لا تخلو منازل معظم الأقباط المسيحيين من صور البابا شنودة، فصوره تلهمهم وتزيدهم ارتباطاً به، فصورته تشكل معنى ورمزا تشع نورًا لصاحبها؛ لذلك قررت جريدة البوابة نيوز أن تلتقي بأحد صناع هذه الصور وهو الأستاذ "عماد نصري" المصور الشخصي لمعلم الأجيال على مدار 28 عاما.
وإلى نص الحوار ..
نبذة عن حياتك المهنية كيف ومتى بدأت؟
اسمي عماد نصري مجاهد خريج فنون تطبيقية، بدأت كمصور مع قداسة البابا شنودة وأنا في المرحلة الإعدادية بالتحديد في السنة الدراسية الثالثة، وجاء ذلك مصادفة وليس بتخطيط مسبق مني واستمريت معه إلى يوم وفاته.
كيف كانت مقابلتك الأولى مع قداسته وكيف أصبحت مصوره الشخصي؟
في البداية دعني أحدثك كيف عرفت قداسة البابا شنوده، عرفته عن طريق عظاته حيث كانت فريده له أسلوب فريد، السهل الممتنع كلماته ممزوجة بالبساطة والعمق، كل إنسان يستطيع أن يفهمها ويحفظها، وفي هذا الوقت لم أملك تسجيل أو كاميرا حيث كنا أسرة بسيطة كباقي الأسر؛ فبدأت مع المهندس عبدلله وهو من تلاميذ البابا شنوده فتقابلت معه، وطلبت منه أن أستمع إلى تسجيلات البابا فأعطاني بعض من هذه التسجيلات.
إلى أن جاءت واقعة التحفظ علي البابا شنوده من قبل السادات في عام 81 من القرن الماضي، وهذا كان يمثل علامة فارقة في تاريخ الكنيسة الحديث، حيث أن البابا بنسبة للأقباط رئيسهم الروحي؛ فكان في ذلك الوقت الجميع حزين، عندما كنت أذهب إلى الكنيسة كنت أرى الجميع يبكي، من كاهن الكنيسة إلي الشباب الصغار؛ فلم يكن الموضوع ظريفاً أبداً.
وبعد أن خرج البابا شنودة من هذا التحفظ، نظمت الكنيسة احتفالية كبيرة جداً، وذهبت لرؤيته، وكان هناك عدد هائل من الناس منتظرين قداسته هناك، وظل البابا شنودة عام اوعاماً ونصف بدون محاضرات او عظات وذلك بالاتفاق بينه وبين الدولة، وبدأت المحاضرات الخاصة بالكلية الإكليريكية، وأتذكر عمي يحيي سواق قداس البابا شنوده، استطاع أن يدخلني إلى مكان إلقاء هذه المحاضرات.
وفي إحدى هذه المحاضرات عيني جاءت علي مصور معه كاميرا فوتوغرافية وكان هو قريب جداً من قداسته، حيث كنت أن جالس في أبعد نقطة من الخلف في هذا المكان، ومن هنا فكرت أن أقتني كاميرة حتي استطيع أن أكون قريب من البابا مثل هذا المصور، وبدأت في استعارة كاميرة من خالي "فاروق" ومن هنا بدأت أن أقرب أكثر وأكثر، عن طريق تصوير هذه المحاضرات، ومن هنا أصبح وجهي مألوفاً لقداسة البابا شنوده.
هل بعد ذلك تم اختيارك كمصورة الخاص؟
أولًا: دعني أوضح لك الأمر أكثر، إلى يوم وفاة البابا شنودة لم يكن هناك مصور واحد بعينه، بل كان هناك عدة مصورين أخرين، ولكني كنت الأكثر حظاً.
وأكثر ما ساعدني هو دراستي فنون التصوير بشكل أكاديمي، فالصورة بشكل مختصر عبارة عن لحظة وزاوية؛ فأصبح لدي العلم ماذا تمثل الصورة بنسبة للبابا وكيف ستستخدم في مجلة الكرازة، فبعد عودة مجلة الكرازة عقب واقعة التحفظ علي قداسته استطعت أن أسهم بشكل بصور عديدة تم نشرها للبابا، حيث كان في الماضي لم يكنه للبابا شنوده سوي صور محدودة جداً ومتكررة في المناسبات، وكان من حظي الكبير أن البابا شنوده سمح بإرفاق اسمي على هذه الصور، وأصبحت اسمي معروفاً رغم أني لم أكمل العشرين من عمري.
وكنت أفعل شيئاً أخر كنت أقوم بمتابعة مجلة الكرازة وأركز على الصور التي اختارها البابا شنوده لنشرها وكنت أفحصها جيداً حتي أفهم عقلية وذوق قداسته، وكنت بعد أن أقوم بالتصوير أختار بعض الصور قليلة العدد لعلمي بوقت البابا شنوده الضيق وأذهب للمعمل لطباعتها، وأقدمها له، وكنت واثق أن من هذه الصورتين فقط سيختار منها البابا شنوده صورة واحدة على الأقل.
وهذا كان ما يحببني في البابا هو فهمه لشخصيته، فحتي كلامي معه كان قليلاً، فكنت أفهمه من نظارات عينه، أذكر لك مثلاً كنا في إحدى المرات في دير وادي النطرون نحتفل بشم النسيم، فالبابا شنوده كان يجلس علي ما نسميه "حصيرة" على الأرض ويتحدث مع أبنائه من الشعب والرهبان، ولكني كانت لدي حدود لا كنت لا أقترب لأني بتحركي للأمام سينهال عليه جيش من الحاضرين؛ فكنت أتابع عيناه لأفهم ماذا يريد هل أقترب أم لا، فكان مثلاً عندما يبتعد بنظره وكأنه ليس في تركيزه أفهم أنه لا مانع إني اقتربت لألتقط بعض الصور.
ومن الأشياء التي أعتز بها جداً عندما يُشيد أحداً بصوري فكان يقول له البابا شنوده هذا عمدة المصورين.
هل هذا يعني أن البابا شنودة لم يكن يعطي إليك تعليمات معينة للتصوير بشكل معين؟
كنت مثلاً حينما ألتقط صورة جمعية فكنت أنظم الحاضرين أذهب هنا وأذهب هناك، فكان يقولي لي ضاحكاً كفاك أوامر يا عماد؛ فكان صراحتاً مشهور جداً بفكاهته.
وكان يقول بشكل فكاهي مع الحاضرين احترسوا هناك شخص للسقطة واللقطة، وكان البابا شنوده لماحاً جداً وذكي واعطاه الله موهبة تندر أن تكون في آي شخص أخر.
إذًا كم مدة تواجدك كمصور له؟
ما يقرب من 28 عاماً.
وفي خلال هذه السنوات الثماني والعشرين فما هي أبرز اللحظات التي مريت بها مع البابا شنوده؟
هناك لحظات كثيرة لا يمكنني أحصرها لكم من اللحظات التي لا تنسى هي احتفالات الكنيسة في أسبوع الآلام، حيث كان هناك عدد هائل من الشعب يحضرون هذه المناسبة في دير الانبا بيشوي، وكان الشعب في هذه الفترة يُبيت في الدير ليشارك في هذه المناسبات، وكان الطريق الذي نقطعه في مدة ثلاثة دقائق يكلفنا من الوقت ماي يزيد عن الساعة ونصف بسبب أعداد الناس الهائلة وهناك صور تأرشف هذه اللحظات.
هل كنت تسافر مع البابا؟
صراحتاً انا وسائقه والحراسة وكل الطاقم الذي كان حول البابا شنوده، كان ينتظر فترة سفره؛ ليستريحوا ويجلسوا مع أهاليهم، حيث أننا لم نكن نترك قداسته طوال فترة تواجده في مصر، ولكني سافرت معه في الخارج أكثر من مرة منهم سفارية في إنجلترا، حيث كانت السفارية بسبب أن مشكلة صحية للأنبا أنطوني، وذهب البابا ثلاثة دول في ثلاثة أيام؛ فتخيل حجم الإرهاق للبابا ومن معه، وكنت بعد
كيف كانت فترة مرض البابا شنوده؟
دخل البابا شنوده في الفترة الأخيرة في فترة تعب كبيرة بسبب مشاكل الكلي؛ وكان ذلك بسبب تناوله لدواء معين وهذا ما قاله الأطباء الألمان، وبعد ذلك قرر البابا أن يسافر إلي أمريكا للعلاج، وبدأت هذه الفترة من 2002م وتدرج البابا في الآلام إلي أن وصل لأيامه الأخيرة بالغسيل الكلوي يومياً، ومن يعرف أشخاص يغسلون الكلي، يعلم أن الشخص يحتاج يوم او يومين لاسترداد عافيته؛ ولكن كان البابا شنوده يغسل الكلي وينزل لمقابلة الناس بعد نص ساعة.
وكان لأخر لحظة من عمره كان يملك حضور ذهني كبير وذاكرة فوتوغرافية؛ فكانت الشخصيات العامة بعد مقابله متعجبين من وعيه الذهني بأسالته عن الأمور الجارية، وحتي يظهر هذا الأمر في محاضرته الأخيرة في السابع من مارس قبل وفاته بعشرة أيام.