الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تعرف على القديس إندا

ارشيفية
ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 وُلدَ إندا عام 450 م في إقليم "أولستر" شمال أيرلندا ، كأمير أيرلندي وثني – برغم انتشار المسيحية - لأبٍ هو "كونل ديرج".

 كبر "إندا" وأصبح محارباً شجاعاً، وأن والده أورثه العرش، ثم ذهب والده لقتال أعداءه وتوفيَ خلال الحرب. كان لإندا شقيقة تُدعىَ الأميرة "فانشي" كانت قد تحولت من الوثنية إلى المسيحية وقرَّرت تكريس حياتها للربّ فترهَّبت بتقشُّف وعِفّة وصارت رئيسة الدير. 

لفت تصرفها هذا نظر "إندا"، فبدأ يسمع عن الإيمان المسيحي ويعرف مبادئه ومعتقداته، إلى أن اعتنقه. 

ذهب الملك "إندا" للقاء شقيقته في الدير، فحاولت إقناعه بالتخلّي عن طموحه في توسيع إطار سُلطته وضَمّ بلاد أخرى لملكه عن طريق الحروب والدماء، والإكتفاء برعاية مصالح بلاده. 

قَبِل "إندا" إقتراح شقيقته بشرط واحد: أن يتزوج إحدى راهبات الدير! وقرّر وضع شرط الزواج بأي واحدة منهن لتعجيز شقيقته. تردّدت "فانشي" أمام شرط أخيها الغريب، وكملك إستطاع إجبار الجميع على تنفيذ رغبته، واختار فتاة صغيرة من الدير، وحدث ما لم يخطر ببال أحد، إذ توفيت هذه الفتاة قبل أن يتزوجها! أصرَّت "فانشي" أن تجعل شقيقها يُبصِر جثّة الفتاة، حتى لا ينسى أنه هو أيضاً سيواجه الموت وتنقضي إحتياجات الجسد ولا يبقى إلا إحتياج الروح. 

أعاد "إندا" حساباته بعد ما حدث، وأخذ فترة غير قصيرة من التأمل في حقائق الحياة، ثم قرَّر أن يصبح راهباً. بدأ دراسته بدير "القديس إلب" بـإملي. ثم أرسلته شقيقته إلى كانديدا كازا بجنوب غرب إسكتلندا لإستكمال دراسته، حيث كانت هذه المدينة مركز لعدّة أديرة ومدارس كهنوتية. 

وهناك أبدى نذور الفقر والطاعة والعفّة، وسُيِّم كاهناً. بعد عودته ككاهن بنى "الأب إندا" كنيسة في "دروجايدا" بشمال أيرلندا، وفي عام 484م اُعطيَ أرضاً في جُزُر "أرِن" الواقعة غرب أيرلندا، عن طريق نسيبه "أيانجس" ملك "مونستر". جزر "أرِن" عبارة عن ثلاث أجزاء هي "إنِشمور"، "إنشمان"، و"إنشير"، مُصطفّة في مواجهة خليج "جالاوي" وتشكِّل حاجز طبيعي، في مواجهة المحيط الأطلنطي. كُبراهُنّ هي "إنشمور". 

 

كان الأب إندا متأثراً بقصص نُسّاك الصحراء في مصر، وبدأ يتخذ إسلوبهم النسكي وحياتهم البسيطة كقانون رهباني له، وأسّس على الجزيرة ديراً يعتبر هو أول دير أيرلندي، ثم أسّس عدة أديرة بجُزُر "أرِن" مع القديس "فاينانس من كلونراد" الذي يعتبر أبو الحياة الرهبانية الأيرلندية، كان ذلك التوسع في إنشاء الأديرة والقّليات بعد إمتداد سمعة إندا الناسك وذهاب كثيرين خلفه إلى هذه الجزر النائية للتعبُّد والصلاة والصوم والتأمل بالإنجيل. كان تقشفهم وتقشف الملك السابق إندا صرخة في وجه السلطان الجسداني المتحكم في البشر. كانت إقامة الرهبان داخل قليات من الحجر الجيري وهو المادة الأساسية لنشأة هذه الجزر، وينامون على الأرض، ولا يضيفون في الشتاء إلى نومهم سوى حزمة من القشّ فوقها سجادة ليناموا عليها. كما يتقاسمون طعامهم ويأكلونه معاً في صمت من عملهم بصيد الأسماك وزراعة الشعير في مناطق محدودة بين كتل الحجر الجيري. كان مطبخ جميع الأديرة واحد بسبب ندرة مصادر إشعال النار، والتي كانوا يحاولوا توفيرها للإستدفاء ليلاً من الصقيع. كما كان منهم من يعمل في نسج الملابس لمن تبلىَ ملابسهم. قسَّم إندا اليوم بنظام ثابت موزع بين العبادة والتأمل والعمل، حيث كان كل دير يقيم ذبيحة القداس في كنيسته في نفس التوقيت، ثم يجتمعون من جميع الأديرة لسماع عظات وتأملات الأب إندا في الكتاب المقدس يومياً. 

وكان توحيد الوقت مهماً جداً لإنتظام الحياة الرهبانية وحدوث شركة رهبانية حقيقية. يقال أن موقفاً ما في حياة أحد إخوة إندا الرهبان أثَّر بحياته وحوله للقداسة وهو الراهب والكاهن "الأب بريكان" الذي كان غير راضٍ بتقسيم أراضي الجزر الذي وضعه إندا، واتخذ تقديم موعد القداس في كنيسة ديره عن الموعد المتفق عليه في كل الأديرة، طريقاً لإستفزاز الأب إندا، وإحداث إرتباك في مواعيد الرهبان وتشتُّت نظامهم الموحد. علِم الأب إندا بما يجري، فطلب التدخُّل الإلهي من الله، فما كان إلا أن علقت قدما "الأب بريكان" في رمال شاطئ "كلمورﭬـي"، وتعطَّل في طريقة من قلايته إلى الكنيسة، ليبدأ القداس في نفس توقيت باقي كنائس الأديرة بجُزُر أرِن. فتاب الأب بريكان وندم على محاولاته لإغاظة الأب إندا. كما يُحكَى أيضاً أن الأب إندا كان يودّ عبور الساحل هو وبعض الرهبان على قارب متواضع، فقابل في طريق عبوره مركب كبير قادم في الإتجاه المعاكس لشخص وثني من الأثرياء يُدعى "كوربان" يمتاز بالبُخل ويحمل كمّاً هائلاً من الغلال. عندما لاحظ "كوربان" قارب الأب إندا، سخر منه وقال له: ((كنت أود أن أعطيك بعض براميل وأجولة الغِلال لتأكل منها أنت ورهبانك الذين يتضورون جوعاً، لكن قاربك لن يمكِّنك من حملها)). فردّ عليه القديس: "لا تهتم بأمرنا، العطايا لابد أن تكون من القلب حتى تكون مقبولة". في هذه اللحظة بدأت الأكياس والبراميل تنزلق مع ميل مركب "كوربان" لتهبط إلى البحر وتتلف، فأصابته الحسرة على فقدان غلال كان يتباهى بها على الفقراء. توفيَ "الأب إندا" بعطر القداسة عام 530م في سن التسعين.