أكد الناقد الأدبي الدكتور يسري عبدالله، أن مشروع الكاتب والمفكر ثروت الخرباوي ينهض بشكل أساسي على مرتكزات أهمها تفكيك ذهنية الجماعات المتطرفة، وفي المتن منها جماعة الإخوان الإرهابية بوصفها الأم في إنتاج هذه الدعاوى المتطرفة التي عرفناها في العقود الأخيرة، فجزء منه ينهض على تفكيك الذهنية العامة لهذه الجماعات من جهة وقراءة أفكارها من الداخل من جهة أخرى، وهنا أشير إلى كتابه "قلب الإخوان" بما في العنوان من تأكيد على أنه يقرأ الجماعة من الداخل.
جاء ذلك خلال كلمته في الندوة التي أقامتها منشورات إيبيدي لمناقشة كتاب "إخفاء تركة الرسول" للكاتب والمفكر ثروت الخرباوي، مساء اليوم، بمكتبة ميكروفون بالدقي، ومن تقديم الإعلامي خالد الكيلاني.
وأضاف "عبدالله"، أن "سر المعبد" كتاب مركزي في مشروع "الخرباوي"، وبه يكون قد دفع بشوط المواجهة إلى مدى أبعد مع جماعة الإخوان الإرهابية، وهذا الجانب الفكري من المواجهة يأتي إلى جواره تنويعات مختلفة منها الوجه الإبداعي المعروف للرجل، خاصة أنه قدم روايتين وهما "زمكان" و"مولانا الجوسقي".
ويرى أستاذ الدراسات الأدبية، أن كتاب "إخفاء تركة الرسول"، محل المناقشة، يثير مجموعة من التساؤلات المهمة التي تنطلق من التفاصيل، في سعيها لتشكيل رؤية كلية تحاول الإجابة عن السؤال المركزي: لماذا حدث كل ما حدث؟ ما الأسباب التي دفعت إلى إخفاء تركة الرسول ؟ أو بالأحرى ما الذي سيّر العقل العام نحو هذه الطرق المعدة سلفا، ما الذي ضيق مساحات الفهم والتأويل لمصلحته الخاصة، وتصوراته الذاتية طارحا إياها بوصفها مراد الله!
متابعا، أن الكتاب الذي يبدأ بطرح الأسئلة في منهجه، مستندا على أن السؤال طريق الجواب وعلامته، وينتقل مطوفا إلى (قصة الكتاب)، ثم تتواتر فصوله على النحو الذي أتى عليه، حيث ملامسة الفروق النوعية الدقيقة بين اللسان واللغة، وأثر ذلك في التعاطي مع النص القرآني، ثم ينحو صوب مساءلة المقولات الجاهزة التي صارت من فرط التعميم غير قابلة للتأمل، فإذا هو يفكك بنياتها ويسعى صوب قراءتها على نحو مغاير، وهذا ما عمل عليه الكتاب في فصوله الثلاثة، ومباحثه المتعددة ، مراجعا الأحكام الفقهية الخاطئة التي سادت تحت مظلات التعميم، والتصور الأحادي للعالم، ومفندا إياها.
لفت "عبدالله" إلى أن "إخفاء تركة الرسول" عنوان جذاب للمتلقي، يصب في جوهر الفكرة المركزية للكتاب، وأن أول ما يقابلك في الكتاب هو الإهداء الذي حمل عنوان "شكر وعرفان" وجاء حميميًا ولصيقًا بالذات الساردة والحاكية له، والمتحلية برهانات جمالية وملامح أسلوبية مستمدة من ممارسة السرد والإبداع، فمثلا في (قصة الكتاب) نجده يخاطب المتلقي قائلا "انتظر لا تقلب تلك الصفحة سريعًا فما سيأتي فيها هو قلب هذا الكتاب"، وهنا يتوجه بالخطاب إلى القارئ متخيل وغير محدد، افتراضي، ما يجعله يلجأ إلى تكنيك "كسر الإيهام" وهي تقنية يراد بها القفز على تلك العلاقة القائمة بين القارئ والكاتب.
شدد الناقد الأدبي، خلال كلمته، على قيمة تحرير المعاني وضبط المصطلحات وإعادة مناقشة المقولات الثابتة والتفسيرات الشائعة للنصوص، فجزء من قيمة الكتاب صناعة وتقديم الاقتراحات داخل المسارات، وليس فقط اشتباكا مع عدد من القضايا المثارة في الفكر الإسلامي والتراث الفقهي، والمثارة من قبل الجماعات، فليست الفكرة هي الاشتباك وإنما الفكرة في القدرة الواعدة المتمثلة في الاقتراح والاجتراح، وليس مساءلة ما يدور فقط، بل بتقديم اقتراحات داخل هذه المسارات.
وشرح "عبدالله"، أن الفكرة التي طرحها الفيلسوف الفرنسي فرانسوا ليوتار التي سماها وهم الاستيلاء على المعنى، ولو راقبنا هذا المصطلح في بيئة الثقافة العربية للاحظت أنها تقع في إشكالية مع الجماعات التي تحاول طوال الوقت الاستيلاء على المعنى، ولقد كتبت عن هذه الظاهرة بشكل مكثف وهي محاولة اختطاف المعنى وهذه المحاولة بحاجة إلى تحرير هذا المعنى وهو ما يقتضي منا الضبط الاصطلاحي ومن هنا تكمن هذه الأهمية للتفرقة التي يطرحها مؤلف الكتاب لعدد من القضايا والمصطلحات، وأبرزها مثلا مصطلحي النبي والرسول، وفكرتي المحكم والمتشابه. فمن من مجرد التفريق بين المصطلحات يقف المؤلف أمام عدة تفسيرات من قبيل معنى قوله تعالى "يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال" وهنا يورد لماذا لم يقل "يا أيها الرسول" لأنه لو كان "يا أيها الرسول" لكان الأمر رساليًا وثابتا ومتصفا بالديمومة، ولكن "يا أيها النبي" تتخذ صفة نسبية، فالنبوة التي انتهت بوفاة النبي، لا تتسم بصفات الديمومة، ومن ثم ينفي الكاتب أيضا في مؤلفه استمرار جهاد الطلب وفكرة الإغارة المستمرة على أقوام هانئين بدعوى اختلافهم.
واوضح أن المؤلف يقدم طرحًا نموذجيًا يفك العديد من الأزمات التي أوقعتنا فيها الجماعات وتفسيرها الأحادي، والتفسير القاصر لبعض الفقهاء، ورغم أن هذه الأمور التي تطرحها الجماعات مخالف للعقل، وإذا أخضعتها للعقل سوف تصل لتهافتها، فإنها لا تزال بحاجة إلى توضيح ، وعندما يوردها المؤلف فهو يرد عليها من داخل النص نفسه وهي مسألة مهمة.
مختتما حديثه، بأننا أمام كتاب ممتع، ودافع للتأمل والتفكير، مبني على آلية السؤال، والحوار العقلاني، والكشف عن المسكوت عنه فيما صنعته جماعات الإسلام السياسي من قتل وسفك للدماء، وتعزيز للتعصب، وإمحال للمعنى، وضرب للقيمة، وادعاء احتكار الإسلام.