كان موقع الدير البحري يحمل قدر من القداسة لأنه مرتبط بالمعبودة "حتحور" التي ترعى ملوك مصر، في مقدمتهم المعبود حورس الحاكم الأول والخرافي لمصر. وكان من المعتقد أن تجسيد تلك المعبودة في التلال ذاتها التي يقع ظلها على معبد حتشبسوت. وعلى الجانب الآخر منه، حيث تقع مقابر بعض أشهر ملوك مصر القديمة بالدولة الحديثة بمنطقة وادي الملوك.
يتكون المعبد من ثلاث طبقات متدرجة في باطن الوادي، حيث كانت تقام فيه الطقوس الجنائزية لكل من الملكة حتشبسوت؛ بالإضافة إلى أبيها الملك تحتمس الأول، حيث كانت تقدم في القرابين كي تضمن روح الملكة حياة أبدية سالمة في العالم الآخر.
وكان موقع المعبد الجنائزي بالبر الغربي مرتبطًا بفكرة غروب الشمس حيث رحلة رب الشمس السفلية في العالم الآخر. كما أن هذا المعبد على الجانب الآخر من معبد آمون بالكرنك بالبر الشرقي، حيث كانت تماثيل المعبود آمون وزوجته موت وابنهما خونسو تسير في موكب احتفالي سنوي يعرف باسم عيد "الأوبت" وعيد "الوادي الجميل". ليعبر النيل ويزور المعابد الجنائزية الملكية ومنها معبد حتشبسوت والذي كان إحدى المحطات المهمة لهذا الموكب.
وسبق حتشبسوت ملك آخر في إقامة معبده الجنائزي في تلك المنطقة المهمة بنحو 600 عام، وهو الملك"منتوحتب نب حبت رع" من الدولة الوسطى، حيث شيد معبده على شكل متدرج، اقتبست الملكة حتشبسوت تصميم معبدها منه.
وبنت الملكة حتشبسوت معبدها الرائع في الدير البحري، على الضفة الغربية في الأقصر، مواجهًا لمعبد الكرنك -الحرم الرئيسي لآمون الموجود على الضفة الشرقية- وسمي معبد حتشبسوت بالمصرية القديمة "جسر جسرو" أي أقدس المقدسات، وقام بتصميمه "سننموت" الذي حمل الكثير من الألقاب منها "مدير أملاك آمون".
ويعتبر "جسر جسرو" معبدًا جنائزيًا للملكة حتشبسوت، حيث تقام الطقوس لها بعد وفاتها حينما تتحول إلى حالة المعبود أوزير. ولم يكن المعبد مخصصًا لها فقط، فقد كان المعبد يتضمن أجزاء مكرسة لوالدها الملك "تحتمس الأول"، والمعبودة "حتحور"، وكذلك المعبود "أنوبيس"؛ كما خصصت مقصورة مكشوفة للسماء، مكرسة لمعبود الشمس "رع حور آختي"، وهناك مكانًا عظيمًا مكرسًا لآمون، وفي نهاية الفناء العلوي، على المحور الرئيسي للمعبد تم قطع ممر في الجبل ينتهي بقدس الأقداس.
يتكون المعبد من ثلاثة مستويات، يحتوي كل منها على صف من الأعمدة في نهايته، وفي المستوى الأعلى، يقع فناء مفتوح خلف صف أعمدته، تتقدمها تماثيل لحتشبسوت بهيئة أوزيرية إله الموتى. كما تم تغطية جدران المعبد بمناظر تمثل طقوس المعبد، والأعياد الدينية، وكذلك نقل المسلات من المحاجر إلى معبد الكرنك، ولعل أكثر المناظر تميزًا تلك الموجودة بالشرفة الوسطى، والذي يمثل بعثة حتشبسوت إلى بلاد بونت.
وتم تصوير سكانها، ومنازلها وكذلك البيئة المحيطة، بالإضافة إلى الثروات والحيوانات الغريبة التي جلبها المصريون معهم من هناك.
وفي الجانب الآخر، تم تصوير كيف أصبحت حتشبسوت ملكًا شرعيًا للبلاد، ليس فقط عن طريق تأكيد تعيين والدها تحتمس الأول لها كوريث شرعي له، بل أن والدها هو المعبود آمون نفسه.