تولى الدكتور محمد سيد طنطاوي، مشيخة الجامع الأزهر من عام ١٩٩٦ إلى ٢٠١٠، ويعد عن جدارة صوت الإيمان والتسامح والحوار، شيخ المجددين في بداية الألفية الثالثة، والذي سار على درب شيوخ وعلماء الأزهر المجددين من أمثال الشيخ شلتوت والشيخ مخلوف حسنين ومصطفى عبد الرازق ومحمد عبده، برؤيته الثاقبة للتجديد ومراعاة المستجدات وقراءة التراث قراءة عصرية تمثلت في رؤيته لأعمال وفوائد البنوك التي تبناها بعد ذلك مجمع البحوث، ورأيه في قضية النقاب وأنه ليس مفروضا، وإباحته زراعة الأعضاء وتبرعه بأعضائه
كما عمل على تجديد المناهج فى الأزهر وأثراها بمؤلفاته التي ملأت المكتبة الأزهرية في لغة عصرية سهلة بعيدة عن الحشو والتعقيد وكثير من القضايا الجدلية التي لا تقوى إفهام التلاميذ على استيعاب عباراتها التي وردت ببعض كتب التراث.
كما نقح كتب المعاهد الأزهرية من جميع القضايا التي تدعو للتشدد والتعصب أو الاحتقان الطائفي في رؤية وبصيرة نادرة سابقة لعصره وزمنه وللأحداث التي نعيشها الآن. مما يجعلنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه الكتب التي يسرت كتب التراث وقررتها لطلاب المعاهد الأزهرية في الفقه والتفسير والعقيدة إضافة إلى ما كان يمتلكه ويتميز به من قدرات دعوية خطيبا ومحاضرا مما يجعل من محاضراته في ندوة للرأي والمراجعات الفكرية ما يستحق التأمل والدراسة.
ولد الشيخ طنطاوي بقرية سليم الشرقية في محافظة سوهاج ٢٨ أكتوبر ١٩٢٨، تعلم وحفظ القرآن في الإسكندرية، توفي في الرياض بالمملكة العربية السعودية صباح يوم الأربعاء ١٠ مارس ٢٠١٠.
حوار الأديان
حول اتهام العرب والمسلمين بالإرهاب أكد الدكتور طنطاوي: أن هذه التهم غير صحيحة لأن شريعة الإسلام تصون دماء الناس، وتصون أموالهم وأعراضهم وحريتهم وكرامتهم وقد كرم الله الإنسان فقال (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات)، وبين لنا القرآن الكريم أن من قتل نفساً واحدة بدون حق، فكأنه قتل الناس جميعا ومن تسبب في احيائها فكأنه أحيا الناس جميعا فشريعة الإسلام بريئة من هذا الاتهام الباطل، لأنها شريعة الحق والعدل والسماحة، وتعتبر الناس جميعاً من أب واحد ومن أم واحدة. وأضاف: وإذا كان في المسلمين من يسيء إلى دينه فليس معنى ذلك أن جميع المسلمين يفعلون هذا، وكل دولة فيها الخير وفيها الشر. أمريكا فيها الخير وفيها الشر، فيها العقلاء وفيها غير العقلاء، وأوروبا كذلك، وآسيا وأفريقيا كذلك، فإذا ارتكب الإنسان جريمة أو أخطأ فليس معنى ذلك أن ننسب هذا الخطأ إلى الناس جميعاً. وشدد على أن كل اتهام للإسلام بأنه دين يدعو إلى القتل هذا اتهام باطل وليس له أساس من الصحة والواقع التاريخي ونصوص القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية تؤيد هذا.
وحول الحوار بين الحضارات والذي نشرته جريدة الشرق الأوسط في نوفمبر ٢٠٠١، يضع الشيخ طنطاوي معايير للحوار الهادف بين الحضارات مهاجماً ما يصفهم بالسفهاء الذين يسوقون نظرية تصادم الحضارات فيقول: مسألة الحوار نحن نؤيدها في جميع الناس لأن الذي يقرأ القرآن يجد أنه قد ساق ألوانا من المحاورات التي دارت بين أهل الجنة وأهل النار، بين الرسل وبين أقوامهم، بين العقلاء والسفهاء بين المنافقين والمؤمنين، نجد ألوانا عديدة من الحوارات بل نجد أن الله عز وجل قد فتح بابه للحوار حتى مع إبليس ونجد ذلك في سورة الأعراف وسورة ص وغيرها من السور القرآنية وكلها تعلمنا أن الحوار مطلوب مع الأعداء ومع الأصدقاء، لكي تقيم الدليل على أن شريعة الإسلام هي الشريعة التي اختارها الله سبحانه للناس وأن دين الإسلام هو الدين الذي جاء من جميع الأنبياء ونجد هذا على لسان سيدنا إبراهيم «إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين» ووصى بها إبراهيم ـ أي بكلمة التوحيد.
ويضيف الدكتور طنطاوي أن من يرى أن الحضارات تتصادم فهو مخطئ. فالحضارات تتصادم عند السفهاء أما عند العقلاء فالحضارات تتعاون. كل دولة لها حضاراتها، ولا مانع من الأخذ من الحضارات الاخرى طالما فيها التقدم الصناعي والصحي والاجتماعي، وثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يرسل بعض أصحابه إلى بلاد الأعداء لكي يتعرفوا على أنواع الأسلحة التي لديهم ليصنعوا ما هو أفضل منها أو ليأخذوا هذه الاسلحة للاستفادة منها عندما يحدث نزاع بينهم وبين أعدائهم.
الشيخ والبابا
بدأت العلاقة بين الدكتور محمد سيد طنطاوي والبابا شنودة منذ عام ١٩٨٦، بالإخوة الإنسانية الصادقة وبالتشاور فيما بينهما في كل ما يتعلق بمصلحة مصر.
ومن أكثر المواقف التي تدل على هذه الصداقة وأنه ليس هناك فرق بين مسلم ومسيحي عندما قام قداسة البابا شنودة بعد عودته من رحلة علاج في أمريكا بزيارة شيخ الأزهر للمشيخة، وتقديم التهنئة بقدوم العيد والصعود إلى الدور الثاني وقد رفض طنطاوي بشدة نظرا لظروف مرضه، ولكن البابا أصر علي الصعود لتقديم التهنئة وكان معه وفد من الكنيسة للغرض نفسه.
وأكد البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية في عديد من المحافل: “كنا دائماً نتناقش ونتفاهم ثم نخرج برأي واحد مثلما حدث في قانون نقل الأعضاء البشرية ومسألة الإجهاض ولم نكن نختلف مطلقاً وكنا باستمرار رأياً واحداً وفكراً واحداً وتصرفاً واحداً”.
طنطاوي وقضية المرأة
"الإسلام يساوي بين الرجل والمرأة في ستة أمور هي: أصل الخلقة، والتكاليف الشرعية، واعتناق الفضائل واجتناب الرذائل، وطلب العلم، والعمل الشريف، وأخيرا الكرامة الإنسانية»، بتلك الكلمات كان شيخ الأزهر سيد طنطاوي يدافع عن حقوق المرأة في المحافل والندوات.
ويعد الإمام الراحل نصير المرأة في المجتمع المصري، فهو أول من أجاز للمرأة شرعا تولى رئاسة الدولة، وأكد أن المرأة لها حق الترشح والانتخاب وولاية القضاء، وأنه لا يتفق مع من ينكر على المسلمات حقوقهن السياسية.
وقال إن من حق المسلمة البالغة العاقلة في الشريعة أن تباشر الانتخاب وأن تنتخب من تشاء، بل إن لها أن ترشح نفسها للمقاعد النيابية العليا، وأكد حق المرأة في تولى القضاء، قائلا: "لم أجد نصا يمنع المرأة من ولاية القضاء"
وكان الإمام الراحل المدافع الأول عن قضية تجريم الختان في مصر، وكان دائمًا ما يؤكد أن ختان الإناث لم يأت ذكره في القرآن أو السنة النبوية، وأن الختان في الإسلام للرجال فقط، وقال: "من وجهة النظر الدينية لم أجد شيئًا يقول إن الختان واجب للنساء"
وأيد شيخ الأزهر قانون محكمة الأسرة الجديد قائلا: «إن القانون بجميع مواده جاء مطابقا للشريعة الإسلامية، وإنشاء محكمة جديدة للأسرة وإصدار قانون خاص بها يعد خطوة جيدة، والمحكمة ستكون قادرة على سرعة الفصل في الحكم التشريعي، والوصول إلى العدل في أقرب وقت ممكن".
وعندما سُئل عن الاستعانة بالمرأة في لجنة الفتوى، قال: «لو طلبت لجنة الفتوى بالأزهر الاستعانة بالمرأة فلا مانع من ذلك».
تكريم الإمام
وجهت الكنيسة الدعوة له عام١٩٩٥م، لزيارة أميركا ومنحته جامعة وستين متر درجة الدكتوراه الفخرية في صنع السلام، كما التقى بنائب الرئيس الأميركي آل جور وأعضاء الكونجرس الأميركي وقتها والقيادات الدينية، ثم تلقى دعوة للمرة الثانية من الكنيسة في (رمضان ١٤٢٢هـ/نوفمبر٢٠٠١م) بهدف توضيح وجهة النظر الإسلامية والعربية في أحداث سبتمبر وتوضيح رأي الإسلام في الإرهاب ومقاومته المشروعة وموقف الإسلام من الإرهاب والتطرف.
حرص الملك محمد السادس ملك المغرب على استدعاء شيخ الأزهر والاستماع إليه في الدروس الحسينية أثناء شهر رمضان من كل عام وتميزت جلساته بأنها زاخرة بالعلم النافع والنابع من القرآن والسنة، اختير رئيساً شرفياً للمؤتمر التاسع عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية المنعقد في الفترة من ٢٧- ٣٠ مارس ٢٠٠٧م عن مشكلات العالم الإسلامي وعلاجها في ظل العولمة والذي حضره ثمان وثمانون دولة ومنظمة إسلامية يمثلون مختلف قارات العالم .
وفاته
توفي صباح يوم الأربعاء ١٠ مارس ٢٠١٠ في الرياض عن عمر يناهز ٨١ عاما إثر نوبة قلبية تعرض لها في مطار الملك خالد الدولي عند عودته من مؤتمر دولي عقده الملك عبد الله بن عبد العزيز لمنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام للفائزين بها عام ٢٠١٠، وقد صليَّ عليه صلاة العشاء في المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة ووري الثرى في مقبرة البقيع. وقد نعته الفعاليات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي خاصةً مصر، حيث أصدرت فيها جماعة الإخوان المسلمين والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونقابة الأشراف والمجلس الأعلى للطرق الصوفية بيانات عزاء للعالم الإسلامي في وفاة طنطاوي.