على مدار 12 عامًا متواصلة؛ عاشت سوريا أحداثًا جسامًا؛ فبين سنوات النزاع ومُرورًا بجائحة كورونا؛ جاء زلزال ليُزيد مُعاناة وأوجاع السوريين فوق أوجاعهم المُستمرة منذ سنوات؛ مُخلفًا آلاف الضحايا والمُصابين والمتضررين؛ في ظل تشريد آلاف العائلات وتدمير البنية التحتية وتزايد الحاجة المُلحة للمساعدات الإنسانية وسط مخاوف من تدهور الأوضاع الصحية والإنسانية للملايين. وبعد مرور نحو 40 يومًا على «زلزال القهر» كان لـ «البوابة» مُقابلة عبر «الفيديو كول» مع الطبيب مهيب قدور مدير مستشفى عقربات بـ ادلب للوقوف على الأوضاع التي تشهدها المناطق المُتضررة من الزلزال الكبير وتحديدًا في الشمال السوري؛ أكثر الأماكن تضررًا من الزلزال.
40 يومًا على زلزال سوريا.. لقاء البوابة بـ الدكتور مهيب قدور مدير مستشفى عقربات في إدلب السورية
وقال الدكتور مهيب قدور مدير مستشفى عقربات في إدلب السورية؛ أن الوضع في شمال غرب سوريا شديد القسوة، إذ غابت الصدمة الألمية وظهرت الصدمة النفسية؛ لتلحق بعدد كبير من المرضى والناجون من الزلزال مُسببة اضطرابات نفسية شديدة؛ خاصة للعائلات التي فقدت ذويهم وأحبائهم.
اقرأ أيضًا:
«عندما يكون للثواني ثمن».. مُسعفون ومُنقذون يروون لـ«البوابة نيوز» أهوال «زلزال القهر» في سوريا.. شاهد
وأكد، نعيش أيام صعاب للغاية فالزلزال ترك آثار مُدمرة ووفيات وجروح وبتور؛ ولكن بعد أيام ظهرت الجروح النفسية التي لا تُشفى نهائيًا؛ فنحو ٤ ملايين سوري محشورين في الشمال الغربي السوري يعيشون مُهلكات حرب ضروس منذ ١٢ سنة؛ بعضهم غير مكان إقامته لأكثر من ١٠ مرات؛ ولكن حتى المسكن الذي يؤويهم انهدم فوق رءوسهم.
وأوضح الطبيب الذي رفض الهجرة مثل زملائه؛ الزلزال جلب أمراضًا جديدة؛ لعل أبرزها مُتلازمة الهرس والكوليرا والأمراض التنفسية والإسهالات المعوية القاسية؛ فرغم أن الكوليرا كانت مُتفشية قبل الزلزال ولكن عادت بقوة بعده؛ إذ وجدت بيئة خصبة للتفشي بسبب النزوح والخيام وسوء مياه الشرب والصرف الصحي؛ كما أن القُدرة الاستيعابية للمؤسسات الصحية مُتضائلة جدًا ؛ فعقب الزلزال كانت الأولوية للمُصابين والجرحى، وما كان هناك قُدرة على استقبال وعلاج مرضى الإسهالات والالتهابات الرئوية ومُصابي الجلطات؛ فكانت الأولوية لمصابي الزلزال على حساب المرضى الآخرين.
الآلاف نجوا من تحت الأنقاض وفقدوا حياتهم بسبب متلازمة الهرس
وعن تزايد أعداد مُصابي الـ «كراش سندروم» أو ما يُعرف بـ «مُتلازمة الهرس»؛ أوضح «قدور» أن متلازمة الهرس لا تصيب الأطراف فقط كما هو متداول مؤخرًا فهناك «هرس الصدر وهرس البطن»؛ وذلك نتيجة تعرض الأنسجة الحية في جسم الإنسان لضغط من قبل وزن ثقيل؛ فيتسبب في تلف الأنسجة؛ خاصة وأن هذا الضغط يجعل الأنسجة مثل «العجين» فتختلط بالشحم والعضلات والعظام والشرايين؛ وهو ما يؤثر على التروية الدموية والعصبية بجسم الإنسان سواءً كانت العلوية أو السفلية؛ فبعد إزالة مؤثر الضغط بعد عدد ساعات طويلة وصلت في بعض الأوقات لأكثر من ٨٠ ساعة تحت الأنقاض ولاتعود الأنسجة كما كانت ولا يعود الدم كما كان سابقًا؛ خاصة بعد دخوله مرحلة الأذية الخلوية وتراخي العضلات؛ وهو ما تعرض له آلاف الأطفال والرجال والسيدات الناجون من تحت الأنقاض فبٌترت أطرافهم بينما فقد الكثير منهم حياته بسبب متلازمة الهرس.
وتابع الطبيب إذا كان الهرس في الأطراف فمن المُمكن اللجوء للبتر وإنقاذ حياته! أما إذا كان الهرس في الصدر أو البطن وحتى لو تم إنقاذ المُصاب؛ ولكن بسبب تراخي العضلات تُحرر كمية كبير من «ألياف الهيموجلوبين» وهو (بروتين غني بالحديد موجود في خلايا الدم الحمراء) يتسبب في «الرينال فيلر» الفشل الكلوي؛ ومن المؤكد فشل الغسيل الكلوي وفي النهاية بيتوفى المريض.
4 ملايين سورى بين مطرقة الكوارث الطبيعية والأزمات الصحية وسندان الحرب
وحول انهيار القطاع الصحي والطبي في الشمال الغربي السوري، أوضح مُدير مستشفى عقربات في إدلب، أنه رُبما جاء الزلزال ليُسلط الضوء مرة أخرى على ٤ مليون سوري محشورين في الشمال السوري بين مطرقة الكوارث الطبيعية والأزمات الصحية وسندان الحرب؛ فالأصل في تكوين الدولة السورية؛ كان هُناك مركزية الخدمات بـ«دمشق وحلب»؛ وبعد الربيع العربي حولنا العديد من المُنشآت الخاصة والعامة لمشافي ميدانية؛ ولكن لايوجد لدينا منشآت طبية حقيقية في الشمال السوري بأكمله؛ حتى أن الحرب دمرت ٨٥ مشفى وأصبحنا مُتهالكين بشدة خاصة مع انشغال العالم بأزمات كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والكساد الاقتصادي. موضحًا أنه بالرغم من تصدع جُدران القطاع الصحي سابقًا؛ ولكن جاء الزلزال ليُحطم القطاع الطبي بشكل كامل؛ فمستودات الأدوية كانت فارغة وكوادرنا الطبية مُخفضة لأقل من الثلث لعدم وجود التكلفة التشغيلية وأجهزتنا مُتهالكة للغاية، فيُمكننا القول: «بأن ٤ مليون مواطن يوجد يوجد لعلاجهم ٦٠٠ طبيب فقط».
اقرأ أيضًا
دموع على أطلال الزلزال| المُتحدث باسم اليونيسف: نزوح 500 ألف شخص.. وتضرر 1800 مدرسة في سوريا .. شاهد
لا نعرف شيئا عن جراحات الأوعية الدموية
وعن وصول المُساعدات الطبية والإنسانية للشمال السوري؛ قال: ما يصلنا ضئيل جدًا؛ «فحين تُقذف كُرة الثلج من مكان بعيد لايصل منها إلا القليل»؛ بالأمس القريب كان المدير العام لمُنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبرييسوس في زيارة لسوريا، وكان طلبنا الوحيد هو أن تفتح وكالات الأمم المتحدة مكاتبٍ لها في شمال غرب سوريا أوبالقرب منها؛ لضمانة سلامة وصول الوفود الطبية، فنحن بحاجة حقيقية ومُلحة لأطقم طبية وتقنية تُدربنا على إجراء العمليات الجراحية: «هناك الكثيرون من الأطفال بُترت أطرافهم بسبب انعدام تخصص جراحات الأوعية الدموية، حتى وإن كانت هناك الأدوات فلانعرف كيفية إجراء عمليات جراحة الأوعية الدموية».