تُعرف الشهادة في سبيل اللَّه بأنها «بذل النفس نصرةً لدين اللَّه لأجل إعلاء كلمة الحق وتكون كلمة اللَّه هي العليا»؛ فالشهادة منحة ربانية يختص بها من يشاء من عباده ولا يحصل عليها إلا من أحبه، قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران - 140]؛ فالشهادة يصطفي اللَّه لها من يشاء عباده المخلصين؛ فهي قمة البطولة والإقدام، وذروة الفداء والتضحية، وأعلى قيم الوطنية وأرقى منازل الشرف، وأرفع درجات التعبير عن الولاء والانتماء لهذا الوطن، وصدق النية سبب لبلوغ الأجر والثواب؛ فعن سهل بن حنيف رضي اللَّه الله عنه، أن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «من سأل اللَّه تعالى الشهادة بصدقٍ بلغه اللَّهُ منازل الشهداء وإن مات على فراشه» [رواه مسلم]؛ فمن طلب الشهادة في سبيل اللَّه وكان صادقًا ومخلصًا في نيته للَّهِ عزَّ وجلَّ ولم تتيسر له بلغه اللَّه منازل الشهداء فضلًا منه، والشهداء أرفع الناس درجةً بعد النبيين، والصديقين، وألحق بهم الصالحين، وأخبر أنهم من المنعمين، فقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء- 69].
تُعدُّ مناسبة يوم الشهيد التي تحتفل بها مصر يوم التاسع من شهر مارس من كل عام، يوم استشهاد رئيس أركان حرب الجيش المصري، تخليدًا واعترافًا بجميل شهدائنا الأبرار من رجال القوات المسلحة البواسل؛ قادةً وضباطًا وجنودًا، الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أن يبقى الوطن حرًّا عزيزًا شامخًا يعيش أبناؤه في أمن واستقرار، وسيبقى ما قدموه مصدر إلهام وفخر واعتزاز لكل إنسان وطني، وسيبقى كل شهيد من شهداء الوطن أيقونة للإنتماء والولاء والوطنية.
يوم الشهيد هو يوم الوفاء والعرفان، ومناسبةً وطنية نستذكر فيها أمهات الشهداء وآباءهم وذويهم الذين زرعوا في ابنائهم حب الوطن والانتماء إليه، وتقبلوا ارتقاء أرواحهم الطاهرة إلى ربها فداءً للوطن برضا واحتساب وفخر وضربوا أروع المثل في الصبر والوطنية، من أجل أن تظل راية البلد خفاقةً، ولقد بيّن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، أن هناك أنواعًا عديدةٍ من الشهداء؛ فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: إن شهداء أمتي إذًا لقليل، قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد» [رواه مسلم]، وعن سعيد بن زيد، رضي اللَّه عنه، عن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «من قُتل دون ماله فهو شهيدٌ، ومن قُتل دون أهله، أو دون دمه، أو دون دينه فهو شَهيدٌ» [صحيح النسائي والترمذي وأحمد]، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه قال: «سُئل رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عن الرجل يُقاتل شجاعةً، وَيُقاتل حميةً، وَيُقاتل رياءً، أَيُّ ذلك في سبيل اللَّه؟ فقال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا، فهو في سبيل اللَّه» [متفق عليه]؛ فأعلى هؤلاء الشهداء هم الذين يُقتلون في سبيل اللَّه، كما قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران 169- 171]، اللهم ارحم شهداءنا الأبرار.