تولى الشيخ شلتوت مشيخة الأزهر فى ٢١ أكتوبر ١٩٥٨، وهو أول من حمل لقب "الإمام الأكبر"، إمام الإصلاح والتجديد الذى شهد الأزهر فى عصره عهداً جديداً، ونقلة نوعية فى المجالات كافة، حيث صدر القرار الجمهورى بتطوير الأزهر فى عهده، اقترن اسمه بالدعوة إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية، ونبذ التطرف والتعصب، وكان ينطلق فى الفتوى من المقاصد العامة للشرع الحنيف، مبيناً أن الشرع الحنيف نفسه يحمل قابلية التطور والتجديد.
كان الاجتهاد والتجديد سمتين مميزتين ومعلمين بارزين فى شخصية الإمام طيب الله ثراه، بالإضافة إلى كونه صاحب أسلوب متميز فى التفسير، وعرض آيات القرآن الكريم بطريقة موضوعية ساهمت فى إبراز لون جديد من ألوان التفسير، وهو التفسير الموضوعى الذى يعتمد على جمع الآيات التى تشترك فى موضوع واحد، ودراستها دراسة موضوعية، وفقا للمنهج الموضوعى فى التفسير، بقطع النظر عن الترتيب المصحفى حتى نخرج بموضوع شامل متكامل من خلال القرآن نفسه، كما عنى الشيخ شلتوت (رحمه الله) فى تفسيره بإبراز الوحدة الموضوعية، والمحور الرئيسى الذى تدور حوله آيات كل سورة، وقد حمل تفسيره للقرآن الكريم إضاءات ذات معانٍ ودلائل متصلة بعصرنا الحاضر، بالإضافة إلى توجيهات وإشارات علمية وتربوية وفلسفية واجتماعية بأسلوب واضح لا يستغلق على الأفهام. ولا نملك ونحن أمام هذه الشخصية العظيمة لشيخ من شيوخ الأزهر الشريف؛ إلا أن نتمثل قول أمير الشعراء:
وَاخشَع مَلِيًّا وَاقضِ حَقَّ أَئِمَّة... طلعوا بِهِ زُهرًا وَماجوا أَبحُرًا
كانوا أَجَلَّ مِنَ المُلوكِ جَلالَة... وَأَعَزَّ سُلطانًا وَأَفخَمَ مَظهَرا.
وقدم الدكتور سرحانه لمحات من سيرته فقال: وُلِد الشيخ محمود شلتوت بقرية منية بنى منصور بمركز إيتاى البارود بمحافظة البحيرة فى ٢٣ أبريل ١٨٩٣. نشأ فى قريته وتربَّى فيها، وحفظ القرآن الكريم وهو صغير ثم التحق بمعهد الإسكندرية الأزهرى عام ١٩٠٦. ودرس علوم الأزهر المقررة وعلى رأسها التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعانى والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، ثم التحق بالكليات الأزهرية ونال شهادة العالمية سنة ١٩١٨، وكان أول الناجحين فيها، ثم عُين مدرساً بمعهد الإسكندرية أوائل عام ١٩١٩. ولما عُين الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخاً للأزهر فى ٢٢ مايو ١٩٢٨ قام بنقله إلى القسم العالي بالأزهر، وبعد ذلك تم ترقيته لتدريس الفقه بأقسام التخصص وهو أعلى مستويات التدريس فى الأزهر، ثمّ عضواً فى جماعة كبار العلماء.
كرس الشيخ شلتوت جهوده مبكراً فى سبيل إصلاح التعليم الأزهرى إلى أن تم فصله مع ٧٠ من علماء الأزهر فى ١٧ سبتمبر ١٩٣١. وبعد فصله من الأزهر اشتغل بالمحاماة، وظل على منهجه فى نقده لسياسات الأزهر، والدعوة للإصلاح ونشر أفكاره الإصلاحية بالصحف اليومية والمجلات، وفى فبراير ١٩٣٥ أُعيد وكل المفصولين إلى أعمالهم بالأزهر، ثم عين مدرساً بكلية الشريعة، ولما عاد الشيخ المراغى للمشيخة عينه وكيلاً للكلية فى أبريل سنة ١٩٣٧. وفى سبتمبر ١٩٣٨ عين مفتشاً بالإدارة العامة بالجامع الأزهر، وكان الشيخ شلتوت قد ألقى فى سنة ١٩٤٢ محاضرته الإصلاحية فى السياسة التوجيهية التعليمية بالأزهر وكان لها تأثير كبير فى الأوساط العلمية.
المسئولية المدنية والجنائية فى الشريعة الإسلامية
من أهم البحوث التى كتبها وتقدم به فى سنة ١٩٣٧ عندما اختير عضواً فى الوفد الذى أرسله الأزهر لحضور مؤتمر لاهاى للقانون الدولى المقارن، حيث أكد فى بحثه على اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرًا من أهم مصادر التشريع العام واعتبارها حية صالحة للتطور، وقد سجل هذا البحث فى سجل المؤتمر باللغة العربية، واعتبر من المجموعة العلمية التى تدخر للرجوع إليه، وقد تقرر استخدام اللغة العربية فى دورات المؤتمر المقبلة، وهذا البحث نفسه هو الذى تقدم به فى سنة ١٩٤١ إلى هيئة كبار العلماء فنال عضويتها بإجماع الآراء، وكان أصغر الأعضاء سناً، وكان أول نشاط قام به فى الهيئة أن تقدم إليها باقتراح إنشاء مكتب علمى تكون مهمته معرفة ما يهاجم به الدين الإسلامى والرد عليه، وتنقية كتب الدين من البدع والضلالات، وبحث المعاملات التى جدّت وتجد، وقد تبنت هيئة كبار العلماء هذه المقترحات، فألفت لجنة لتحقيق هذه المقاصد برئاسة الشيخ عبد المجيد سليم، وكان الشيخ محمود شلتوت أحد أعضائها، وكانت هذه اللجنة تمهيداً لإنشاء مجمع البحوث الإسلامية فيما بعد عند صدور القانون ١٠٣ لسنة ١٩٦١ بشأن تطوير الأزهر.
وفى سنة ١٩٤٦ صدر قرار بتعيين الشيخ محمود شلتوت عضواً بمجمع اللغة العربية، كما انتدبته جامعة فؤاد الأول (القاهرة) فى سنة ١٩٥٠ لتدريس فقه القرآن والسنة لطلبة دبلوم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق، كما عين فى نفس العام ١٩٥٠ مراقباً عاماً لمراقبة البحوث والثقافة الإسلامية بالأزهر، فوضع أساسا لإصلاح المراقبة، ولعلاقة مصر الثقافية مع العالمين العربى والإسلامى وغيرهما، كما تم تعيينه مستشاراً لمنظمة المؤتمر الإسلامى فى سنة ١٩٥٧، وعضواً فى اللجنة العليا للعلاقات الثقافية الخارجية بوزارة التربية والتعليم وعضواً فى المجلس الأعلى للإذاعة، وكان أول من ألقى حديثاً دينياً فى صبيحة افتتاح إذاعة القاهرة ورئيساً للجنة العادات والتقاليد بوزارة الشؤون الاجتماعية وعضواً فى اللجنة العليا لمعونة الشتاء وعضواً فى لجنة الفتوى بالأزهر ومستشاراً لمنظمة المؤتمر الإسلامى سنة ١٩٥٧ ووكيلاً للأزهر والمعاهد الدينية فى ٩ نوفمبر ١٩٥٧ وعضواً فى مجمع البحوث الإسلامية فى ٣١ يناير ١٩٦٢، ثم شيخاً للأزهر.
صدر القرار الجمهورى بتعيينه شيخا للأزهر فى ٢١ أكتوبر ١٩٥٨. واستمر لمدة ٥ سنوات، شهد فيها الأزهر أهم مراحل التطوير والتجديد التى كان يتوق إليها الإمام نفسه، حيث كان يرى أن النهوض بالأزهر الشريف وإصلاحه ضرورة، من حيث إنه «منار الدين وحصن اللغة المكين»، كما صدر فى عهده القانون رقم ١٠٣ لسنة ١٩٦١ بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها، وكان من بينها مجمع البحوث الإسلامية، وكان بحكم وظيفته عضواً فى أول تشكيل له بالقرار الصادر فى ٣١ يناير١٩٦٢.
اهتم الشيخ محمود شلتوت بإصلاح الأزهر الشريف وتطويره من خلال:
إنشاء تخصصات جديدة لم تكن متاحة لأبناء الأزهر قبل ذلك. وإنشاء معاهد نموذجية تجمع بين التعليم الأزهري والعام. وفتح معاهد القراءات. وفتح معهد البعوث الإسلامية. وفتح معهد الإعداد والتوجيه الذى يؤهل الطلاب غير العرب للدراسة باللغة العربية، كما يدرس فيه الطلاب المتخرجون فى الأزهر والذين أجادوا اللغات ــ بعد مسابقة تعقد لهم ــ والمتخرجون منه يوفدون فى بعثات علمية أو فى بعثات إلى البلاد الإسلامية التى لا تتكلم اللغة العربية. وإدخال الكليات العملية إلى جامعة الأزهر. وزيادة البعثات الأزهرية للدول الأوروبية. وزيادة بعثات الأزهر للدعوة إلى الإسلام والوعظ والإرشاد. وتدريس اللغات الأجنبية فى الأزهر. وافتتاح معاهد الفتيات لأول مرة فى تاريخ الأزهر فصدر فى ٩ يناير ١٩٦٢ أول قرار بإنشاء معهد أزهرى للفتيات، وهو معهد فتيات المعادى.. وإقامة مدينة البعوث الإسلامية لتستقبل الطلاب الوافدين من جميع أنحاء العالم. والعمل على الحفاظ على كرامة الأزهر ومكانة مشيخته. وتنظيم جامعة الأزهر بما يحقق أهدافها ورسالتها، فى التواصل مع الدول الإسلامية. وإدخال اللغات الأجنبية؛ حتى يستطيع خريجو الجامعة القيام برسالتهم فى جميع أنحاء العالم على الوجه الأكمل. وتطوير مناهج الكليات الشرعية. وقيام الأزهر فى عهده بنشر التثقيف وغرس القيم الإسلامية الصحيحة من خلال نشاط بارز فى المراسم الثقافية التى كانت تقام فى قاعة الإمام محمد عبده بجامعة الأزهر وكان يشارك فيها كبار رجال الفكر والاجتماع فى العالم العربى والإسلامي.
للشيخ محمود شلتوت العديد من المؤلفات المهمة، منها:
فقه القرآن والسنة، ومقارنة المذاهب، والقرآن والقتال، ويسألونك «وهى مجموعة فتاوى»، ومنهج القرآن فى بناء المجتمع، ورسالة المسئولية المدنية والجنائية فى الشريعة الإسلامية، والقرآن والمرأة، وتنظيم العلاقات الدولية الإسلامية، والإسلام والوجود الدولى للمسلمين، وتنظيم الأسرة، ورسالة الأزهر، وإلى القرآن الكريم، والإسلام عقيدة وشريعة، ومن توجيهات الإسلام، والفتاوى، وتفسير القرآن الكريم «الأجزاء العشرة الأولى».
التقريب بين المذاهب:
ومن بين أهم الأعمال التى قام بها الشيخ شلتوت التقريب بين المذاهب والذى بدأه بالرد على سؤال أحدهم خلاصته: إن بعض الناس يرى أنه يجب على المسلم لکی تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة، وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية ولا الشيعة الزيدية، فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأی على إطلاقه فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية مثلاً؟.
وكان رد شيخ الأزهر محمود شلتوت الواضح: "إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه إتباع مذهب معين، بل نقول: إن لکل مسلم الحق فی أن يقلد بادئ ذی بدء أی مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً والمدونة أحكامها فی کتبها الخاصة، ولمن قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى أی مذهب کان ولا حرج عليه فی شيء من ذلك، كما أن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً کسائر مذاهب أهل السنة، فينبغی للمسلمين أن يعرفوا ذلك وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما کان دين الله وما کانت شريعته باتباع مذهب أو مقصورة على مذهب، فالکل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه فی فقههم ولا فرق فی ذلك بين العبادات والمعاملات".
ومثلما كانت هذه الفتوى فاتحة لنار كادت تحرق شلتوت من بعض العلماء الرافضين لهذا المبدأ، كانت أيضا موضع ترحيب ودعم من علماء آخرين، فكانت فتوى كالحجر الذى ألقى فى ماء آسن فحركه وأخرج ما فيه من خير للأمة.
وأصبح الشيخ شلتوت إمام التقريب بين المذاهب وصاحب الفضل فى نقلة تجديد مختلفة غيرت وجه الأزهر الشريف.
الآداب والفنون الجميلة والغناء:
قدم كتاب "رأى الإسلام فى الآداب والفنون الجميلة " للكاتب مصطفى محمد لطفى القطان والصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، نص الفتوى المستنيرة لشيخ الأزهر السابق الشيخ محمود شلتوت حول الفنون الجميلة وسماع الغناء والتى جاء فيها:
إن الأصل الذى أرجو أن يتنبه الناس إليه فى هذا الشأن وأمثاله، مما يختلفون فى حله وحرمته، هو أن الله خلق الإنسان بغريزة يميل بها إلى المستلذات والطيبات التى يجد لها أثراً طيباً فى نفسه، به يهدأ، وبه يرتاح، وبه ينشط، وبه تسكن جوارحه، فتراه ينشرح صدره بالمناظر الجميلة، كالخضرة المنسقة والماء الصافى الذى تلعب أمواجه، والوجه الحسن الذى تنبسط أساريره. ينشرح صدره بالروائح الزكية التى تحدث خفة فى الجسم والروح، وينشرح صدره بلمس النعومة التى لا خشونة فيها، وينشرح صدره بلذة المعرفة فى الكشف عن مجهول مخبوء، وتراه بعد هذا مطبوعا على غريزة الحب لمشتهيات الحياة وزينتها من النساء والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة والأنعام والحرث.
ولعل قيام الإنسان بمهمته فى هذه الحياة ما كانت لتتم على الوجه الذى لأجله خلقه الله إلا إذا كان ذا عاطفة غريزية، توجهه نحو المشتهيات، وتلك المتع التى خلقها الله معه فى الحياة، فيأخذ منها القدر الذى يحتاجه وينفعه.
ومن هنا قضت الحكمة الإلهية أن يخلق الإنسان بتلك العاطفة، وصار من غير المعقول أن يطلب الله منه – بعد أن خلقه هذا الخلق، وأودع فيه لحكمته السامية هذه العاطفة – نزعها أو إماتتها أو مكافحتها فى أصلها. وبذلك لا يمكن أن يكون من أهداف الشرائع السماوية – فى أى مرحلة من مراحل الإنسانية – طلب القضاء على هذه الغريزة الطبيعية التى لابد منها فى هذه الحياة.
نعم، للشرائع السماوية بإزاء هذه العاطفة مطلب آخر، يتلخص فى كبح الجماح، ومعناه: مكافحة الغريزة عن الحد الذى ينسى به الإنسان واجباته، أو يفسد عليه أخلاقه، أو يحول بينه وبين أعمال هى له فى الحياة ألزم، وعليه أوجب.
ذلك هو موقف الشرائع السماوية من الغريزة، وهو موقف الاعتدال والقصد، لا موقف الإفراط، ولا موقف التفريط، هو موقف التنظيم، لا موقف الإماتة والانتزاع. هذا أصل يجب أن يفهم، ويجب أن توزن به أهداف الشريعة السماوية، وقد أشار إليه القرآن فى كثير من الجزئيات {ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ ولا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ}، {يَا بَنِى آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا}، {واقْصِدْ فِى مَشْيِكَ واغْضُضْ مِن صَوْتِكَ}.
إذن فالشريعة توجه الإنسان فى مقتضيات الغريزة إلى الحد الوسط، فهى لم تنزل لانتزاع غريزة حب المال، إنما نزلت بتعديلها على الوجه الذى لا جشع فيه ولا إسراف، وهى لم تنزل لانتزاع الغريزة فى حب المناظر الطيبة، ولا المسموعات المستلذة، وإنما نزلت بتهذيبها وتعديلها على ما لا ضرر فيه ولا شر. وهى لم تنزل لانتزاع غريزة الحزن، وإنما نزلت بتعديلها على الوجه الذى لا هلع فيه ولا جزع. وهكذا وقفت الشريعة السماوية بالنسبة لسائر الغرائز.
وقد كلف الله العقل – الذى هو حجته على عباده – بتنظيمها على الوجه الذى جاء به شرعه ودينه، فإذا مال الإنسان إلى سماع الصوت الحسن، أو النغم المستلذ من حيوان أو إنسان، أو آلة كيفما كانت، أو مال إلى تعلم شيء من ذلك، فقد أدى للعاطفة حقها، وإذا ما وقف بها مع هذا عند الحد الذى لا يصرفه عن الواجبات الدينية، أو الأخلاق الكريمة، أو المكانة التى تتفق ومركزه، كان بذلك منظما لغريزته، سائراً بها فى الطريق السوى، وكان مرضيا عند الله وعند الناس.
بهذا البيان يتضح أن موقف الشاب فى تعلم الموسيقى – مع حرصه الشديد على أداء الصلوات الخمس فى أوقاتها على أعماله المكلف بها – موقف – كما قلنا – نابع من الغريزة التى حكمها العقل بشرع الله وحكمه، فنزلت على إرادته، وهذا هو أسمى ما تطلبه الشرائع السماوية من الناس فى هذه الحياة.
ولقد كنت أرى أن هذا القدر كاف فى معرفة حكم الشرع فى الموسيقى، وفى سائر ما يحب الإنسان ويهوى بمقتضى غريزته، لولا أن كثيراً من الناس لا يكتفون، بل ربما لا يؤمنون بهذا النوع من التوجيه فى معرفة الحلال والحرام، وإنما يقنعهم عرض ما قيل فى الكتب وأثر عن الفقهاء. وإذا كان ولا بد فليعلموا أن الفقهاء اتفقوا على إباحة السماع فى إثارة الشوق إلى الحج، وفى التحريض على القتال، وفى مناسبات السرور المألوفة كالعيد، والعرس، وقدوم الغائب وما إليها. ورأيناهم فيما وراء ذلك على رأيين: يقرر أحدهما الحرمة، ويستند إلى أحاديث وآثار، ويقرر الآخر الحل، ويستند كذلك إلى أحاديث وآثار، وكان من قول القائلين بالحل: «إنه ليس فى كتاب الله، ولا سنة رسوله، ولا فى معقولهما من القياس والاستدلال، ما يقتضى تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات»، وقد تعقبوا جميع أدلة القائلين بالحرمة وقالوا: إنه لم يصح منها شيء.
وانتقل الشيخ شلتوت إلى رحمة ربه مساء ليلة الجمعة ١٣ ديسمبر ١٩٦٣، وشيعت جنازته من الجامع الأزهر.
اهتم بالتقريب بين المذاهب الإسلامية ونادى بنذ التعصب لمذهب معين
قدم بحثاً فى مؤتمر لاهاى للقانون الدولى المقارن عام 1937.. أكد فيه أن الشريعة الإسلامية حية قابلة للتطور