كان «تحتمس الرابع» آخر فرعون عظيم من فراعنة الأسرة الثامنة عشرة، فقد سار على رأس جيشه لتأديب الأمراء الثائرين في بلاد آسيا وإخضاعهم وإعادة النظام إلى كل ممتلكاته في تلك الجهات النائية. لكنه مات، وترك ملكه الذي كان يمتد من «الفرات» شمالًا إلى «كاراي» جنوبًا. كما تشير الوثائق.
يصف الأثري الراحل سليم حسن في موسوعة مصر القديمة (الجزء الخامس: السيادة العالمية والتوحيد) حال الإمبراطورية المصرية بعد موته بقوله: انطفأت شعلة الروح الحربية، الذي كان يضيء نفوس فراعنة هذه الأسرة الأماجد، كما خَبَتْ في نفوس الشعب. وتلاشت تلك الصفات التي كانت تقود رجال «تحتمس الثالث» إلى ساحة القتال بقلوب ملؤها الشجاعة والإقدام".
ولأن المَنِيَّة عاجَلَتِ «تحتمس الرابع» "وهو في نَضْرة الشباب ومقتَبَل العمر الذي تُرجَى فيه الأعمال العظيمة". فقد تضاربتِ الآراء في نسبة «أمنحتب الثالث» إلى سَلَفِه «تحتمس الرابع». تسرد الموسوعة أن تحتمس مات في عنفوان شبابه غير متجاوز السادسة والعشرين ربيعًا من عمره، كما يقول الأطباء الذين فحصوا عظامه، ومن أجْل ذلك يعتقد بعض المؤرخين أن «أمنحتب الثالث» ليس ابن «تحتمس الرابع» ارتكانًا على نتائج ذلك الفحص الطبي، ويَرَوْن أنه أخوه.
تضيف: إذا كان تقدير سِنِّه صحيحًا استحال أن يكون «أمنحتب الثالث» ابنه؛ لأن أمنحتب حين خلفه على العرش تزوج في السنة الثانية من حكمه بالملكة «تي»، ولا يعقل أن يكون لتحتمس وهو حَدَث السِّنِّ ابنٌ أهلٌ للزواج في هذا الوقت، اللهم إلا إذا كان هذا الزواج صوريًّا لا فعليًّا، ولذلك رجَّح بعض علماء الآثار تخلُّصًا من هذا المأزق أنه كان أخاه، على الرغم مما ورد في الآثار مثبِتًا أنه ابنه".
تولَّى «أمنحتب الثالث» وهو صغير السِّنِّ، وقد استمر في حكم البلاد منفردًا نحو ستٍّ وثلاثين سنة، كان في خلالها أعظم عاهل في العالَم المتمدين، كما كانت «مصر» أكبر إمبراطورية في الشرق القديم وصاحبة السيادة السياسية والأدبية فيه.
وتدل الوثائق على أنه لم يَقُمْ بحرب غير حملة واحدة في بلاد «كوش» في السنة الخامسة من حكمه "وهذا دليل على أنه لما تولى الملك كان السلام على وجه عام مخيِّمًا على ربوع دولته المترامية الأطراف في آسيا". وفي المتحف البريطاني لوحة تُشير إلى حروب «أمنحتب الثالث» في بلاد النوبة، وما أخضعه نائب الملك المسمى «مرمس».
أما الأراضي الآسيوية فإن قَدَم «أمنحتب الثالث» لم تطأها قط، على الرغم مما ذكره في نقوشه، حيث كتب أنه أخضع بلاد «رتنو» وبلاد «نهرين» بحدِّ السيف؛ يُضاف إلى ذلك أنه لم يسيطر سيطرة فعلية على بلاد «سنجار» و«آشور» و«أرباخا» و«كريت» قط. يدل على ذلك الخطاب الذي أرسله أمير جبيل «ببلوص» يلح فيه على الملك «أمنحتب الثالث» أن يحضر بنفسه ليضع حدًّا للهجوم الذي قام به «عبد أشرتا» الأمير الأموري، فيقول فيه: منذ أنْ غادر والدك «صيدا» (منذ هذه الأيام)، والبلاد قد انضمَّتْ إلى البدو (جاز)، ومن ذلك نعلم أن آخر فرعون قام بحروب في سوريا هو الفرعون تحتمس الرابع.
وقد وجدت لوحة من الحجر الجِيري الأبيض أُقيمت في معبده الجنازي في «طيبة»، تحدثنا عن انتصاراته في الشمال والجنوب، فنشاهد عليها منظرًا يَظهَر فيه «أمنحتب» مرتين إحداهما على اليمين يسير فيه فوق أهالي الكوش المجدلين، ورؤساؤهم مكبلون وراء خيله.
وتؤكد الموسوعة أن «أمنحتب الثالث» كان آخِر فرعون حكم الإمبراطورية المصرية من أقصاها إلى أقصاها "وهي ذلك المُلْك الشاسع الذي فتحه أسلافه المحاربون، وإذا قيس هذا الملك الضخم بأعمار الدول العظام الأخرى فإنها تُعدُّ قصيرة العمر؛ إذ قد وصلت إلى قمة مجْدها في الفتوح في عهد «تحتمس الثالث» العظيم في حملته الثامنة حينما عَبَرَ بجيوشه «نهر الفرات» وأقام لوحة الحدود على ضفته اليمنى، وعندما انتصر على الآسيويين في موقعة «قرقميش» عام 1467ق.م، ولم يكد ينقضي قرن من الزمان على هذا الفتح حتى وجدنا هذا المُلْك الشاسع أخذ يذوب ويتلاشى في آسيا، فلم يحلَّ عام 1360ق.م حتى أصبح مُلْكها في سوريا أَثَرًا بعد عَيْن إلى أنْ أعاد «سيتي» وابنه «رعمسيس الثاني» بعض مجْد البلاد ثانية في هذه البقاع".
مصريات
ملوك مصر| «أمنحتب الثالث».. آخر من حكم الإمبراطورية كاملة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق