استطاعت أسعار الذهب العالمية أن تتعافى بعض الشيء لتعوض جزء من الخسائر التي حققتها منذ بداية الأسبوع، حيث تنتظر الأسواق العالمية بيانات تقرير الوظائف الحكومي عن الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما ساعد أسعار الذهب على التقاط الأنفاس قبل صدر البيانات الهامة اليوم.
وارتفعت أسعار الذهب الفورية بشكل طفيف خلال تداولات اليوم الجمعة بنسبة 0.1% لتتداول وقت كتابة التقرير عند المستوى 1832.63 دولار للأونصة، يأتي هذا بعد ارتفاع آخر يوم أمس بنسبة 0.9% بينما على المستوى الأسبوعي فإن أسعار الذهب في طريقها إلى تسجيل انخفاض بنسبة 1% ولكن قد نشهد تغير في مستويات الأسعار بعد صدور بيانات الوظائف الأمريكية، وفق التقرير الفني لـgold Bullion.
من جهة أخرى نجد أن الدولار الأمريكي يتداول في نطاق ضيق مقابل سلة من 6 عملات رئيسية، فمؤشر الدولار يشهد استقرار بالقرب من أدنى مستوى سجله أمس عند 105.12 وذلك بعد أن أنهى جلسة الخميس منخفضاً بنسبة 0.4%، يأتي هذا بعد أن ارتفع الدولار خلال هذا الأسبوع وسجل أعلى مستوياته منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
وأضاف تقرير جولد بيليون ، أن الذهب استطاع أن يحقق تعافي جزئي من الخسائر خلال تداولاته أمس، وذلك بعد صدور بيانات أعداد المتقدمين لملء طلبات إعانات البطالة الأمريكية خلال الأسبوع الماضي، لتظهر البيانات ارتفاع كبيرة بمقدار 211 ألف طلب مقارنة مع القراءة السابقة 190 ألف طلب وهو أعلى مستوى منذ 5 أشهر وساعدت هذه البيانات على تراجع مستويات الدولار والعائد على السندات الحكومية الأمريكية، نظراً لأنها تعد مقياس سلبي بعض الشيء لأداء قطاع العمالة في فبراير قبل صدور تقرير الوظائف الحكومي في وقت لاحق اليوم.
التوقعات الخاصة بتقرير الوظائف الحكومي الأمريكي عن شهر فبراير تشير إلى خلق 224 ألف وظيفة بعد القراءة القياسية التي سجلت في شهر يناير بقيمة 517 ألف، وأن تستقر معدلات البطالة عند 3.4% وهناك توقعات تشير إلى أن قراءة تقرير الوظائف عن شهر فبراير ستشهد تراجع بعد أن تخطت التوقعات لعشرة أشهر متتالية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يغير مجريات الأمور بشأن توقعات سعر الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي، فقد أشار محافظ الفيدرالي جيروم باول في شهادته النصف سنوية أمام الكونجرس هذا الأسبوع أن البنك يراقب البيانات قبل اتخاذ قرار بشأن رفع الفائدة 25 أو 50 نقطة أساس خلال اجتماع البنك في 21-22 مارس الجاري.
وهناك 2 سيناريو أمام الأسواق اليوم عقب صدور بيانات تقرير الوظائف الأمريكي، السيناريو الأول في حالة استمرار تعيين الوظائف الجديدة بأعلى من التوقعات في فبراير مع استقرار أو تراجع لمعدلات البطالة، وفي هذه الحالة سيجد البنك الفيدرالي أن الاقتصاد الأمريكي لديه المرونة الكافية لتحمل رفع الفائدة 50 نقطة أساس خلال اجتماعه القادم، هذا السيناريو سيكون تأثيره إيجابي بشكل كبير على مستويات الدولار والعائد على السندات الحكومية الأمريكية، ولكنه بطبيعة الحال سيكون سلبي على أسواق الذهب التي قد تشهد تراجع إلى مستوى الدعم الرئيسي عند 1800 دولار للأونصة.
السيناريو الثاني في حالة تراجع أعداد الوظائف الجديدة بأقل من التوقعات مع ثبات معدل البطالة وارتفاعها عن التوقعات، وفي هذه الحالة سيجد البنك الفيدرالي نفسه محقاً بشأن خفض وتيرة أسعار الفائدة خلال اجتماعه الماضي وسيستمر على هذا النهج، كون تباطؤ قطاع العمالة يعكس نجاح التشديد النقدي من قبل البنك الفيدرالي الذي بدأ من العام الماضي، وتأثير هذا السيناريو سيكون سلبي على مستويات الدولار وسنجد تراجع في العائد على السندات الحكومية الأمريكية بسبب خروج الاستثمارات والبحث عن أسواق جديدة، وهنا يشهد الذهب تحسن كبير لأن هذا يعكس بداية تباطؤ النمو وقد نشهد ركود قادم للاقتصاد الأمريكي وهي تعد فترات إيجابية بالنسبة لأسواق السلع النفيسة وعلى رأسها الذهب.
المتداولين على العقود الآجلة لصناديق الاحتياطي الفيدرالي يسعرون الأسواق على احتمال بنسبة 60% أن يقوم الفيدرالي برفع أسعار الفائدة 50 نقطة أساس، وقد ارتفعت هذه النسبة من 22% قبل شهادة محافظ الفيدرالي باول يوم الثلاثاء الماضي.
جدير بالذكر أن بيانات التضخم الأمريكية ستصدر خلال الأسبوع القادم وهي الشق الثاني من البيانات التي يراقبها البنك الفيدرالي قبل اتخاذ قرار الفائدة، وفي حالة استمر سوق العمل قوياً وظل التضخم مرتفعاً فقد نشهد مزيد من الارتفاع في عوائد سندات الخزانة وبالتالي ارتفاع في مستويات الدولار وتراجع في أسعار الذهب.
مخاطر تنتظر الاقتصاد الأمريكي ولكنها أخبار إيجابية للذهب"
استمرار البنك الفيدرالي في رفع الفائدة واحتمالية تسريع وتيرة الرفع ستعمل على زيادة فرص الركود الاقتصادي للولايات المتحدة، وهو ما يعد أمر إيجابي لأسعار الذهب الذي كون قاعدة قوية فوق مستوى الدعم 1800 دولار للأونصة قد تساعده على تحمل آثار التشديد النقدي للفيدرالي قبل أن تبدأ علامات الركود على الظهور وتبدأ فترة انتعاش الذهب.
أيضاً ارتفاع مستويات الديون في الولايات المتحدة الأمريكية يمثل تهديد حقيقي بأن تشهد أزمة مصرفية أخرى، وفي الوقت نفسه نجد أن الدولار الأمريكي القوي قد يؤدي إلى حدوث أزمة ديون سيادية عالمية، هذا السيناريو من شأنه أن يجبر صانعي السياسات النقدية على عكس الزيادات الحادة في أسعار الفائدة بنهاية العام الجاري وبداية عام 2024 كما تشير بعض التوقعات.
مع كل هذه التهديدات التي تلوح في الأفق فإنه من غير المحتمل أن يتمكن الاحتياطي الفيدرالي من رفع معدلات الفائدة بأعلى من 6٪ وهذا المستوى لن يكون مرتفعًا بما يكفي لخفض التضخم، ولكن قد يصل التضخم إلى مستوياته مرضية بالنسبة للبنك حتى إذا لم يتحقق مستهدف البنك الفيدرالي للتضخم عند 2%.
“نسبة الذهب إلى الفضة تشير إلى ضغط سلبي على المدى القصير”
الذهب يتعرض لضغط سلبي على المدى القصير وهو ما يتضح من نسبة الذهب إلى الفضة التي تشهد ارتفاع على المدى القصير الأمر الذي يدل على الضغط السلبي على أسعار الذهب، ونسبة الذهب إلى الفضة يقصد بها كمية الفضة اللازمة لشراء أونصة من الذهب وهي نسبة تاريخية يتم استخدامها من قبل العديد من المستثمرين وتجار الذهب كمؤشر لتحديد أفضل وقت للشراء والبيع. فإذا كانت نسبة الذهب إلى الفضة مرتفعة فهذا يعني أن هذا هو الوقت المناسب لشراء الفضة وبالتالي بيع الذهب لأن النسبة أكثر ملاءمة للفضة.
"أسعار الذهب محلياً"
ارتفعت أسعار الذهب محلياً من جديد خلال جلسة اليوم الجمعة مع استمرار الضغط السلبي الواقع على الجنيه مقابل الدولار الأمريكي، بالإضافة إلى صدور بيانات عن البنك المركزي تفيد ارتفاع معدل التضخم الأساسي بأعلى مستوى له على الإطلاق، ليزداد الطلب على الذهب كتحوط ضد التضخم، وسجل سعر جرام الذهب عيار 21 الأكثر شيوعاً اليوم 1850 دولار للجرام، بينما ارتفع سعر الجنيه الذهب إلى المستوى 14800 جنيه.
أما عن الجنيه المصري فقد وصل سعر صرف الدولار مقابل الجنيه ليسجل 30.95 جنيه لكل دولار، وعلى مدار الأسبوع شاهدنا ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه بمتوسط 5 قروش في اليوم.
أعلن البنك المركزي المصري يوم أمس عن ارتفاع التضخم الأساسي السنوي في مصر خلال شهر فبراير بنسبة 40.3% وهو أعلى مستوى للتضخم الأساسي على الإطلاق، يذكر أن المركزي المصري مسئول عن قياس التضخم الأساسي الذي يستثنى أسعار السلع ذات الأسعار المتقلبة أو الموسمية مثل أسعار الغذاء.
مؤشر التضخم السنوي الذي يصدر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أظهر ارتفاع في فبراير بنسبة 31.9% وهو أعلى مستوى من خمس سنوات.
مجموعة جولدمان ساكس تتوقع رفع الفائدة 300 نقطة
وفقاً لمجموعة جولدمان ساكس المالية العالمية فإنها تتوقع لجوء البنك المركزي المصري إلى رفع الفائدة 300 نقطة أساس دفعة واحدة خلال اجتماعه القادم في الشهر الجاري، وذلك بعد تجاوز التضخم في فبراير كل التوقعات.
وأشارت جولدمان ساكس إلي أن المركزي المصري قد لجأ لمثل هذا الإجراء من قبل في ديسمبر الماضي حينما رفع الفائدة 3% دفعة واحدة إلى 16.25% لتستقر الفائدة عند هذه المستويات حتى الآن.
جدير بالذكر ان البنك المركزي فاجأ الأسواق في اجتماع فبراير الماضي بتثبيت الفائدة دون تغيير، وأشار البنك وقتها أنه يقوم بتقييم آثار رفع الفائدة بمقدار 8% خلال عام 2022 وأشار البنك أنه يستهدف معدل تضخم عند 7% بزيادة أو نقصان نقطتين مئويتين حتى نهاية عام 2023.
لكن معدلات التضخم الحالية بعيدة كل البعد عن مستهدفات البنك مما قد يدفعه إلى التصرف بشكل استثنائي لمواجهة التضخم المحلي، إلى جانب الضغط الخارجي الناتج عن استمرار الفيدرالي الأمريكي في رفع معدلات الفائدة مع توقعات بوصولها إلى 6%.
وتعاني الدولة المصرية من تراجع الاحتياطي الدولاري بشكل كبير الأمر الذي دفعها إلى تحرير سعر صرف الجنيه 3 مرات منذ مارس 2022 وحتى بداية 2023، لينخفض الجنيه بنسبة 24% منذ يناير الماضي وحتى الآن بينما فقد أكثر من 95% من قيمته منذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وتشهد الأسواق حالياً عودة للفجوة السعرية في سعر صرف الدولار بين البنوك والأسواق الموازية، الأمر الذي ساعد أسعار الذهب على الارتفاع منذ بداية شهر مارس بعد أداء سلبي في فبراير.
من جهة أخرى نجد أن توقعات رفع الفائدة بشكل قياسي من قبل المركزي المصري من شأنها أن تحد من مكاسب الذهب كون رفع الفائدة يسحب الاستثمارات إلى قطاع البنوك وشراء الشهادات البنكية.
ولكن قوة التضخم ستساعد الذهب على الاحتفاظ ببريقه كونه تحوط ضد التضخم، بالإضافة إلى تخفيض آخر متوقع لسعر صرف الدولار خلال الفترة القادمة.