الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

عبد المنعم سعيد يكتب: الإخوان المسلمون.. وضع الجماعة بين الليلة والبارحة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

المؤكد هو أن جماعة الإخوان المسلمون تشكل خطرًا كبيرًا على الدولة القومية، وقدرتها على التقدم التنموى والحضاري. ولم يحدث فى أى دولة من دول العالم أنها أثبتت غير ذلك حيث حققت دائما ما هو عكس هذه الحقيقة مثبتة طبيعتها الثيوقراطية، وعجزها الفكرى والتنظيمى عن مواءمة العصر والتطور العالمي. قياس هذه التجربة عبر عشر سنوات يستحق اقترابًا ضروريًا حينما تكون سنة الأساس هى عام ٢٠١٣ عندما سقط الإخوان فى مصر حيث بات ذلك يشكل منحنى عكسى فى مكانة الجماعة سواء كان ذلك فى مصر أو فى دول الإقليم. وفى ٤ سبتمبر ٢٠١٣ انعقدت ورشة عمل تحت مظلة "المركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية" فى القاهرة شارك فيها نخبة من علماء السياسة والاجتماع والمتخصصين فى فرق الإسلام السياسى وفى المقدمة منه جماعة الإخوان تحت عنوان "تهديدات البقاء: السيناريوهات المحتملة لمستقبل الإخوان المسلمون فى دول الإقليم". 
حدثت الورشة فى ظل تعاقب ثلاث موجات للتغيير السياسى فى المنطقة تؤثر بشكل مباشر على الإخوان المسلمين، وهى موجة الربيع العربى منذ ديسمبر ٢٠١٠، ثم الموجة الثانية نتيجة صعود الإخوان الى السلطة فى مصر فى ٣٠ يونيو ٢٠١٢، ثم الموجة الثالثة التى أدت الى تراجع الإخوان واهتزاز مكانتهم نتيجة ما حدث فى ميدان تقسيم فى اسطنبول حيث جرت احتجاجات كثيفة رافضة لسيطرة الفكر الإخوانى على السلطة السياسية ونتيجة ما حدث فى مصر فى ٣٠ يونيو و٣ يوليو ٢٠١٣ حينما نجح الشعب المصرى بمساندة الجيش المصرى من الإطاحة بحكمهم. ومن ناحية أخرى فإن النقاش انعقد بينما كانت هناك مبالغة فى دور التيارات الإسلامية عامة، فمع الموجة الثانية للتغيير كان التهويل فى هذا الدور ولكن لم يتمكن أى حزب اسلامى من حصد الأغلبية فى الانتخابات واضطرت الأحزاب الإسلامية للدخول فى ائتلافات مع أحزاب أخرى. قاد ذلك إلى درجة من التهوين فى دور هذه الأحزاب، حتى بات الحديث يدور حول أحد نقيضين إما الإقصاء الكامل أو الإدماج الكامل وكلاهما له صعوباته. 
وهكذا فإن مرتكزات النقاش العام حول الاتجاهات الحاكمة لمستقبل جماعة الإخوان المسلمين فى الإقليم أمكن حصرها فيما يلى:
أولا محددات البنية التنظيمية للجماعة وفى هذا الإطار أمكن رصد ثلاث اتجاهات متعارضة التأثير، الأول يؤكد إن الجماعة ستتمكن من المحافظة على كيانها لقدرتها على العمل فى ظل الملاحقات الأمنية والمحن؛ والثانى يرى ان قدرة الجماعة على تحقيق هذا التماسك تتوقف على الصراع المكتوم بين بقايا الإصلاحيين والقطبيين فى التنظيم وهم الأكثر تأثيرًا على الجماعة اليوم، والثالث يرى أن قدرة الجماعة على التماسك تتوقف على نتائج تفكك الائتلافات التى كونتها مع الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية الأخرى. 
وثانيًا المحددات الداخلية فى الدولة الوطنية وتشمل خمسة محددات رئيسية هى تفاوت السياق الاجتماعى والسياسى والاقتصادى والاجتماعى لوجود جماعة الإخوان المسلمين فى دول الإقليم، وهو ما يشير إلى أن هناك "جماعات للإخوان المسلمين وليس جماعة واحدة"؛ وثانيها يتعلق بتنوع دور جماعة الإخوان المسلمين فى موجات الربيع العربى ما بين التدخل الائتلافى مع جماعات أخرى (مصر وتونس) ومواجهة الدولة (ليبيا واليمن وسوريا)؛ وثالثها يتعلق بالعلاقة بين السياق الثورى للإقليم والطبيعة المحافظة للجماعة فحاولت الاستفادة  من شبكات المصالح القائمة للسيطرة على مفاصل الدولة بما أنتج التناقضات بين الخطاب الثورى ومشروع التمكين السلطوي؛ ورابعها يتمثل فى العلاقة المعقدة بين الدولة والمجتمع فى العالم العربى فالدولة لم تعد بالقوة التى يتصورها البعض كما أن المجتمع ليس بالضعف الشائع لدى البعض الآخر، ولذا لم يُحسم الجدل حول موقع الجماعة فى هذه المعادلة السائدة فى أغلب الدول العربية حول عما إذا كانت الجماعة مكونًا مجتمعيًا أساسيًا أم قوة سياسية أم جماعة إرهابية؛ وخامسها هو توازن الضعف بين القوى السياسية المختلفة فكل طرف لا يملك من عناصر القوة القدر الكافى لحسم الصراع السياسي، وفى نفس الوقت ليس من الضعف الذى يمكن الآخرين من هزيمته. وهو ما يجعل الصراع مرشحًا للاستمرار، وهو ما ثبت فى عدد من الدول العربية، وما لم يثبت فى أخري. 
 


كان واضحًا للمشاركين أن الإطار الإقليمى والدولى مؤثرين فى الواقع السياسى والجدل الذى دار وقتها حول التعامل مع الإخوان. فى الإقليمى أمكن رصد ثلاثة متغيرات هامة أولها الاحتمالات المتزايدة لتوجيه ضربة عسكرية أمريكية لسوريا للحفاظ على توازن الضعف بين الفرقاء وإضعاف أطراف التحالف الإقليمى الداعم لنظام الأسد. والثانى تصاعد الصراع السياسى فى مصر مما أدى الى تشكيل محورين متعارضين: الأول داعم بقوة للدولة المصرية وتماسكها وبقائها وتتصدره دول مثل السعودية والإمارات والأردن والكويت. والثانى يدافع بشراسة عن بقاء جماعة الإخوان المسلمين فى السلطة وتتزعمه دول أخرى. المتغير الثالث والأخير تمثل فى تأثر حماس سلبًا بسقوط الإخوان المسلمين فى مصر بسبب الاندماج بين الحركة والإخوان واستبدالها محور إيران - حزب الله بالمثلث الثلاثى مع مصر فى عهد الرئيس السابق محمد مرسى فضلًا عن محاولاتها تأسيس دولة أمر واقع فى قطاع غزة برعاية مصرية. 
فى التطورات الدولية أمكن التمييز بين محددين أولهما يؤكد أن الصعود ألإخوانى عقب الثورات العربية لا يمكن فصله عن المشروع الأمريكى فى المنطقة لإيجاد صيغة إسلام "معتدل" يمكن للولايات المتحدة التعامل معه ؛ والثانى يتمثل فى أهمية الإبقاء على الإخوان المسلمين كطرف فى العملية السياسية وعدم تصنيف القوى الدولية للإخوان  كجماعة إرهابية يرجع إلى محاولة الحفاظ على "الاعتدال" الذى تمثله الجماعة خوفًا من تصاعد مد التطرف والإرهاب كى يهدد مصالح هذه الأطراف الدولية.
التقرير الذى صدر عن ورشة العمل رصد تحديان لم تتطرق لهما المناقشات الأول جمود تنظيم الجماعة باعتبارها تنظيما مغلقا فى حين إن جميع التنظيمات السياسية تتجه لان تكون تنظيمات مفتوحة بما يتناسب ومتطلبات عصر المعلومات؛ وهذا الجمود التنظيمى منعها من الانفتاح على المجتمع والعالم للتأقلم مع المستجدات على غرار ما سبق وفعلت منظمات أخرى تتفق مع الإخوان فى طبيعتها الأممية الأيديولوجية وهى الأحزاب الشيوعية فى غرب أوروبا تحديدا. والتحدى الثانى فكرى ويتلخص فى الأخذ بالحاكمية فى حين أن القرآن والسنة لم يحددا شكلا للحكومة، بل ان وثيقة المدينة وهى دستور أول حكم فى الإسلام كانت وثيقة مدنية معترفة بطوائف أهل المدينة وكان واضعها الرسول الكريم وفى القران وعند الرعيل الأول للمسلمين كان لفظ الحكومة يشير إلى أدارة العدل أى القضاء بينما لفظ الأمر يطلق على السلطة السياسية والسلطة التنفيذية، أما المسلمون المعاصرون فيستعملون لفظ الحكم للإشارة للحكومة بمعنى اصطلاحى اكتسبه اللفظ عبر تطور تاريخي، ومن ثم فالدعوة للحكومة الإسلامية استنادا للآية الكريمة (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون) فأنهم يستخدمون الآية فى غير موضعها لان الحكم هنا مقصود به من لم يقض فى الخصومات (من أهل الكتاب) بغير ما انزل الله(فى التوراة) يعتبر منكرا لهذا الحكم.
توصلت ورشة العمل إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الإخوان أولها سيناريو الإقصاء الكامل والتخلص من وجود الجماعة؛ وثانيها سيناريو الإدماج الكامل للإخوان فى النظام السياسي؛ وثالثها سيناريو الخيار الوسط والذى يعنى استمرار العلاقة الملتبسة بين تنظيمات الإخوان والدول العربية. ما حدث فعليا خلال السنوات العشر التالية لانعقاد ورشة العمل هذه كان مختلفا عما جاءت به هذه السيناريوهات، فما حدث فعليا كان الرفض الشعبى الكاسح لوجود الإخوان فى الحكم سواء تم ذلك بالخروج الشعبى الكبير، أو بمساندة القوات المسلحة، أو من خلال الانتخابات، أو من خلال الانخراط الكامل فى الحروب الأهلية التى جرت فى سوريا واليمن، أو الذهاب إلى المنفى الغربى تحت مظلة "الاعتدال" المزعومة والضرورية فى أوقات الضعف بعد التمكين. النجاح الفاشل جرى فى فلسطين حينما انشقت حماس عن الصف الفلسطينى لكى تقيم ولاية خاصة بها كانت كافية لإجهاض المشروع الفلسطينى لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.