قال الدكتور القس عاطف مهني المعصراني، مدير مركز دراسات مسيحية الشرق الأوسط بكلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة أن التراث القبطي ملك لجميع المصريين، يحق لهم، بل يجب عليهم التعرف عليه والتسلح بما فيه من قيم عظيمة تُزكَّي وتدعَّم مع باقي الأديان قيم الصلاح والبر والتسامح والعيش المشترك. وعندما يحتفل به مؤسسة ثقافية عريقة مدعومة من الدولة مثل مكتبة الإسكندرية، فهو يمثل توجهًا مطمئنًا وجادًا لتعميق قيم المواطنة التي لا ترى في التنوع الديني أو النوعي أو الاجتماعي تهديدًا بل إثراءً وتدعيمًا لمجتمع صحي ولوطن تقدمي".
وأضاف المعصراني في كلمته اليوم الخميس في اليوم السنوي الثامن للتراث القبطي وقضايا التسامح والتعايش الذى نظمه مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية إن تاريخ البشرية مليء بمواقف متباينة من تراث الأديان سواء أتت هذه المواقف، من داخل أصحاب الأديان أنفسهم أومن خارجه. فهناك الاقتراب السطحي الشكلي، الذي يركز على الطقوس والفرائض والممارسات أكثر من القيم والمبادئ والذي أنتج لنا طبقة من المنافقين، المتاجرين بالدين والمتربحين من رفع شعاراته. وهناك الاقتراب المتعصب الذي يكاد ينكر وجود الآخر ويتعامل معه بكل تعالي وقد أنتج لنا طبقة من التكفيريين ودعاة العنف ضد الآخر باسم الدين.
واشار الى أن هناك اقتراب من التراث الديني يريد إقحام الدين في العلم والسياسة والطب وغيرها بصور قادت إلى التأخر وجعلت من الأديان عبئًا على الشعوب ونفرت الشباب المفكر والمتعلم من الدين، بل ربما شجعت البعض منهم على الإلحاد حيث وجدوا فيه منطقًا أكثر إقناعًا ومعقولية من الاقتراب السابق. وهناك اقتراب من التراث الديني للآخر بتوجه نقدي وتشكيكي وتربصي غرضه السخرية والتسفيه من معتقد الآخر، وكأن المتدين لا يستطيع أن يبرز محاسن دينه وتراثه إلا على أنقاض تراث الآخرين، وهذا المدخل أنتج لنا مشاعر البغضة والفرقة والاحتقان والتحفز بين مختلف أطياف المجتمع.
وأوضح المعصراني أن من نتائج تلك النماذج السلبية للاقتراب من تراث الأديان ردود فعل غير محمودة أدت مرات إلى علمانية عنيفة دعت إلى تحجيم الدين في دور العبادة وفصله تمامًا عن كل مناحي الحياة الأخرى. وكان البعض أقل عنفًا وحدة فاكتفوا بإقامة الجدران بين اتباع كل دين تجنبًا من أي فرص تماس مثيرة للجدل والاحتكاك والعنف وهروبًا من مسببات الفرقة والخلاف وتسلط جماعات على غيرها.
وأشار إلى أن هنا في مصر وفي بلاد شرقنا الأوسط مهد الأديان الثلاثة، يمكننا أن نقدم نموذجًا آخر غير العلمانية العنيفة من جهة والاقتراب السلبي الضار من التراث الديني. مستشهدا بما تقوم به مكتبة الإسكندرية من خلال مراكز التراث القبطي والتراث الإسلامي فهى نماذج طيبة تعيد ثقتنا في أن الدين يمكن، بل يجب أن يكون داعمًا لكل صلاح وبر وسلام ومحبة وسماحة وعيش مشترك. فإن كانت التنشئة الطيبة للإنسان والعلم والثقافة يمكن أن تنتج إنسانًا متحضرًا مؤهلاً لقبول الآخر، فبالأولى يكون الدين دافعًا إلى الحب والرحمة والعدل والأمانة.