بعد بناء الأزهر الشريف فى عهد الدولة الفاطمية سنة ٩٧٢م، كان يطلق على من يتولى مسئولية الأزهر الشريف لقب "ناظر الأزهر" ويختاره الخليفة الفاطمي، ثم أصدر السلطان العثمانى سليمان القانونى فرمانا بضرورة تنصيب شيخ للأزهر يختاره العلماء وكان لقبه "شيخ الإسلام" وظل منصب شيخ الأزهر بالانتخاب من جانب كبار المشايخ فيما بينهم ودون تدخل الدولة، فإذا أجمعوا أمرهم على اختيار أحد العلماء أخطروا ديوان أفندى سكرتير عام ديوان القاهرة ليقوم بإبلاغ الباشا العثمانى "الوالي" باسم الشيخ الجديد، كما يخطرون شيخ البلد وهو كبير الأمراء المماليك فيقام حفل كبير بهذه المناسبة ويتولى الوالى أو شيخ البلد إلباس شيخ الأزهر الرداء الرسمى الذى يسمى "فروسمور"وكان هذا الإجراء من قبل السلطات الحاكمة إقرارا منها بتعيين من اختاره العلماء شيخا للجامع الأزهر.
وباختياره يصبح هو الرئيس الأعلى للجامع وله الإشراف المباشر على العلماء والطلبة وله مخصصاته النقدية والعينية، كما يصبح بحكم منصبه عضوا فى الديوان الكبير بالقاهرة الذى كان يعقد برئاسة الباشا العثمانى أو نائبه.
ثم تحول اللقب إلى شيخ الأزهر حتى تولى الشيخ شلتوت مشيخة الأزهر فى ٢١ أكتوبر ١٩٥٨، وهو أول من حمل لقب "الإمام الأكبر"، وفى عهد الرئيس جمال عبد الناصر صدر القانون رقم ١٠٣ لسنة ١٩٦١، بشأن اعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها، الشيخ الأول للجامع الأزهر. شمل القانون أول تشكيل للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقرار الصادر فى ٣١ يناير١٩٦٢.
الخراشى الشيخ الأول
ظهر منصب "شيخ الأزهر" بعد مرور ٧٤١ عاما على إنشاء الجامع الأزهر وتحديدًا عام ١١٠١هـ عندما تولى المنصب للمرة الأولى الشيخ محمد الخراشى.
مدة ولايته ١١عامًا، وتولى المشيخة من ١٦٧٩م إلى ١٦٩٠م وكان على المذهب المالكى. وتوفى فى السابع عشر من ذى الحجة عام ١١٠١هـ ١٦٩٠م، وسمى بالخراشى نسبة إلى قريته التى ولد بها، قرية أبو خراش، التابعة لمركز شبراخيت، بمحافظة البحيرة وهو أول شيوخ الجامع الأزهر على المذهب المالكى وعلى عقيدة أهل السنة وكان يطلق على شيخ الازهر لقب "شيخ الاسلام"
نشأته وتعليمه
لم ينل الشيخ الخراشى شهرته الواسعة هذه إلا بعد أن تقدمت به السِّن، ولذلك لم يذكر أحد من المؤرخين شيئًا عن نشأته ولكنه تلقى تعليمه على يد عدد من العلماء والأعلام، مثل والده الشيخ جمال الدين عبد الله بن على الخراشى الذى غرس فيه حبًّا للعلم وتطلعًا للمعرفة، كما تلقى العلم على يد الشيخ العلامة إبراهيم اللقانى، وكلاهما تلقى معارفه وروى عن الشيخ سالم السنهورى عن النجم الغيطى عن شيخ الإسلام زكريا الأنصارى عن الحافظ ابن حجر العسقلانى بسنده عن البخارى.
وقد درس الشيخ محمد بن عبد الله الخراشى علوم الأزهر المقررة حينئذ مثل: التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعانى والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، وأيضًا درس علوم المنطق، والوضع والميقات، على أيدى شيوخ عظماء بعلمهم وخلقهم.
وقد ظل الشيخ عشرات السنين يعلم ويتعلم، ويفيد ويستفيد من العلم والعلماء، وظل يروى طيلة حياته ويُروى عنه، وبات يضيف ويشرح ويعلق على كل ما يقع بين يديه وتقع عيناه، فأفاد بلسانه وقلمه جمهرة كبيرة من العلماء الذين كانوا يعتزون به وبالانتماء إليه، والنهل من علمه الغزير، ومعرفته الواسعة.
وكان لا يصلى الفجر صيفًا ولا شتاء إلا بالجامع الأزهر، ويقضى بعض مصالحه من السوق بيده، وكذلك مصلحة بيته فى منزله، وكان له فى منزله خلوة يتعبد فيها، وكانت الهدايا والنذور تأتيه من أقصى بلاد المغرب، وغيرها من سائر البلاد، فلا يمس منها شيئًا، بل كان يعطيها لمعارفه.
وقال عنه الشيخ على الصعيدى العدوى المالكى فى حاشيته التى جعلها على شرحه الصغير لمتن خليل: هو العلامة الإمام والقدوة الهمام، شيخ المالكية شرقًا وغربًا، قدوة السالكين عجمًا وعربًا، مربى المريدين، كهف السالكين، سيدى أبو عبد الله بن على الخراشي.
انتهت إليه الرياسة فى مصر حتى إنه لم يبق بها فى آخر عمره إلا طلبته، وكان متواضعًا عفيفًا، واسع الخلق، كثير الأدب والحياء، كريم النفس، جميل المعاشرة، حلو الكلام، كثير الشفاعات عند الأمراء وغيرهم، مهيب المنظر، دائم الطهارة، كثير الصمت، كثير الصيام والقيام، زاهدًا، ورعًا، متقشفًا فى مأكله وملبسه ومفرشه وأمور حياته.
ويقول عنه من عاشره: ما ضبطنا عليه ساعة هو فيها غافل عن مصالح دينه أو دنياه، وكان إذا دخل منزله يتعمم بشملة صوف بيضاء، وكان لا يَملُّ فى درسه من سؤال سائل، لازم القراءة لا سيما بعد شيخه البرهان اللقاني، وأبى الضياء على الأجهوري.
مشايخه
تلقى العلم على أيدى الشيخ الأجهوري، والشيخ يوسف الغليشي، والشيخ عبد المعطى البصير، والشيخ ياسين الشامي.
توليه المشيخة
قال عنه الجبرتي: هو الإمام العلامة والحبر الفهامة، شيخ الإسلام والمسلمين ووارث علوم سيد المرسلين، وقد ذاعت شهرته أيضًا فى البلاد الإسلامية حتى بلغت بلاد المغرب وأواسط أفريقيا حتى نيجيريا، وبلاد الشام والجزيرة العربية واليمن، وقد مكَّن الشيخ من بلوغ هذه الشهرة انتشار طلابه وكثرتهم فى أقطار عديدة، واشتهاره بالعلم والتقوى.
وقال عنه المرادى فى سلك الدرر: الإمام الفقيه ذو العلوم الوهبية والأخلاق المرضية، المتفق على فضله، وولايته، وحسن سيرته واشتهر فى بلاد المغرب، والشام، والحجاز، والروم، واليمن. وكان دائما ما يقف بجانب الناس ويقوم بإيصال مطالبهم الى الوالى العثمانى ومن هنا ظهرت كلمة "يا خراشي" كجملة الاستغاثة المصرية التى يستخدمها العامة كثيرًا وترجع اليه وتدل هذه الكلمة على النداء للشيخ الخراشى لكى ينصرهم على الظلم الواقع عليهم من أى شيء يواجهونه فعندما تحدث لهم مصيبة أو ظلمهم حاكم البلاد يقولون:يا خراشى وذلك يدل على قوة الجامع الأزهر وقتها ودخوله فى شتى الموضوعات الحياتية للناس.