الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

ألكسندر عون يكتب: الانهيار الكبير

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بيروت فقدت بريقها واختفى السائحون على طول الكورنيش
77٪ من الشباب يفكرون فى مغادرة لبنان.. و3.8٪ من السكان فروا من البلاد

 



سجلت العملة اللبنانية هبوطًا محزنًا تجاوز حاجز ١٠٠ ألف ليرة للدولار الواحد. فقد كان الدولار قبل اندلاع الأزمة فى  أكتوبر ٢٠١٩ يساوى  ١٥٠٠ ليرة فقط. يضاف إلى  ذلك النقص الكبير، وإفقار جميع قطاعات المجتمع المدنى، وفراغ السلطة، فإن هذا الهبوط اللافت لقيمة العملة يغرق لبنان أكثر فى  الأزمة، الأمر الذى  يسبب اكتئاب الغالبية العظمى  من الشعب اللبنانى  البائس، إذ فقدت العملة المحلية ٩٨٪ من قيمتها. وللتذكير، فقد ظلت  الليرة اللبنانية محتفظة بقيمتها عند ١٥٠٠ ليرة منذ نهاية الحرب الأهلية عام ١٩٩٠.
هذه الكارثة النقدية هى  كارثة طويلة الأمد: لقد تم تجاوز الحد الأقصى البالغ ١٠٠٠٠ ليرة لبنانية للدولار الواحد فى مارس ٢٠٢١، ثم تجاوز الحد الأقصى البالغ ٢٠٠٠٠ ليرة فى  يوليو ٢٠٢١، ووصل المنحنى إلى ٣٠ ألف ليرة فى  ديسمبر ٢٠٢١. وقد تمكنت العملة المحلية من الاستقرار بحوالى  ٢٥٠٠٠ فى الأسواق السوداء فى  أبريل ٢٠٢٢. ولكن استمر هبوطها السيئ، حيث وصل إلى ٥٠٠٠٠ فى عام ٢٠٢٣.
هذا الانحدار الطويل والمستمر له عواقب وخيمة على اللبنانيين. إذا كان الحد الأدنى للأجور الشهرية ٤٥٠ دولارًا فى  عام ٢٠١٩، فهو اليوم حوالى  ٢٠ دولارًا فقط. ونتيجة لذلك، يعيش أكثر من ٨٠٪ من السكان تحت خط الفقر بينما ٤٢٪ من السكان فى  فقر مدقع.
بيروت تفقد بريقها
ومما يزيد الامر سوءا ذلك النقص فى السلع والخدمات.. لم تعد محلات السوبر ماركت مليئة بالمخزون، والضروريات الأساسية غير متوفرة أو أصبحت باهظة الثمن بالنسبة للفقراء، وأصبحت الأدوية شحيحة فى الصيدليات، ويتم ترشيد البنزين والكهرباء وفقًا للمناطق وأوقات اليوم. قطاع المستشفيات فى  خضم أزمة مع ندرة الأطباء والممرضات للقطاع العام. كما يشهد القطاع المصرفى اللبنانى، الذى  يعتبر الملاذ الآمن للاقتصاد اللبنانى، والذى  كان يحظى بتقدير كبير من قبل السوريين والمقيمين فى  الخليج، تراجعًا أيضًا. وحاول العديد من المواطنين اللبنانيين العاديين سرقة مصرفهم لسحب أموالهم. فى الواقع، تعثرت المؤسسات المصرفية.
ومما زاد الطين بلة، فإن الحرب فى  أوكرانيا لها تأثير كبير على بلد الأرز. تستورد بيروت ما يقرب من ٩٠٪ من حبوبها من كييف وموسكو. ذلك أن الطعام الأساسى  للمطبخ اللبنانى  هو الخبز.
 


لقد ولت الأيام التى كانت فيها العاصمة اللبنانية منارة ثقافية للعالم العربى، عندما ازدهرت الاستثمارات الأجنبية وكان السائحون يتنزهون على طول الكورنيش. اليوم، بيروت ما هى إلا ظل لما كانت عليه فى السابق. يشير تصنيف دولى  نُشر فى  أوائل يناير إلى أن بيروت من بين أسوأ مدن العالم من حيث جودة الحياة. أحدث تقييم وضعته Numbeo يضع العاصمة اللبنانية فى  المرتبة ٢٤٠ درجة من أصل ٢٤٢ مدينة. تسلط المعلومات التى قدمتها هذه الدراسة الضوء على تدهور لبنان الدراماتيكى والوحشى فى  نوعية الحياة فى بيروت، التى  اشتهرت ذات يوم بمستوى الخدمات المقدمة.
فى  الواقع، لم تعد مدينة جيدة للعيش فيها. ارتفعت جميع الأسعار: ١٧٠٪ للغذاء، ١٨٠٪ للنقل. وقفزت تكلفة السكن التى  تشمل أسعار المياه والغاز والكهرباء بنسبة ٢٣٥٪. ارتفع التعليم بنسبة ١٩٠٪ والاتصالات السلكية واللاسلكية ٢٢٦٪.
بلد يفقد سكانه
فى  مواجهة خطورة الأزمة وغياب آفاق المستقبل، يغرق الكثير من اللبنانيين فى  اليأس ويحلمون بشيء واحد فقط: مغادرة البلاد. لقد ذكّرت مأساة ٢٣ سبتمبر العالم أجمع بأن لبنان انتقل من أرض جاذبة إلى أرض طاردة. غرق ما لا يقل عن ٩٤ مهاجرًا من جنسيات سورية ولبنانية وفلسطينية قبالة سواحل سوريا بعد غرق قاربهم المقبل من لبنان ولم يعد حطام السفينة ظاهرة ثانوية لبلد الأرز. منذ أزمة أكتوبر ٢٠١٩، استمر المرشحون للمغادرة فى  التكاثر. أصبح لبنان على نحو متزايد نقطة انطلاق للقوارب المؤقتة المتجهة إلى السواحل القبرصية أو اليونانية.
من أرض ملجأ للفلسطينيين فى  ١٩٤٨ و١٩٦٧ وللسوريين من ٢٠١١، تحولت بلاد الأرز إلى مكان للهجرة. فى الواقع، منذ عام ٢٠١٨، تضاعف عدد المهاجرين أربع مرات. تضاعفت طلبات جوازات السفر فى  عام واحد. من يناير إلى أبريل ٢٠٢١ جواز سفر، سافر أكثر من ٢٣٠ ألف لبنانى  إلى الخارج، أى  ما يقرب من ٣.٨٪ من السكان. منذ بداية الأزمة، فر ما بين مليون وخمسمائة نسمة من البلاد. رقم لا يثير الدهشة عندما نرى أن ما يقرب من ٧٧٪ من الشباب اللبنانيين قالوا إنهم يفكرون بجدية فى مغادرة بلدهم وفقًا لاستطلاع الشباب العربى  نهاية عام ٢٠٢٠. وهو رقم فى  ارتفاع مستمر.
بالنظر إلى الافتقار إلى الإصلاحات السياسية والاقتصادية، فى  الوضع الحالى، يبدو أن لبنان، لم يعد قادرا على التعافي. وبالفعل، فإن دولة الأرز لا تفى  بالمتطلبات التى  يفرضها صندوق النقد الدولي حتى  يتمكن من تحصيل مبلغ المساعدات الدولية. تم إفساد خطة استعادة لازارد ٢٠٢٠ التى  قبلتها المؤسسة الدولية من قبل "الحزب المصرفي" القادر فى  دوائر السلطة اللبنانية. وهكذا تم تجميد جميع المساعدات الخارجية. لم يتلق لبنان فلسًا واحدًا من اجمالى  ١١ مليار دولار تم جمعه خلال مؤتمر الأرز فى  أبريل ٢٠١٨.
فى  مواجهة فراغ السلطة، والانهيار النقدى  والاقتصادى  للبلاد، وانسحاب المجتمع من سكانه، أصبح لبنان دولة فاشلة حيث كل السيناريوهات الكارثية ممكنة للأسف.

معلومات عن الكاتب: 
ألكسندر عون.. صحفى فرنسى لبنانى متخصص فى قضايا الشرق الأوسط.. يقدم صورة للواقع اللبنانى، لا تحتاج إلى أى تعليق
لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي:

https://www.ledialogue.fr/