الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

رولان لومباردى يكتب: أوبك وإيران والصين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

السعودية تنتهج سياسة الابتعاد عن جو بايدن والإمبريالية الأمريكية
الهيمنة العالمية للولايات المتحدة بدأت فى الغروب.. وأوروبا فقط تمتثل بشكل أعمى وبغباء لأوامر البيت الأبيض ضد مصالحها الخاصة

على الرغم من الضغوط الأمريكية، كانت منظمة أوبك بقيادة السعودية قد قررت بالفعل منذ بضعة أشهر خفض إنتاجها النفطى وهذا بالفعل كان إذلالًا حقيقيًا لبايدن وهدية حقيقية لبوتين. كما نذكر هنا أيضا آخر تطور ونكسة جديدة للإمبراطورية الأمريكية: الرياض وطهران، الخصمان الإقليميان القديمان فى الشرق الأوسط، اللذان قطعا علاقاتهما قبل أكثر من سبع سنوات، التزمتا للتو، بطريقة رسمية للغاية وفى ضجة كبيرة، بإجراء محادثات وتم الإعلان قبل أيام إعادة فتح التمثيل الدبلوماسى فى غضون شهرين.. كل هذا برعاية الصين!
فى الحقيقة، تحسنت العلاقات بين موسكو والرياض وتعمقت بشكل كبير منذ عام ٢٠١٦ واتفاقيات أوبك+ وروسيا.. وفى أكتوبر الماضى، كان قرار منظمة النفط بخفض إنتاجها النفطى بمقدار مليونى برميل يوميًا لشهر نوفمبر، بينما كانت واشنطن وباريس تطالبان بالزيادة. هذه التحركات أكدت بالفعل هذا التحول الجيواستراتيجى والتاريخى الجديد.
وفى الحقيقة كل هذه السياسات والتحركات تعتبر إظهار لمدى قوة وتأثير محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى، تجاه الغربيين، وقبل كل شيء، للرئيسين الأمريكى والفرنسي.
منهج بايدن وماكرون 
فى الواقع، كان هذا القرار ازدراءًا جديدًا لجو بايدن وإيمانويل ماكرون، اللذين كانا مع ذلك، فى حالة صدمة واندهاش مثيرة للشفقة، وقاما منذ فترة بتخفيف انتقادهما لولى العهد، وزار بايدن جدة فى منتصف شهر يوليو وتم استقبال ولى العهد الشاب فى قصر الإليزيه نهاية شهر يوليو.. كل ذلك يدخل فى سياق حرب أمريكا وفرنسا الكامنة ضد روسيا عبر أوكرانيا.
من أجل صراعه فى أوكرانيا، يحتاج الكرملين إلى أن يظل سعر النفط مرتفعًا. منذ فبراير ٢٠٢٢، كسبت موسكو مئات المليارات من اليورو من صادراتها. لهذا السبب كان لواشنطن وباريس اهتمام بالغ بموقف محمد بن سلمان، بينما الكل يريد أن يضعف روسيا و"يستنزفها" كما فعل رونالد ريجان ضد الاتحاد السوفيتى. 
لكن الزمن تغير. كما أوضحت فى كتابى "بوتين العرب''، الصادر ٢٠٢٠ "منذ عام ٢٠١٦ واتفاقيات أوبك+ وروسيا، انتهجت موسكو والرياض تقاربًا وهذا يعد انعكاسًا جيواستراتيجيًا تاريخيًا. كما نمت العلاقات الشخصية بين بوتين ومحمد بن سلمان منذ ذلك الحين. فى نهاية سبتمبر ٢٠٢٢، اضطلع محمد بن سلمان بدور الوسيط منذ أن نجح فى إطلاق سراح سجناء غربيين - بينهم أمريكيان وخمسة بريطانيين - محتجزين لدى الروس.. هذه المبادرات والتحركات أثبت أن علاقاته الجيدة مع بوتين يمكن أن تخدم الغربيين.
كان ولى عهد المملكة العربية السعودية، الفائز فى هذه المواجهة الدبلوماسية التى استمرت عامين مع البيت الأبيض، قد ذكر قبل كل شيء أنه يجب الاعتماد عليه وعلى بلده الدولة النفطية القوية فى أزمة الطاقة الحالية.. قبل كل شيء، أظهر عدم خوفه من الإجراءات القانونية عبر المحيط الأطلسى وفى فرنسا. وأخيرًا، كانت قرارات أوبك الأخيرة أيضًا وسيلة للأمير الشاب للتعبير، بشيء من الارتياح، عن عدم إعجابة بطريقة تعامل هؤلاء القادة.. ولكنهم الآن باتوا فى حالة يرثى لها... وعلاوة على ذلك، لا ننسى رفض محمد بن سلمان تلقى مكالمات هاتفية من الرئيس الأمريكى قبل زيارة الأخير للسعودية هذا الصيف!.
 


الغرب فقد مصداقيته 
فى الوقت الحاضر، يكافح الغربيون فى الداخل ضد التضخم المتسارع، مدفوعًا بأسعار الطاقة. ومن هنا كان الغضب، بعد قرار أوبك الأخير، من إدارة بايدن، فى غاية الصعوبة بالنسبة للانتخابات المقبلة فى نوفمبر. بالإضافة إلى ذلك، فى أوروبا كما فى الولايات المتحدة، فإن هذا الانخفاض فى الإنتاج العالمى يهدد بإبادة بعض السياسات المكلفة الموضوعة للحد من أسعار الطاقة والتضخم. نظرًا لأن السعر العالمى للنفط الخام يرتفع بشكل حاد، فمن المرجح جدًا أن تُخفى الهند والصين، اللتان تعتمدان بشكل كبير على الهيدروكربونات، تحفظاتهما الأخيرة ولكن ليس أقل حذرًا تجاه روسيا وحربها فى أوكرانيا، وتصطفان خلف موسكو. وبالمثل، مع الأيديولوجيين الديمقراطيين وجو بايدن، يبدو أن القوة العظمى الأمريكية تقل بمرور الوقت هيمنتها على العالم. سياسة العقوبات القصوى ضد روسيا هى فشل مرير ويبدو أن الهيمنة العالمية للولايات المتحدة بدأت فى الغروب. باستثناء أوروبا فقط هى التى لا تزال تمتثل بشكل أعمى وبغباء لأوامر البيت الأبيض ضد مصالحها الخاصة.
إذا سمحت العملية الروسية فى أوكرانيا، فى المقام الأول، للأمريكيين بتأكيد سيطرتهم السياسية والعسكرية وفى مجال الطاقة على أوروبا الخاضعة بشكل نهائى لواشنطن، فإن السياسة المعادية لروسيا التى تنتهجها إدارة بايدن ستكون بالتأكيد خطأ جيوسياسيا بعيد المدى لسياسية الولايات المتحدة فى مواجهة تهديدها الوجودى الحقيقى "الصين".
ولهذا لم تتبع أى من الدول الكبرى فى أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا الهستيريا الأمريكية والأوروبية ضد روسيا، مفضلة احترام أجنداتها ومصالحها، دون الانصياع لرجل الدرك السابق و"بوصلة" العالم وهذا هو السبب أيضًا وراء تجاهل ضغوط واشنطن فى حملتها الصليبية ضد روسيا واستياء الغربيين والمملكة العربية السعودية وأيضًا معظم الدول العربية والخليجية الأعضاء فى أوبك +، التى لا تزال ترفض الانفصال عن حليفها الروسى أو تدينه. وفيما يتعلق بالعلاقات بين موسكو والرياض، فإن أخ محمد بن سلمان وزير الطاقة فى المملكة العربية السعودية، عبد العزيز بن سلمان، ذكرها جيدًا: "الأمر ليس مجرد زواج الظروف"!
لا تقتصر العلاقات الدولية على الاعتبارات التجارية أو الأيديولوجية أو العاطفية. ستكون دائمًا أسئلة واقعية ولكن أيضًا أسئلة نفسية ستسود فى العالم بأسره.. اليوم، المملكة العربية السعودية، ومعها الدول العربية الأخرى، تجعلنا نرى ما حدث فى عملتنا الخاصة.. إنها تسمى السياسة الواقعية! 
وقع المغرب، نهاية العام الماضى، اتفاقية ثنائية مع الكرملين حول التعاون النووى المدنى (دليل جديد على عدم الثقة تجاه باريس أيضًا). ومن علامات العصر الأخرى الإمارات العربية المتحدة، التى التقى رئيسها محمد بن زايد بفلاديمير بوتين فى أكتوبر فى سانت بطرسبرج. رسميًا، ذهب محمد بن زايد إلى "المنبوذ" الروسى لعرض وساطته فى "مهمة سلام". فى الواقع، كان الحديث فى الغالب عن النفط وكشفت هذه الزيارة الرائعة عن التغيير فى محور الجاذبية الجيوسياسى العالمى الحالى وقبل كل شيء، تؤكد، على الرغم من التوترات الدولية الحالية، توطيد العلاقات بين الدولة النشطة فى الشرق الأوسط، كقوة عسكرية ولكن قبل كل شيء قوة دبلوماسية ومؤثرة أصبحت لا مفر منها فى المنطقة، وبين روسيا، وهى العلاقات التى بدأت بالفعل منذ بعض السنوات (راجع كتابى بوتين العرب).
العودة إلى وقت طويل
لذلك ليس من المستغرب أن الانضمام إلى البريكس لا يزال قيد الدراسة من قبل مصر والإمارات والمملكة العربية السعودية. وقد بدأت الأخيرة بالفعل محادثات مع بكين للتخلى عن الدولار الأمريكى لصالح اليوان فى المعاملات النفطية، وهو ما يتماشى مع إلغاء الدولار الذى تريده موسكو.
بالنسبة للمراقبين غير الغربيين ولمعظم دول العالم، فإن هذه الحرب فى أوكرانيا بين الأوروبيين والأمريكيين والروس هى حرب ذاتية التدمير وانتحار جيوسياسى واقتصادى حقيقى للغرب. وبالنسبة لهم، سواء كانت رؤيتهم صوابًا أو خطأ، لن يؤدى ذلك إلا إلى التعجيل بالانهيار الأخلاقى والمادى، الذى بدأ بالفعل، لأمريكا وأوروبا.
لذلك تفضل الأنظمة العربية الابتعاد عن النظام العالمى الأمريكى والمراهنة بدلًا من ذلك على الصين وحتى روسيا. لأن الأخيرة، على الرغم من الأخطاء والصعوبات الحالية فى أوكرانيا، أثبتت ما كانت قادرة عليه طوال عشر سنوات وفى جميع الأزمات والصراعات التى خرجت منتصرة منها دائمًا. فى سوريا على وجه الخصوص، حتى لو لم يكن النزاعان من نفس الطبيعة أو من نفس النطاق.
يبدو أن قادة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لديهم مناعة أمام الدعاية الأطلسية غير العادية التى تغمر وسائل الإعلام الغربية وتشبعها. إنهم لا يؤمنون على الإطلاق بهزيمة روسيا أو حتى سقوط بوتين ويبدو أنهم يثقون فى مرونة هذه الأمة التى تلعب الآن دورها فى البقاء والتى أظهر قادتها دائمًا إتقانًا تاريخيًا كاملًا ومثبتًا لفترة طويلة وخاصة فى حروب الاستنزاف. فى غضون ذلك، يعمل الصينيون أيضًا على تسريع نفوذهم المتزايد باستمرار فى المنطقة. وهنا أعيد مجددا.. آخر تطور ونكسة جديدة للإمبراطورية الأمريكية: الرياض وطهران، الخصمان الإقليميان القديمان للشرق الأوسط، اللذان قطعا علاقاتهما قبل أكثر من سبع سنوات، التزمتا للتو، بطريقة رسمية للغاية وفى ضجة كبيرة، بإجراء محادثات وأعلن قبل أيام قليلة عن إعادة فتح التمثيل الدبلوماسى فى غضون شهرين، وكل ذلك تحت رعاية الصين!.

معلومات عن الكاتب: 
رولان لومباردى حاصل على درجة الدكتوراه فى التاريخ، وتتركز اهتماماته فى قضايا الجغرافيا السياسية والشرق األوسط والعلاقات الدولية وأحدث مؤلفاته «بوتين العرب» و«هل نحن فى نهاية العالم» وكتاب «عبدالفتاح السيسى.. بونابرت مصر».. يقدم، فى افتتاحيته لهذا العدد، رؤية بانورامية شاملة للموقف العالمى على ضوء الاتفاق السعودى الإيرانى والتطورات الدولية.
لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي:

https://www.ledialogue.fr/
 

البوابة نيوز | بقلم: رولان لومباردى - رئيس التحرير