تجديد العلاقات الفرنسية الأفريقية بشكل مبتكر.. ضرورة ملحة
خطة مارشال عاجلة للنهوض بالقارة وضرورة تعزيز تعاون فرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان مع القارة السمراء
اليأس المادى والمعنوى للشعوب هو دائمًا الطريق الممهد لأكثر التطرفات الأصولية الطائفية خاصة أن الوعد الذى ينادى به الجهاديون هو أن تقود من خلال التضحية بالنفس - وأيضًا بالآخرين - إلى عالم يفترض أنه أفضل
أنهى إيمانويل ماكرون جولته فى إفريقيا منذ أكثر من أسبوع. وأثناء زيارته إلى الجابون، أعلن على وجه الخصوص أن عصر (فرنسا أفريقيا) قد "انتهى" وأن فرنسا الآن "محاور محايد"
وأوضح الرئيس الفرنسى - خلال زيارته إلى ليبرفيل - أن تقليص الوجود العسكرى الفرنسى "لا يشكل انسحابًا ولا فك ارتباط"، ودعا إيمانويل ماكرون إلى "تكييف هذا النظام" مع مراعاة "الاحتياجات" المتغيرة للبلدان الأفريقية الشريكة وتقديم المزيد من "التعاون والتدريب".
وينطوى هذا التكيف على وجه الخصوص على إعادة تطوير القواعد الفرنسية فى ليبرفيل وأبيدجان وداكار من خلال "وجود المزيد من الجنود الإقليميين فى قواعدنا وبالتالى المشاركة فى إدارة هذه القواعد".
كان واضحًا أن الهدف من هذه الجولة هو محاولة غرس الميل إلى الشراكة مع فرنسا، لدى القادة وكذلك الشعوب الأفريقية. فى الواقع، تضررت صورة فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، فى السنوات الأخيرة. المناورات والأعمال المزعزعة للاستقرار - التى نفذها وراء الكواليس الشركاء المتميزون الجدد لجزء من القارة الأفريقية مثل روسيا (التى لا تتردد فى إرسال مجموعتها الخاصة من مرتزقة "فاجنر" - للعمل كقادة للحرس البريتورى الذين قد كانوا قد قاموا بمعاينتهم) أو حتى الدولة الآسيوية من خلال شبكاتها الإسلامية - يعد كل ذلك عاملًا رئيسيًا فى تدهور صورة فرنسا.
ومع ذلك، كيف لا نتساءل عن أكثر من ذلك؟ هل كانت الردود التى قدمها الرئيس الفرنسى كافية وتتناسب مع التحديات الجيوسياسية الرئيسية الحقيقية التى تنطوى عليها العلاقات مع القارة الأفريقية؟ كيف لا نطرح السؤال حول تحديد الطرق الضرورية للشراكة الجديدة مع أفريقيا؟.
يبلغ عدد سكان إفريقيا حوالى ١.٣ مليار نسمة. وفقًا لتوقعات الأمم المتحدة، سيكون النمو الديموجرافى فى إفريقيا أكثر من ٩٠٪: سيبلغ عدد سكان القارة حوالى ٢.٥ مليار نسمة بحلول عام ٢٠٥٠ وتتوقع الأمم المتحدة أيضًا أن القارة السمراء سيكون لديها أكثر من ٤ مليارات شخص فى عام ٢١٠٠.
يتمثل التحدى الكامل لهذا التصور، بالنسبة لنا نحن الدول الأوروبية المطلة على البحر المتوسط، فى ضمان أن يكون هذا النمو الديموجرافى غير المسبوق مصحوبًا بنمو اقتصادى مستدام، بحيث يكون شاملًا (من خلال أن يؤدى إلى ارتفاع مستوى المعيشة السكان فى دول البحر المتوسط) دون أن يؤدى ذلك إلى تفاقم الأزمة البيئية.
هل يمكننا تجاهل هذا الوضع أكثر من ذلك؟
ومع ذلك، يمكننا اقتراح حلول سياسية تكون طموحة وقوية ومبتكرة، وعلى أساسها نكون أصحاب صفة شرعية لإعادة بناء علاقاتنا المميزة مع الدول الأفريقية خاصة أن التعاقد على علاقاتنا مع البلدان الأفريقية، فى إطار خطة مارشال الجديدة المخصصة لأفريقيا، سيكون على وجه الخصوص اقتراحًا سياسيًا من الدرجة الأولى - قويًا ومثيرا للغاية - يمكننا تقديمه بمساعدة ودعم مؤسساتنا المالية الأوروبية.
تهدف خطة مارشال لأفريقيا إلى تسهيل تمويل إنشاء وتشغيل البنية التحتية اللازمة للتنمية المستدامة والشاملة للبلدان الأفريقية. وبهذا الصدد، يمكن للمرء أن يتخيل تنفيذ شراكات محددة بين القطاعين العام والخاص، والتى سيتم إعادة تمويل استثماراتها جزئيًا من قبل بنك الاستثمار الأوروبى وصناديق الاستثمار المخصصة له. يجب أن يمكّننا هذا التغيير فى النهج - مقارنةً بالتعاون الخالص بين الدول - من إعادة بناء علاقات صحية مع بلدان إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. وفى الواقع، من خلال إعادة ترتيب البطاقات وإعادة كل شىء إلى المسار الصحيح، سنتمكن من التفاوض حول شراكات حقيقية "فائز / فائز" مع البلدان الأفريقية. يجب أن يسمح لنا هذا أيضًا بأن نكون فى وضع أفضل لإعادة التفاوض بشأن التعاون الوثيق الضرورى لهذه الدول من أجل تحسين السيطرة (فى بلد المغادرة) على الهجرة غير المسيطر عليها، بالإضافة إلى تسهيل عودة الأجانب الذين هم فى وضع غير نظامى على أراضينا بالحصول تلقائيًا على تصاريح العودة الآمنة إلى بلدان المنشأ.
ولا شك أن اليأس المادى والمعنوى للشعوب هو دائمًا الطريق الممهد لأكثر التطرفات الأصولية الطائفية خاصة أن الوعد الذى ينادى به الجهاديون هو أن تقود من خلال التضحية بالنفس - وأيضًا بالآخرين - إلى عالم يفترض أنه أفضل.
إذا أردنا محاربة هذه الآفة بشكل فعال، فلا شك أننا يجب أن نلتزم أكثر، مع شركاء أوروبيين آخرين، بالوسائل العسكرية المناسبة، إلى جانب قوات الدول المهددة ولكن سيكون من المناسب أيضًا إجتثاث الشر من الجذور من خلال تطوير سياسة طموحة عابرة للقارات يمكنها إعادة الأمل لجميع اليائسين.
وفى الحقيقية تعتبر خطة مارشال الجديدة التى سيتم تخصيصها لتسهيل تمويل البنية التحتية اللازمة لتسريع كبير للتنمية المستدامة والشاملة فى أفريقيا، ضرورية للغاية. هذا هو الحل الدائم الوحيد الذى يمكن توقعه إذا أردنا أن تلحق الدول الأفريقية بالركب على المستوى الاقتصادى، مع الحفاظ على كوكب الأرض، وأن يستفيد سكانها بشكل عام من مستوى معيشى مقبول بصورة أفضل.
علاوة على ذلك، فإن النمو والتوظيف اللذين سيتم تحقيقهما فى إفريقيا وجنوب البحر المتوسط، كما هو الحال فى أوروبا، من خلال الاستفادة من خطة مارشال الجديدة، يجب أن يفيد فى كل الاحوال، الشركات والمواطنين، الذين سيكونون بالتالى أكثر إدانة للهجرة.
وأمام كل هذه التحديات والصعوبات، يجب أن تؤدى الرؤية الإستراتيجية والتحليل الجيوسياسى الموضوعى، بطبيعة الحال، بفرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان إلى تعزيز تعاونهم السياسى عندما يتعلق الأمر بالقضايا الرئيسية المشتركة بيننا. لهذا، يجب أن تصبح إفريقيا ودول جنوب البحر المتوسط الأخرى هى أولويتنا.
ويبدو بالفعل أنه من الضرورى بالنسبة لنا استعادة مستوى كافٍ من التقارب الجيوسياسى مع الشركاء الأقرب إلينا حقًا، حتى نتمكن من التنفيذ، فى إطار نواة صلبة من الدول المرتبطة بالاتحاد الأوروبى، وأن يكون تنفيذًا طموحًا مع تقوية ودعم سياسة تعاون أوثق، ومن الواضح أن مثل هذه السياسة الطموحة يجب أن تمر عبر دبلوماسية منسقة بشكل وثيق وسياسة "دفاعية" متكاملة بشكل متزايد.
اتخذت ألمانيا قرارًا متعمدا بالاستثمار بشكل مكثف للحصول على الأسلحة الأمريكية بدلًا من الشروع - خاصة مع فرنسا والدول الأوروبية الأخرى - فى تعاون صناعى أوروبى ذى طبيعة جوهرية - والذى كان من الممكن أن يكون ممكنًا بشكل كبير خارج نطاق الطائرات المقاتلة.
يعود أصل إنشاء مركز الأبحاث "نوفا روما" بعد أن لوحظ أن الرؤية الجيوسياسية البراجماتية المتعلقة بملفات إقليمية، يجب أن تقود بشكل طبيعى فرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان إلى تعزيز تعاونهم السياسى فيما يتعلق بالقضايا الجيوسياسية المتوسطية المشتركة. ويجب أن تجد الدول الأورومتوسطية مصلحة واضحة فى الترويج المشترك، داخل الاتحاد الأوروبى، لفكرة خطة مارشال الجديدة التى تهدف إلى تسهيل تمويل البنى التحتية اللازمة للتنمية وانتقال الطاقة للقارة الأفريقية ولجنوب البحر المتوسط.
معلومات عن الكاتب:
جان ميشيل نوجويرولز.. محام دولى وخبير اقتصادى. حاصل على دكتوراه فى قانون الأعمال الدولى (باريس 1)، وماجستير فى القانون من جامعة بيركلى، وتخرج من كلية العلوم السياسية بباريس (الاقتصاد والتمويل) وحاصل على ماجستير فى العلوم البحثية فى الاقتصاد التطبيقى من جامعة برشلونة المستقلة.. يتناول رؤيته للدور الأوروبى الملح فى نهضة القارة الأفريقية، بمناسبة جولة الرئيس الفرنسى فى القارة السمراء.