التساؤل أصل المعرفة للتفرقة بين «البشرى» و«الإلهى»
أسماء الأيام إبداع إنسانى له تاريخه واحترامه وكانت مختلفةً ومرتبطة بثقافة زمنها
يصلنى كما يصل للعديد، رسائل على الواتس آب كل يوم جمعة تهنئة أحيانًا ودعاءً أحيانًا أخرى…وعندما يكون لديك عدد كبير من المعارف والأصدقاء والمسجلين على قائمة تليفونك تصبح هذه الرسائل بالعشرات وأحيانًا مئات.. هذه رسائل لم يكتبها باعثها بل هى منقولة ويتم إرسالها كما جاءته من غيره، أى أنها رسائل غير شخصية، ولا تستدعى الرد، ولكن تستدعى التوقف أمام فكرة إرسال رسالة لم تكتبها، لشخص لن يقرأها، كل يوم جمعة، وكأن ملابساته تتكرر، فما دلالة ذلك وفائدته؟!.
فى حوارى مع الشباب، تناقشت معهم فى هذه المسألةً، وتطرقنا لمسألة أهم وهى تكرار "تشيير" بوستات بدون التحقق من مرجعيتها وصدقها فنشارك فى نشر أخبار كاذبة أحيانًا وقد نكون بلا قصد نساند شبكة تضليل كبيرة يخلقها من يريدون نشر الطاقة السلبية فى المجتمع.
كل ما أطلبه هو التحقق قبل نشر أى بوست على كل قائمة تليفونك بدون معرفة أصله وفصله.. العلم والذكاء والوعى يقول ذلك.
علينا التأكد من مرجعية البوستات التى أحيانا لا تنشر أخبارًا كاذبة فحسب بل وتُحَرف أقوالًا بقصد، وتضيف صورًا بكذب، لخلق قصص متكاملة بعيدة عن الحقيقة.
قالت شابة من الحالمات: أظن أن بوستات يوم الجمعة التى تُرسل بدون تفكير أصبحت جزءًا من سلوكيات المجتمع، فهل هناك قيمة روحانية ليوم الجمعة للمسلمين والسبت لليهود والأحد للمسيحيين؟. وما هو أصل الحكاية؟ وما علاقة الدين بالأيام؟
قلت: أظن انها علاقة ظرفية تنظيمية وليست إلهية ثم إبتسمت وأردفت: لقد إنتهيت من قراءه كتاب "الكَون الخاص بى My Own Universe" لجيمس بيلى، وتلاه كتاب "فيزياء المستقبل Physics of The Future" لميكيو كاكو، وكتاب "الكون الأنيق The Elegant Universe" لبرايان جرين، وملخص لكتاب ستيفن هوكينز إجابات مختصرة لأسئلة كبيره "Brief Answers to the Big Questions " وإنتابتنى الحيرة حول الزمن وما نعتبره على الأرض مُسلمات وهى نسبية للكون، فعدت أبحث فى توسع الزمن وتقلصه وعلاقته بسرعة الضوء والجاذبية وكلها بدأت كنظريات علمية أثبتتها الكشوفات الفلكية والمعادلات الرياضية..
وعندما نظرت إلى رسائل الأصدقاء ومن لا أعرفهم بالعشرات بالبوستات التى غالبًا لا يقرؤنها بل يعيدون إرسالها لكل من على تليفونهم كما أوضحت، حول تقديس الدعاء فى ساعة بعينها أو يوم بعينه لأن الله يستجيب فيها للداعى أكثر من أوقاتٍ أخرى، سألت نفسى عن أهمية اليوم، أى يوم، ولماذا يظن الناس أن اليوم النسبى جدا بالنسبه لساكنى كوكب الأرض من قطبها الشمالى الى الجنوبى والأكثر نسبية بين يوم الأرض أصلا ويوم المريخ أو زحل، فما بالك بيوم كوكب فى مجره أخرى، وإنتابتنى رغبة فى مشاركتكم بالتفكير خارج ما هو محلى (فى هذه الحاله المحلى هو الكره الأرضية) إلى ما هو كونى.
قالت شابه أخرى: إشرح لنا أكثر..
قلت: أدعوكم للتفكير، وصولًا إلى تفسيرات تستحق التدبير.. فإذا كانت نظرية النسبية لأينشتاين قد أثبتت إمكان تغير الزمن وعلاقته بالمكان والسرعة، وأنه بزيادة السرعة إلى قرب سرعة الضوء يتقلص الزمن وتتضائل الكتلة وعند الوصول لسرعة الضوء تنعدم المادة ويتوقف الزمن، فإننى أستطيع أن أفهم أشياء كانت تقال ومطلوب منى تصديقها من باب الإيمان وليس من باب تشغيل العقل..
قال شاب آخر: زى إيه يا دكتور؟ وما علاقة ذلك بمئآت التهنئة بيوم الجمعة على السوشيال ميديا؟ّ!.
قلت: إننى أرى نسبية الزمن وأتفكر فى آيات القرآن، وبعد البحث استوقفتنى الآيات التالية:
"وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ"
"يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّاتَعُدُّون"
"تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ"
و"فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ"
وأضفت: كتابى الجديد "دعوة للتفكير" الذى صدر عن المصرية اللبنانية للنشر، يناقش الكثير من الموضوعات المشابهة، لزيادة المعرفة والتفرقة بين ما هو بشرى وما هو إلهى..
العلم جميل، والتساؤل هو أصل المعرفة.
أما من أرادوا إعتبار أن العقل أخذ أجازة بعد تفسير الأولين لما أقرأه الآن بعد أكثر من ألف سنة، وأن الإيمان بتصديق ما ليس له برهان هو الطريق الى الله، أقول لهم إن الله أعطانا العقل لنتدبر ونفكر ونسعى بالعلم الذى بدأ به كتابه، وأن ما يميزنا عن باقى الخلق هو هذا الوعى بنعمة الله علينا..
قال الشاب الأول: نرجع لأيام الاسبوع، ما هو مصدرها؟
قلت: فى العديد من اللغات، كان يتم اشتقاق الأسماءالتى تُطلق على أيام الأسبوع من أسماء الكواكب الكلاسيكية فى علم الفلك الهلنستى، والتى سُميت بدورها على اسم الآلهة المعاصرة لذلك الوقت فى أذهان البشر، وهو نظام أدخله السومريون واعتمده البابليون فيما بعد وأخذت به الإمبراطورية الرومانية خلال العصور القديمة وتم تبنى الأسبوع المكون من سبعة أيام فى المسيحية المبكرة أخذًا من التقويم العبرى، وبقى السبت اليوم السابع وهو المقدس عند اليهود. وكان البابليون قد أطلقوا على هذه الايام أسماء الكواكب المعروفة لديهم وكان عددها خمسة وخصصوا اليوم السادس للقمر واليوم السابع للشمس.
ديان كالقمرليوم الاثنين، المريخ ليومالثلاثاء، عطارد ليومالأربعاء، كوكبالمشترى ليوم الخميس، كوكب الزهرةليوم الجمعة، زحل ليومالسبت، وأبولوكالشمس ليوم الأحد.
جاءت بعد ذلك مرحلة ثانية عند العرب اتبعوا فيها باقى الشعوب بتبينهم أن الاسبوع مكون من سبعة أيام وكانوا لا يحسبون الاسابيع قبلها.
وفى المرحلة الثالثة تم تسمية أيام الاسبوع بأسمائها المعروفة اليوم وهى (السبت، الأحد، الإثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس، الجمعة) فالأسماء من الأحد الى الخميس منشقة من العدد نفسه الاول والثانى الى الخامس وكان الأحد أولها، أما أصل تسمية الجمعة فيعود إلى الجمع والاجتماع بقصد الصلاة أو غيرها ثم جاء القرآن مثبتًا يومًا للجماعة يلتقون فيه ويصلون سويا..
إذن فى اللاتينيه والإنجليزية فإن أيام الاسبوع سميت نسبة إلى الأجرام السماوية، وفى زمن آخر بإسم بعض الشخصيات الأسطورية فى التاريخ القديم.
ولأن اللغة الإنجليزية تعتمد على اللغات اليونانية، واللاتينية، والجرمانية القديمة، فتكمن رؤية تلك التأثيرات فى تسميتهم لأيام الأسبوع.
كان الترتيب الأصلى للأيام بين القرن الأول والثانى ميلاديًا، نسبًة للآلهة اليونانية والرومانية، فكانت هي، الشمس، القمر، أريس، هيرميس، زيوس، أفروديت، وكرونوس، ثم انتقلت بعد ذلك أسماء الكواكب من اللاتينية إلى لغات أخرى، فى جنوب وغرب أوروبا.
وقد سمى الرومان أيام الأسبوع بعد تسمية آلهتهم، وذلك لأنهم رأوا علاقة ما بين آلهتهم والوجه المتغير للسماء، فكانوا قادرين كل ليلة على رؤية عطارد، والزهرة، والمريخ، والمشترى، وزحل، بالإضافة إلى القمر والشمس، مما شّكل لديهم سبع هيئات فلكية رئيسية، لذا كانوا يستخدمون هذه الأسماء السبعة عندما إستقروا على أن أيام الأسبوع سبعة.
ثم قلت: كلها مجرد أسماء عكست ثقافات لأزمنة مختلفة، فلم يكن الأسبوع موجودا ثم وُجِد، وكان خمسة أيام وأصبح سبعة، وسُمِيت الأيام بأسماء مختلفةً مرتبطة بثقافة زمنها، ولكنها فى النهايه إبداع إنسانى له تاريخه وإحترامه..
يظن وأحيانا يؤمن البعض أن تكرار أسماء الأيام أو موعدها فى الاسابيع والشهور له مغزى دينى وكأن الزمن يتكرر وكأن الأحداث وموقع اليوم والشهر يعود كما كان فى لحظة سابقة، وهو ليس كذلك، فباعتبار حركة الأرض حول الشمس ومجموعة الكواكب الشمسية، ودوران كل المجموعة الشمسية حول شئ آخر، وحركه الجميع وسفرهم عبر الكون، فإن العودة لنفس الوضع الكونى فى نفس اليوم أو الشهر أو السنة الأرضية مستحيل.
وبنفس المنطق فإن الخالق القريب منا، قرب حبل الوريد، لا يوجد له جدول زمنى للاستماع لدعائكم، وكل التقسيمات الأسبوعية واليومية هى تنظيمية لحياة البشر وليس لله، لأن الله عز وجل موجود فى كل وقت وفى كل مكان وفى كل زمان.