على مدار 12 عامًا متواصلة؛ عاشت سوريا أحداثًا جسامًا؛ فبين سنوات النزاع ومُرورًا بجائحة كورونا جاء زلزال السادس من فبراير الماضي؛ ليُزيد مُعاناة وأوجاع السوريين فوق أوجاعهم المُستمرة منذ سنوات؛ مُخلفًا آلاف الضحايا والمُصابين والمتضررين؛ في ظل تشريد آلاف العائلات وتدمير البنية التحتية وتزايد الحاجة المُلحة للمساعدات الإنسانية وسط مخاوف من تدهور الأوضاع الصحية والإنسانية للملايين وانتشار الأمراض والأوبئة؛ فكان لـ «البوابة» مُقابلة عبر «الفيديو كول» مع مي الصايغ مسؤولة الإعلام والتواصل في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ بعد مرور نحو 40 يومًا على «زلزال القهر» للوقوف على آخر الأوضاع التي تشهدها المناطق المُتضررة من الزلزال الكبير.
المساعدات الإنسانية أقل من حجم الكارثة
قالت مي الصايغ؛ إنه منذ الساعات الأولى لزلزال سوريا وتركيا أطلقنا نداءً عاجلًا وطارئًا بقيمة ٦٥٠ مليون فرنك سويسري؛ ٢٠٠ مليون لدعم سوريا و٤٥٠ مليون لتركيا؛ بالإضافة إلى البدء في استقبال التبرعات والدعم من المانحين لمُساعدة شريكنا الهلال الأحمر العربي السوري في تأمين الاستجابة الفعالة والرد على الحاجة المتزايدة لمتضرري الزلزال؛ وذلك إلى جانب التنسيق مع ٩٢ جمعية للهلال والصليب الأحمر حول العالم لدعم المتضررين من الزلزال في سوريا.
وأوضحت «الصايغ» أنه كانت هناك مُساعدات من جمعيات الصليب والهلال الأحمر في بريطانيا والدنمارك والكويت ومصر والعراق؛ كما أرسل الصليب الأحمر اللبناني بفرق من البحث والإنقاذ؛ فكل هذه الجمعيات اجتمعت في استجابة عاجلة للرد على تداعيات الزلزال.
وحول تلبية المُساعدات الجاحة الإنسانية على أرض الواقع؛ أكدت أن المُساعدات كانت مُهمة للغاية؛ ولكن لم تكن كافية بما يُناسب حجم الكارثة؛ خاصة وأن سوريا مرت بـ ١٢ سنة مُتواصلة من النزاع المُسلح وهو ما حول ٧٠٪ من الشعب السوري للحاجة المُلحة من المُساعدات الإنسانية والغذائية قبل الزلزال.. فما بالك بكم الاحتياج للمساعدات بعد الزلزال؟ مؤكدة أن آلاف الناجون من الزلزال فقدوا الغالي والنفيس؛ وهو الأمر الذي زاد حاجتهم للمساعدات، ليس فقط للمأوى والمأكل والمشرب والخدمات الطبية والصرف الصحي؛ ولكن بحاجة كبيرة للدعم النفسي والاجتماعي؛ خاصة بعدما شهدته سوريا خلال الـ ١٢ سنة الماضية؛ فبات الوضع النفسي للمتضريين على المحك؛ وخسارة الملايين قدرتهم على الصمود وتحمل الأعباء والمآسي التي لا تتوقف.
40 يومًا على زلزال سوريا.. لقاء البوابة مع مي الصايغ مسؤولة الإعلام والتواصل لجمعيات الصليب والهلال الأحمر
وعن أبرز المخاطر التي تواجه سكان الشمال السوري؛ قالت: بعد أن ترك الآلاف منهم منازلهم ونزحوا للملاجئ والخيام ومراكز المُهجرين على وقع الزلزال؛ هناك تضرر كبير في البنية التحتية الموجودة والتي كانت ضعيفة في الأساس؛ وتدني مستوى النظافة في الملاجئ والخيام؛ إلى جانب ارتفاع الكثافة السُكانية إذ يتشارك عدد من العائلات البيت أوالملجأ أوالخيمة؛ وهو الأمر يُزيد من الضغط الصحي على خدمات الصرف الصحي والمياه والتي هي بالأصل غير سليمة؛ ما يجعل هذه الأوضاع بيئة خصبة لتفشي وانتشار الأمراض.
دمار المنازل والبنية التحتية وتحول المدارس لملاجئ أدى لزيادة انتشار الأوبئة والأمراض
وتابعت «الصايغ» أنه حتى الآن لا توجد إحصائية دقيقة بشأن أعداد المُصابيين بالكوليرا في سوريا؛ ولكن قبل كارثة الزلزال شهدت سوريا تفشي كبير للكوليرا بالخريف الماضي؛ وبدوره أطلق الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر؛ نداءات لمُحاصرة الوباء؛ وهو الأمر الذي انعكس على مزيدٍ من جلسات التوعية بمخاطر الكوليرا على أرض الواقع؛ ولكن بعد الزلزال زادت الضغوط بشأن عودة تفشي الكوليرا؛ خاصة مع تعذر وصول المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي بطريقة سليمة؛ وهو الأمر الذي يدق ناقوس الخطر بشأن زيادة المخاطر الصحية والطبية بشكل عام وليس بشأن الكوليرا فقط. ما دفع الاتحاد الدولي لمواصلة جهوده ليس فقط بشأن الاحتياجات الأساسية؛ ولكن بشأن الاستثمار في البنية التحتية ومُساعدة الشعب السوري في حماية أنفسهم من الإصابة بالأمراض والأوبئة؛ مشيرة إلى أن هُناك قدرة على تأمين وجود المياه؛ ولكن إذا كانت طُرق نقل المياه ليست سليمة ولا تخضع للأمان فأنت بذلك تعرضهم لخطر الإصابة بالأمراض؛ مؤكدة أنه في حال الاستجابة يُمكن مُساعدة هذه المجتمعات على المدى الطويل لحماية أنفسهم صحيًا واستكمال صُمودهم لمواجهة هذه الكوارث.
خلق بيئة آمنة للناس أكبر الأزمات
وعن الخطة التشغيلية لـ جمعيات الصليب والهلال الأحمر في سوريا، بشأن التطعيمات ضد الأمراض والأوبئة وخاصة الكوليرا وكوفيد ١٩ في سوريا بالوقت الحالي؛ أكدت «الصايغ» وجود حملات تطعيمية ضد هذه الأمراض قبل وقوع الزلزال؛ ولكن بعد الزلزال يتطلب الأمر لتقييم الهلال الأحمر السوري ووزارة الصحة السورية؛ لوضع خُطة مُواجهة
الأمراض؛ مُشيرة إلى أن أكبر الأزمات ليست توفير اللقاحات ولكن الأمر يتطلب تأمين الخدمات الأساسية لمياه الشرب والصرف الصحي؛ وخلق بيئة آمنة للناس.
العقوبات المفروضة على سوريا قللت سرعة وصول المُساعدات
عن المُعوقات التي واجهت عمل جمعيات الهلال والصليب الأحمر في خضم سير العقوبات على سوريا؛ أوضحت «الصايغ» أن العقوبات المفروضة على سوريا ألقت بظلالها على العمل الإنساني؛ ولكن العمل الإنساني كان مُستثنى من هذه العقوبات؛ إلا أنها كانت تُؤخر سرعة وتيرة وصول المُساعدات خاصة وأن بنود عدد من العقوبات كانت غير واضحة؛ فكان لعدد من الدول تخوفات بشأن المشاركة في إرسال المُساعدات بأنواعها المختلفة؛ وهو ما أثر سلبًا بطريقة غير مباشرة على سُرعة سير العمليات الإنسانية؛ في ظل قلة توافر المُعدات اللازمة؛ مما أدى لارتفاع أعداد الخسائر في الأرواح.