تولى الشيخ عبد الحليم محمود مشيخة الأزهر الشريف لمدة ٥ سنوات من ٢٧ مارس ١٩٧٣م إلى أكتوبر ١٩٧٨م، ليكون بذلك الشيخ السادس والأربعين للجامع الأزهر على عقيدة أهل السُّنة والجماعة.
ولد بعزبة أبو أحمد قرية السلام مركز بلبيس بمحافظة الشرقية ١٢ مايو ١٩١٠م وتوفي يوم الثلاثاء ١٧ أكتوبر ١٩٧٨م بعد عودته من رحلة الحج عقب إجرائه عملية جراحية وصلى عليه بالجامع الأزهر.
نشأته وتعليمه
نشأ فى قريته عزبة أبو أحمد، وكان أبوه ممن تعلم بالأزهر لكنه لم يكمل دراسته فيه، وحفظ عبد الحليم محمود القرآن والتحق بالأزهر، عام ١٩٢٣م، وظل به عامين ينتقل بين حلقاته، حتى تم افتتاح معهد الزقازيق عام ١٩٢٥م، فألحقه والده به، لقربه من قريته، ثم التحق بعدها بمعهد المعلمين المسائى، فجمع بين الدراستين، ونجح فى المعهدين، ثم عُيِّن مُدَرِّسًا، ولكنه تقدم لامتحان إتمام الشهادة الثانوية الأزهرية فحصل عليها فى عام ١٩٢٨م فى سنة واحدة؛ ويقول عن ذلك "فلما نقلت إلى السنة الأولى من القسم الثانوى، رأيت أن الوقت فيها بالنسبة لى ضائع أو شبه ضائع؛ لأن ما لدى من علوم ومعرفة تتخطى حدود المقرارات فى هذه السنة وما يليها، وكانت نُظُم الأزهر تبيح للطالب بالسنة الأولى الثانوية، أن يتقدم مباشرة لامتحان الشهادة الثانوية الأزهرية من الخارج ونجحت وأرضى ذلك آمال والدى وشعوره نحوى، والحمد لله".
ودرس خلال تلك الفترة علوم الأزهر المقررة حينئذ مثل: التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعانى والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، وفى عام ١٩٣٢م حصل على العالمية ثم سافر إلى فرنسا على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالى ودْرس هناك تاريخَ الأديان والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس وفى عام ١٩٣٨م التحق بالبعثة الأزهرية فى فرنسا، وأستطاع النجاح فى المواد المؤهلة لدراسة الدكتوراه، ليحصل على درجة الدكتوراه فى الفلسفة الإسلامية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وقررت الجامعة طبعها بالفرنسية فى يونيه سنة ١٩٤٠م.
وبعد عودته عمل مدرسًا لعلم النفس بكلية اللغة العربية بكليات جامعة الأزهر ثم نقل أستاذًا للفلسفة بكلية «أصول الدين» عام ١٩٥١م، وأصبح عميدًا لكلية أصول الدين عام ١٣٨٤هـ ١٩٦٤م وكان يلقى محاضراته فى كلية أصول الدين، ومعهد الدراسات العربية والإسلامية، ومعهد تدريب الأئمة، ثم شغل عضوية مجمع البحوث الإسلامية ثم أمين عام له فقام بدراسة أوضاعه وقام بإعادة هيكلة جهازه الإداري وأنشأ مكتبته وأقنع المسئولين فى الدولة بتخصيص قطعة أرض بحى «مدينة نصر» للمَجمع؛ لتضم جميع أجهزته العلمية والإدارية، وتأسيس قاعات للاجتماعات؛، وعلى الرغم من تعيينه وكيلًا للأزهر الشريف عام ١٣٩٠ هـ الموافق ١٩٧٠م لم يهمل الاهتمام بمجمع البحوث ثم تم تعيينه وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر، وأثناء توليه وزارة الأوقاف قام بالعديد من الإصلاحات الهامة منها:
■ العناية بالمساجد وصيانتها وأنشأ عددا منها.
■ ضم عدد كبير من المساجد الأهلية إلى وزارة الأوقاف.
■ تجديد المساجد التاريخية الكبرى مثل جامع عمرو بن العاص.
■ أنشأ فى مساجد وزارة الأوقاف فصولًا للتقوية لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية جذبت آلاف من الطلاب إلى المساجد
■ عمل على استرداد أوقاف الوزارة التي كان يديرها الإصلاح الزراعى وأنشأ هيئة لإدارة هذه الأوقاف.
الإمام والتصوف
يعد الإمام عبد الحليم محمود ممن تناول قضية التصوف بالشرح والتحليل وفق منهج الإمام الغزالى وسفيان الثوري، وأبى الحسن الشاذلي، وأبى مدين الغوث.. وكانت بدايته مع التصوف عندما اختار موضوع رسالته للدكتوراه قائلًا "بعد تردد بين هذا الموضوع أو ذاك، هدانى الله - وله الحمد والمنة - إلى موضوع التصوف الإسلامي، فأعددت رسالةً عن (الحارث بن أسد المحاسبي) فوجدت فى جوِّ الحارث بن أسد المحاسبى الهدوءَ النفسى، والطمأنينة الروحية، وهدوء اليقين، وطمأنينة الثقة، لقد ألقى بنفسه فى معترك المشاكل، التى يثيرها المبتدعون والمنحرفون، وأخذ يصارع مناقشًا مجادلًا، وهاديًا مرشدًا؛ وانتهيت من دراسة الدكتوراه، وأنا أشعر شعورًا واضحًا بمنهج المسلم فى الحياة، وهو منهج الاتباع، لقد كفانا الله ورسوله كل ما أهمنا من أمر الدين، وبعد أن قرَّ هذا المنهج فى شعوري، واستيقنته نفسي، أخذتُ أدعو إليه كاتبًا ومحاضرًا، ومدرسًا، ثم أخرجت فيه كتاب «التوحيد الخالص» وما فرحت بظهور كتاب من كتبي، مثل فرحى يوم ظهر هذا الكتاب، لأنه خلاصة تجربتى فى الحياة الفكرية".
ويقول عن التصوف: "إنه نظام الصفوة المختارة، إنه نظام هؤلاء الذين وهبهم الله حسًّا مرهفًا، وذكاءً حادًّا، وفطرة روحانية، وصفاء يكاد يقرب من صفاء الملائكة، وطبيعة تكاد تكون مخلوقة من نور".
ويعرف الصوفي بقوله "الصوفى هو الذي التزم بتعاليم الإسلام سيرةً وسلوكًا، وقولًا وعملًا، وهو الذى يستحضر ذكر ربه فى كل وقت؛ فإذا وصل المؤمن إلى إسلام حقيقى يجعله مستحضرًا ربه فى كل وقت فلن يهتم بمعصيته، ولن يأمر بمنكر، ولن ينهى عن معروف"
وقال أيضًا: "الصوفى لا يكون صوفيًّا بالقراءة أو الدراسة والبحث، حتى ولو كانت هذه القراءة والدراسة فى الكتب الصوفيَّة نفسها، وفى المجال الصوفى خاصَّة، وقد يكون شخصًا من أعلم الناس بهذه الكتب، درسها دراسة باحث متأمل، وعرف قديمها وحديثها، وميز بين الزائف منها والصحيح، وصنفها زمنًا وميزها أمكنة، وهو مع ذلك لا سهم له، فى قليل ولا فى كثير فى المجالات الصوفية"
وقال: "التصوف ليس ثمرة لثقافة كسبيَّة؛ إن الوسيلة إليه ليست هى الثقافة، ولكن الوسيلة إليه إنما هى العمل، إن الطريق إليه إنما هو السلوك، والمعرفة الناشئة عن العمل والسلوك هى إلهام، وهى كشف، وهى ملأ أعلى انعكس على البصيرة المجلوَّة فتذوقه الشخص حالًا، وأحس به ذوقًا، وأدركه إلهامًا وكشفًا".
مؤلفاته
للشيخ عبد الحليم محمود العديد من المؤلفات بلغت أكثر من 100 مؤلف فى التصوف ويُعَدُّ من أسبق رواده فى العصر الحديث فى الكتابات عن الصوفية، فقد تبدى مثالًا للصوفية المُقَيَّدةِ بكتاب الله، البعيدة عن الإفراط والتفريط، حتى لُقِّبَ بـ«غزالى مصر»، نسبةً إلى أبى حامد الغزالى و«أبى المتصوفين»، فكانت كتاباته الصوفية لها الحظ الأوفر من مؤلفاته، بالإضافة إلى الكتب الفلسفية، وبعض الكتب باللغة الفرنسية، ومنها:
اهتم فى أثناء توليه وزارة الأوقاف بتجديد المساجد التاريخية وأنشأ فصول تقوية لطلاب الإعدادية والثانوية داخل المساجد
بدأ عمله بجامعة الأزهر مدرسًا لعلم النفس بكلية اللغة العربية ثم أستاذًا للفلسفة بكلية أصول الدين
■ محمد رسول الله
■ قصة ترجمها عن الفرنسية، من تأليف أندريه موروا، عام ١٣٦٥هـ - ١٩٤٦م، وكان أول ما نُشر له.
■ الفلسفة اليونانية أصولها وتطورها لألبير ريفو، وهو مترجم من الفرنسية
■ الأخلاق فى الفلسفة الحديثة لأندريه كريسون، وهو مترجم من الفرنسية
■ أسرار العبادات فى الإسلام.. وهو من أهم المراجع التى تتناول علم الفلسفة من منظور إسلامي؛ حيث يؤرخ فيه للفكر الفلسفى فى الإسلام، ويستعرض التيارات المذهبية المتعددة فيه؛ ليبين أصالة الفلسفة الإسلامية، وسَبْقَها الفلسفة الغربية فى كثير من طرق التفكير.
■ الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام وتعرَّض فيه للغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام
■ السنة فى مكانتها وتاريخها.. وهو يتناول السنة النبوية عن الرسول صلى الله عليه وسلم
■ دلائل النبوة ومعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم.
■ الحمد لله هذه حياتى.. وهو الكتاب الذى استعرض فيه الإمام سيرته الذاتية فى كتابه جاء خلاصة لأفكاره ومنهجه فى الإصلاح أكثرَ منه استعراضًا لمسيرة حياته
■ منهج الإصلاح الإسلامى فى المجتمع.. وهو الذي عبر عن منهجه التفصيلى فى الإصلاح
■ تحقيق كتاب "لطائف المنن" لابن عطاء الله السكندري
■ تحقيق كتاب "المنقذ من الضلال" لحجة الإسلام الإمام الغزالى
■ أوروبا والإسلام
■ التوحيد الخالص
■ الإسلام والعقل
■ القرآن والنبي
■ المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي.
■ موقف الإسلام من العلم
■ الفضيل بن عياض
■ ذو النون المصرى
■ سيدى أحمد الدردير أبو البركات
■ الرعاية لحقوق الله
■ الأنبياء والرسل
■ الليث بن سعد
■ الإسراء والمعراج
■ القرآن فى شهر القرآن
■ زين العابدين
■ سعيد بن المسيب
■ عبدالسلام بن بشيش
■ وربك الغفور ذو الرحمة
■ تفسير سورة آل عمران
■ العبادة أحكام وأسرار
■ شمس الدين الحنفى
■ القرآن والنبى
■ فتاوى الإمام عبد الحليم محمود الجزء الأول والثانى
■ أستاذ السائرين الحارث المحاسبى
■ سهل بن عبدالله
■ سفيان الثوري
■ بشر بن الحارث الحافى
■ عبدالله بن المبارك
■ لطائف المنن
الصوفى هو الذي التزم بتعاليم الإسلام سيرةً وسلوكًا، وقولًا وعملًا، وهو الذي يستحضر ذكر ربه فى كل وقت؛ فإذا وصل المؤمن إلى إسلام حقيقى يجعله مستحضرًا ربه فى كل وقت فلن يهتم بمعصيته، ولن يأمر بمنكر، ولن ينهى عن معروف.