منذ اليوم الأول لانطلاقها شكلت مبادرة القضاء على قوائم الانتظار "طاقة نور" لملايين المصريين، الذين أرهقتهم الإجراءات متعددة المراحل والتي كانت تأخد أياما وأسابيع بل شهورا، وهو ما اختفى تمامًا منذ ٥ سنوات، وبالتحديد في يوليو ٢٠١٨ عندما انطلقت المبادرة التي حولت الأيام والشهور إلى ساعات معدودة، أصبح المريض بموجبها يخضع لأخطر العمليات الجراحية الحرجة التي تعد مسألة حياة أو موت للآلاف من أبناء مصر.
وبعد أن كان المريض وذووه يقفون بالساعات في طوابير ممتدة لا تنتهي، نجحت مبادرة إنهاء قوائم الانتظار في القضاء بشكل جذري على هذه الإجراءات والعراقيل التي كانت تقف في وجه الكثيرين، وبموجب توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، عكفت وزارة الصحة والسكان في إعداد خطة شاملة لإعداد قاعدة بيانات وافية من شأنها اختصار الوقت وتوفير رعاية طبية متكاملة للمصريين، الأمر الذي من شأنه إنقاذ حياة الملايين. ومن خلال منظومة إلكترونية وخط ساخن يعمل على مدار الساعة، سخرت "الصحة" إمكانياتها لتحقيق أهداف المبادرة الرئاسية، لتكلل هذه الجهود بنجاح منقطع النظير، حيث تمكنت المبادرة خلال السنوات الخمس الماضية من إجراء مليون و٦٠٣ آلاف و٩١٩ عملية جراحية، ضمن المبادرة والتي أسهمت في منع تراكم قوائم جديدة في التدخلات الجراحية الحرجة التي تشملها المبادرة، بحسب إحصاءات رسمية صادرة عن وزارة الصحة.
إنهاء التكدس
وقال الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، إن الوزارة تابعت أكثر من ٢٣ ألفا و٦٦٩ حالة، بعد إجراء العمليات، للتأكد من جودة الخدمة المقدمة للمرضى، وذلك خلال الفترة من يناير إلى الأول من شهر مارس ٢٠٢٣، بالإضافة إلى استقبال ٦٨ ألفا و٢١٨ اتصالا من مرضى قوائم الانتظار، خلال نفس الفترة، عبر الخط الساخن المخصص للمبادرة ١٥٣٠٠، أو من خلال التسجيل على الموقع الإلكتروني المخصص لمتابعة حالات مبادرة القضاء على قوائم الانتظار، http://wlms.smcegy.com/.
وبحسب بيان صادر عن الوزارة فإن المبادرة نجحت في استقبال بيانات المرضى عن طريق الخط الساخن الذي دشّنته، ويعمل به فريق كامل ومدرب، حيث يعمل يوميا من الساعة التاسعة صباحا وحتى الساعة السادسة مساء، أو من خلال الموقع الإلكتروني لتسجيل قوائم الانتظار والتدخلات الطبية، ولفت البيان إلى أن المبادرة أجرت ما يزيد علي ١.٦ مليون عملية جراحية، وأن المبادرة بدأت بـ ٩ تخصصات حتى وصلت إلى ١٤ تخصصًا تشمل القلب والعظام وقسطرة القلب والمخ والأعصاب وزراعة الكلي والقساطر المخية وزراعة القوقعة والرمد وغيرها، في عام ٢٠٢٢.
وأسهم توزيع المرضى على المستشفيات التابعة في إنهاء التكدس في المستشفيات وضمان حصولهم على الخدمة الطبية كاملة بأقصي سرعة، بالإضافة إلى تقليص معدل انتظار الحالات بعمليات القلب، من أسابيع وشهور إلى ٣ أيام فقط، وبموجب المبادرة لا يتحمل المواطن فيها أي أعباء مالية من بداية الكشف وحتى العملية والعلاج، فهي قائمة علي تخفيف الأعباء المالية علي المواطن وإجراء الجراحات التي تتضمنها المبادرة الرئاسية بأعلي جودة ووقت ممكن، حيث تستهدف المبادرة تقديم الخدمة الطبية على أكمل وجه، وتزويد المستشفيات بالمستلزمات والأجهزة الطبية الحديثة وفقا للمعايير الدولية لخدمة المبادرة والمواطنين، وفقا لتصريحات المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان.
نجاحات بالأرقام
وقال "عبد الغفار" إن الدولة أنفقت ١٧ مليار جنيه على مبادرة الرئيس للقضاء على قوائم الانتظار حتى فبراير ٢٠٢٣، لافتا إلى أن موازنة الصحة زادت خلال السنوات الماضية أكثر من ٣٠٠ ٪، مشيرا إلى أن ما تم إنفاقه على منظومة الصحة هو ٦٠ مليار جنيه، كما تم إنشاء أكثر من ٦٠٪ من حجم المستشفيات بوزارة الصحة وإنفاق ٣٠ مليار جنيه على منظومة الصحة للمستشفيات الجامعية للصيانة والتجديد.
وأشار "متحدث الصحة" إلى أن إجمالى العمليات التى تم إجراؤها بلغ من شهر يوليو عام ٢٠١٨ حتى فبراير ٢٠٢٣، استفاد ٨٤ ألفا و ٦٤ مواطنا من عمليات جراحة العظام، و٦٧ ألف مواطن أجروا عمليات قلب مفتوح، و٥٠٠ ألف مواطن أجروا لهم عمليات القسطرة القلبية.
وتاب عبدالغفار، أنه تمت زراعة القوقعة لـ ٦ آلاف طفل، وزراعة قلب لـ ١٠٠٠ مواطن، و٦ آلاف قسطرة مخية، وذلك من خلال مبادرة القضاء على قوائم الانتظار دون أن يتحمل المواطن أى تكاليف مالية، لافتا إلى أن هذه الأرقام لها دلالة مباشرة، بالإضافة إلى مليون ونصف مواطن استفادوا من تدخلات جراحية بدون تحمل أى نفقة، كما انخفض معدل قوائم الإنتظار من عام ونصف وعامين لـ ٣ أو ٤ أسابيع.
وأكد حسام عبدالغفار أن الرئيس السيسى فى أقل من شهرين صدق على مبادرتين لتطوير مراكز الرعاية الصحية، وزيادة عدد ساعات العمل ووجود عيادات تخصصية، ومبادرة الصحة النفسية وتقديم الدعم النفسى، ومن قبلها مبادرة أورام الكبد والرئة، موضحا أنه لم تتوقف اهتمامات الرئيس ودعمه للصحة العامة، والهدف هو تحسين حياة المواطن المصرى فى ظل النهج الذى انتهجه الرئيس وهو حياة كريمة للمواطنين.
وأكد عدد من كبار الأطباء والاستشاريين أن مبادرة القضاء على قوائم الانتظار أسهمت في تخفيف آلام وأوجاع المصريين، وإنهاء معاناة الآلاف ممن كانوا ينتظرون بالأشهر في المستشفيات من أجل إجراء جراحة في حالات خطيرة وحرجة. وقال الدكتور محمد عز العرب، استشاري الجهاز الهضمي والكبد، ومؤسس وحدة أورام بالمعهد القومي للكبد، إن هذه المبادرة تعد من أهم المبادرات الرئاسية لأنها تتعلق بإنقاذ الحياة، فهي تعمل على تعجيل إجراءات الجراحات للحالات الخطيرة التي تمثل خطورة على المرضى، وبالتالي هي بالفعل تنقذ حياة المرضى.
وأضاف عز العرب في تصريحاته لـ "البوابة نيوز" أنه بالنظر إلى الجراحات التي تستهدفها المبادرة مثل جراحات المخ والأعصاب وجراحات القلب والقسطرة، والقسطرة الدوائية المنقذة لحياة، وعمليات قوقعة الأذن وزرع الكبد والكلى، والأهم أن هذه المبادرة تتضمن إجراءات من شأنها الإسراع في إجراء هذه العمليات الخطرة.
وتابع: "العمليات التي كانت تستغرق من ٥ إلى ٦ أشهر في تخليص الأوراق والإجراءات اللازمة لإجراء جراحة عاجلة وخطيرة على صحة المرضى أصبحت بفضل المبادرة تأخذ أياما قليلة بل وساعات في بعض الحالات، فالدولة نجحت في توفير البنية التحتية، من خلال التعامل مع مستشفيات وزارة الصحة وجميع المستشفيات الجامعية والخاصة من أجل إنجاح المبادرة".
وشدد "عز العرب" على أن المبادرة بالفعل أنقذت حياة الآلاف بفضل سرعة الاستجابة وإنهاء الإجراءات في أسرع وقت ممكن، وهو الأمر الذي يمثل حياة أو موتا بالنسبة للمرضى، فبعض الحالات تعد مسألة الوقت بالنسبة لها حياة أو موت، وعلى سبيل المثال أمراض الكبد في حالة زراعة الكبد نتيجة لوجود ورم في الكبد، وفي هذه الحالة يكون الوقت عاملا مهما لأن في حال التأخير ٥ أشهر فالورم قد يتمدد ويهدد حياة المريض ويؤدي للوفاة".
وأردف: "يمكن القول إن فلسفة إجراء العمليات وفقا لهذه المبادرة وفي وقت قياسي أنقذ حياة الآلاف من المرضى، كما تتميز المبادرة بأنها دعمت المرضى في ظل ظروف اقتصادية صعبة، كما أنها على الرغم من التأثر النسبي بالظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر والعالم أيضا، إلا أنها كان لها دور كبير في عمل قاعدة بيانات موحدة للمستشفيات وقدرتها والبنية التحتية وتوزيع الخدمات والأجهزة وخريطة للخدمات المقدمة في كل مستشفى الأمر الذي أسهم في تخفيف الضغط على بعض المستشفيات التي كان يقصدها الجميع على الرغم من توافر خدمات صحية في العديد من المستشفيات الموزعة على نطاق جغرافي كبير في مصر. مشيرا إلى أن المادة ١٨ من الدستور المصري نصت على توفير الرعاية الصحية وبجودة عالية لكل المصريين، وتقديم الرعاية الصحية للمواطنين في الوقت المناسب هو أحد أهم وأبرز الأهداف التي حققتها مبادرة القضاء على قوائم الانتظار".
انفراجة كبيرة
من جهته، قال الدكتور محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، إن المبادرة أحدثت انفراجة كبيرة في القضاء على قوائم الانتظار الطويلة والمتواجدة في المستشفيات بفضل التعجيل من الإجراءات التي من شأنها تذليل الروتين والإجراءات المطلوبة للحصول على الخدمة الصحية وإجراء العمليات الجراحية في أقصر وقت ممكن.
وأضاف "فؤاد" في تصريحاته لـ "البوابة نيوز" أن المبادرة حظت بدعم من رئاسة الجمهورية، مما منحها ثقلا كبيرا كما يسر العديد من الإجراءات التي كان من شأنها إنجاح المبادرة، إلا أن المبادرة واجهت صعوبات نتيجة للظروف الاقتصادية خلال الأشهر القليلة الماضية.
أما الدكتور علاء غنام، مدير برنامج الحق فى الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فقال إن المبادرة تعد علاجا فعالا في الحالات الطارئة إلا أنه من الأفضل تفعيل نظام التأمين الصحي الشامل الذي من شأنه القضاء على فكرة قوائم الانتظار بالمستشفيات، المبادرة تعد أداة فعالة للدولة للقضاء على سوء توزيع المرضى في المستشفيات، إلا أنه لن يكون علاجا مستمرا للأزمة، فالتأمين الصحي يكون أكثر انتظامًا ويقضي على فكرة قوائم الانتظار من الأساس. وأضاف "غنام" في تصريحاته لـ "البوابة" أن المبادرة من البرامج الرأسية والتي تحقق نتائج إيجابية وتحل أزمة، ومن المفترض الاعتماد على التأمين الصحي الشامل، والذي يتضمن نظام طوارئ قويا وفعالا ومن شأنه اتخاذ ما يلزم من أجل علاج أي حالات طارئة وحرجة دون انتظار، لأنها حالات حرجة لا تملك الوقت وتمثل خطورة على الصحة.
وتابع: "المبادرة تركت أثرا إيجابيا جيدا للغاية وبخاصة لأنها مبادرة رئاسية، مما حقق لها دعما قويا لها ووفر لها إمكانيات كبيرة، وهو ما ترتب عليه إجراء عدد هائل من العمليات خلال السنوات الخمس الماضية منذ إطلاق المبادرة، وهو شيء محمود ونرفع القبعة لكل العاملين علي هذه المبادرة".
وأكمل: "الأهم في الوقت الحالي هو ضرورة إيجاد بديل ودائم مستمر وسمته الأساسية أن حالات الانتظار ليس فيها انتظار، والحالات غير العاجلة يتم توزيعها توزيع نسبي متكافئ على جميع المستشفيات حتى لا يحدث تكدس في مستشفى واحد دون غيره، وضرورة عمل خريطة استراتيجية للخدمات الصحية وبها توزيع لكل المستشفيات والخدمات المقدمة وبالتالي توفير أماكن لكل المرضى بتوزيع متساوٍ دون إحداث ضغوط على بعض المستشفيات".