن يقبل ويزداد والتائب يترك المعصية، وحينها ستصفد الشياطين له.
وفي نفس السياق، قال الشيخ أحمد تركي أحد علماء الأزهر الشريف، إن مسألة تسلسل الشياطين في رمضان مجاز وليس على سبيل الحقيقة؛ لأن اللغة العربية بها ما هو مجاز وما هو حقيقة، وهذا الأمر مجاز.
وأضاف العالم الأزهري خلال تصريحات تلفزيونية: فالرسول يقول للمسلمين إن هناك جوا عاما من الإيمان، فرمضان يخلق جوا عاما من الإيمان حيث إن جميع المسلمين صائمون ويقرأون القرآن ويتصدقون ويفعلون الخير، وهذا الجو العام من الصلاح والخير ليس هناك للشياطن مكان بداخله، علشان كده استخدم هذا المصطلح، وهذا على سبيل المجاز وليس الحقيقة.
وواصل: الشياطين ليست هي المصدر الوحيد للشر في هذا الكون، فالشر موجود داخل الإنسان (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)، مضيفا: هذا دليل على أن الإنسان بداخله الخير والشر معًا، وأن هناك طباعا شريرة للإنسان لا تحتاج إلى الشيطان ليوسوس له، فغواية الشيطان للإنسان هي أضعف مراحل الشر، فوسوسة الشيطان عبارة عن خواطر تمر على عقل الإنسان وعلى نفسه، ومن ثم تتعلق بها النفس الأمارة بالسوء، ولذلك كان العلماء يقولون: دافع الخطرة في الشر، فإن لم تفعل صارت فكرة، فإن لم تفعل صارت شهوة، فإن لم تفعل صارت فعلًا.