الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

ديفيد فالا يكتب: التجربة الأفغانية دروس الصخرة القاتلة وعلاقة الجهاديين بالموت

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لفهم عالم المعنى الجهادى، حتى نتمكن من مواجهته، يجب أن نبذل المجهود لكى نكون نفس الرؤية الذهنية التى تعتبر رؤيتهم وتمثل فكرهم خاصةً أن علاقة الجهاديين بالموت بالتحديد هى التحدى الأكبر.
ستلقى الحكاية التالية بعض الضوء على ما يبدو غامضًا تمامًا؛ لقد وصلت إلى هنا لمدة أسبوع قصير فى خلدن. تم تخصيص مكان لى فى إحدى الخيام المستخدمة كمسكن وتقع على سفح الجبل وبها قسمان منفصلان من القماش، ويحيط بها جدار صغير منخفض يبلغ ارتفاعه حوالى متر واحد وهو عبارة عن صخرة كبيرة تبرز من الجانب الداخلى للخيمة.. فى تلك الخيمة مكانى هو الأول على اليمين عند الدخول، ونحن ما بين ستة إلى عشرة طلاب، بناءً على العدد الإجمالى الذى يخضع للتدريب.
وسبقنى فى الحال شقيقان كانا فى البوسنة أثناء محاولتنا الانضمام إلى الوحدات القتالية هناك؛ أحدهم، أبو صالح، هو الأخ الصغير لمن كتب "التزكية"، أو خطاب "التوصية" الذى أتاح لى الوصول إلى المخيم.
ها نحن هنا مع "أبو صالح" وطالبين آخرين من اليمن. نجلس القرفصاء فى خيمة ونعد القهوة، خلال "وقت الفراغ" بعد الظهر. وتجرى محادثات ومناقشات، لكنى أرى أن أحد اليمنيين يبدو غائبًا عن الوعى، ونظراته فى اتجاه مكان نومى وكأنه مفتون به، أسأله عما يفكر فيه، لأنه يعطى انطباعًا بأنه ليس معنا عقليًا وأننى متفاجيء من عدم اهتمامه، ثم يبدأ بالاعتذار وقال لى:
"أنظر إلى هذه الصخرة، تلك التى تبرز من الجدار المنخفض، لأنه منذ ثلاثة أسابيع مات أخ شهيدًا وهو نائم فى المكان المخصص لك. وهذه المرة أنا الذى تعرضت للمفاجأة وسألته كيف حدث ذلك؟. أخبرنى أنه بفضل الزلزال، سقطت الصخرة البارزة على رأس النائم هناك وحطمت جمجمته. الكتلة ليس بها أثر للدم خاصةً أن الجمجمة تعرضت للهرس الكامل وهذه القصة المثيرة أكدها لى أبو صالح.
 


ويأتى السؤال لى حول ما إذا كانت الصخرة ستُستبدل خاصة أنها غير مستقرة ويمكن أن تتحرك وقيل لى أن هذا هو الحال بالفعل.. لقد تم إعادة الصخرة إلى مكانها بالضبط قبل سقوطها على رأسه. لن يكون من الضرورى تكرار ذلك بالنسبة لى لأقوم فورًا بتغيير مكان نومى حتى لا يكون معرضًا لخطر سقوط هذا الحجر مجددًا. وعلى الرغم من أننى قد أثبت أن الاستشهاد يمكن أن يكون مكافأة، إلا أن جانبى الديكارتى لم يتأكد من ذلك خاصة أن هذا الاستشهاد يجب أن يتسبب فى أقصى خسارة للمعسكر المقابل. فى ذلك الوقت، جعلتنى هذه القصة أضحك ولم تجعلنى أفكر أبعد من ذلك وإذا عدنا إلى هذه الحكاية، يمكننا استخلاص بعض الدروس منها حول عالم معنى المرشحين للجهاد:
الدرس الأول هو: أن إعطاء معنى لموت المرء يعنى عدم عقلانية تامة حول معنى الحياة.. وهذا المفهوم المعتمد على عدم العقلانية يؤدى إلى استبدال مكان الصخرة لتكون مؤهلة للسقوط على رأسه مرة أخرى. بمعنى أن الصخرة يمكن أن تقع على أى شخص فى هذا المكان إذا تم تغيير مكانها.
الدرس الثانى يتبع الأول: لم يعد للحياة أى قيمة، حتى عندما يتعلق الأمر بحياة الأخ الجهادى، الذى يُترك لينام مع "صخرة داموقليس" لتقع على رأسه.
الدرس الثالث يلخص الدرسين السابقين: إذا لم تعد لحياة المرء وحياة إخوانه الجهاديين أى قيمة جوهرية، فإن حياة "الكفار" أقل من ذلك، حتى أننا نمنح أنفسنا الحق فى القتل. 
الدرس الرابع أكثر "دقة": نرى أن مفهوم الاستشهاد لا يمكن إلا أن يكون تكتيكيًا على المستوى العسكرى. إنه تكتيك "منبر المدفع" بموافقة أولئك الذين سيتم سحقهم بنفس التكتيك. وفى الحقيقة، المستوى الاستراتيجى للعمل الجهادى هو مستوى مفكرى الجهاد وفق العمل المسلح.
ربما يكون الدرس الأخير فى هذه المرحلة هو الأهم: إنها مسألة فرض القتل على "الكفار" من أجل البقاء، لأنه على العكس من ذلك، يدعو المرشحون للجهاد إلى موت رغبتهم. يبدو الأمر كما لو أن استمرار العنف الحربى، الذى يقود من "جريمة مجموعة معادية" إلى "جريمة حرب" ضد جنود أو مدنيين غير مسلحين، قد اختفى. بطريقة ما، يفرض الجهاد منذ البداية التطرف الشديد والعنف المفرط للحرب دون مستويات معتدلة أو وسطية، وهنا يكمن الجانب الاستراتيجى الرئيسى لوجود مرشحين للموت أو الإرهاب.
بحلول الوقت الذى ندرك فيه أنه لا يوجد وقف لإطلاق النار للتفاوض، قد يكون الأوان قد فات بالفعل.

معلومات عن الكاتب 
ديفيد فالا، المولود عام 1971 فى فيلفونتين.. جهادى فرنسى تائب اعتنق الإسلام فى شبابه، وقام بمحاولة فاشلة للانضمام إلى صفوف المجاهدين الأجانب الذين ذهبوا لدعم مسلمى البوسنة خلال حرب البوسنة والهرسك، ثم غادروا للتدريب فى معسكر جهادى فى أفغانستان. ولدى عودته، شكل خلية إسلامية وتم تفكيكها فى سياق هجمات عام 1995. وفى عام 1998، حكم على فالا بالسجن ست سنوات. خلال السنوات التى قضاها فى السجن، قرر الانفصال عن الأيديولوجية الإسلامية ثم عاود الاندماج فى المجتمع الفرنسى. فى عام 2010، قرر الخروج من الصمت للإدلاء بشهادته حول تجربته.. فى هذا العدد، يحكى عن دروس تجربته مع الجهاديين فى أفغانستان.
 لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي:
https://www.ledialogue.fr/