تحتفل الكنيسة الكاثوليكية بذكرى وفاة القديسة كاترينا من بولونيا- راهبة الكلاريس المتصوفة، الكاتبة، المعلمة، الفنانة
وُلِدت كاترينا في 8 سبتمبر 1413م، ببولونيا بشمال إيطاليا، وهي تنتمي لأرقى عائلات الإقليم، والدها هو "چوڤاني ڤيجري" يعمل بالقضاء، ووالدتها النبيلة "بينڤينوتا مامّوليني".
في صباها رُفِعَت إلى البلاط الأميري لـ "نيكولو الثالث ديستي" ماركيز فيرّارا، أصبحت وصيفة "پاريسينا ديستي" زوجته، وصارت صديقة عُمر لابنتها "مارجريتا ديستي".
وخلال تواجدها في البلاط الأميري، أتُيحت الفرصة لها للتعليم الأساسي بالقراءة والكتابة، وأيضًا الموسيقى والغناء، والرسم.
عام 1426م، أُعدِمت الأميرة "پاريسينا ديستي" لاتهامها بخيانة زوجها، فغادرت كاترينا القصر الأميري، وبدأت تشتاق لحياة التكريس. في البداية انضمت لمجموعة من النساء الناسكات المتقشفات، لا ينتمين إلى رهبانية بعينها، لكنهن مُلتزمات بعهود الفقر والطاعة والعفة، ويعتمدن الروحانية الأغسطينية في حياتهن الروحية، في وقت لاحق أصبحت بعضهن تتبع الروحانية الفرنسيسكانية وصِرن مجموعة منفردة، فاختارت كاترينا الإنضمام إليها.
عام 1431م، تحوَّل المكان الذي يضمهن إلى دير للكلاريس الفقيرات في كوربوس دوميني وبدأ بعدد 12 راهبة وبحلول أواخر القرن الخامس عشر صار العدد 144 راهبة.
عاشت كاترينا بهذا الدير الجزء الأكبر من حياتها من عام 1431م إلى 1456م، كانت خلالها مُعلمة للراهبات المبتدئات، كما كانت لا تتوانى برغم خلفيتها الأرستقراطية عن القيام بجميع الأعمال الديرية كغسل الملابس وأعمال النظافة المختلفة، وتعتبر الطاعة واجب لترقية النفس.
كانت تلاحظ دائمًا نقاط القوة الروحية في أخواتها بالدير، وتحاول اكتساب كل الفضائل التي تكتشفها فيهن، وبدلًا من أن تحقد عليهن كانت تتحلّىَ بغيرة رسولية من أجل الكمال المسيحي، وتستعين بروح الله من أجل التركيز على تحسين وتطوير مسيرتها الروحية نحو الأفضل.
بسبب نُسكها المُميَّز وتصوفها، شهدت الكثير من الرؤىَ، فقد رأت السيد المسيح أكثر من مرة، وكذلك العذراء مريم والقديس يوسف العفيف. كذلك شعرت بالروح بحال النفوس المعذبة في المطهر، وتراءت لها رؤية عن معاناتهم، فكرّست الكثير من الإماتات والأصوام والصلوات من أجل الترحيم عليهم، وكذلك من أجل منع المزيد من البشر من مصير الإبتعاد عن الله في الأرض والسماء، وجعلت من اهتداء الخطاة صلاتها ورغبة قلبها الغير منقطعة. كذلك تنبأت بالروح عن سقوط القسطنطينية الذي حدث بالفعل عام 1453م.
عام 1456م، أُسندت إليها مهمة رئاسة دير جديد للكلاريس الفقيرات ببولونيا، تحت اسم دير الجسد الأقدس أيضًا، فترك فيرارا مع إثنتي عشر أخت أخرى، لتعمير الدير الجديد واستقبال الراهبات المستجدات فيه، وقد بقيت رئيسة لهذا الدير حتى وفاتها.
أشهر كتابات القديسة كاترينا البولونية هو كتاب "الأسلحة الروحية السبعة الضرورية لمواجهة التجارب" الذي شرعت في كتابته عام 1434م، ثم استكملته ما بين عامي 1450م إلى 1456م، وقد حاولت تجميع كل خبراتها في المحاربات الروحية الكثيرة التي واجهتها بنجاح بسبب هدوئها وثقتها بروح الله القادر على الإنقاذ. كما تحكي فيه عن الرؤى الروحية التي شهدتها، حيث رأت المسيح وكذلك رأت الشيطان.
وقد أخفت هذا الكتاب ولم تُظهره إلا قبيل وفاتها حيث سلمته باليد إلى مرشدها ومُعرِّفها، وأعربت له عن رغبتها في نسخة وإرسال هذه النسخة لأخواتها بدير فيرارا الذي بدأت فيه حياتها التكريسية. وقد تم تنفيذ وصيتها وأرسلت النسخ المتعددة ليس لدير فيرارا فقط بل للكثير من أديرة الكلاريس الفقيرات حول العالم. وقد كان هذا الكتاب سند قوي في ملف تطويبها. كما تم ترجمته اللاتينية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والبرتغالية والإسبانية، وكان له أثر بالغ في إستمرار التصوف كحالة روحية سامية رغم محاربته في العصور الحديثة.
في هذا الكتاب تحدّث بصيغة الضمير الغائب للتبليغ حول النِعَم غير العاديّة التي يمنحها إيّاها الرب،ّ فيما تعترف هي بصيغة المتكلّم بخطاياها وضعفاتها. ويعكس كتابها نقاء إيمانها بالله وتواضعها العميق وبساطة قلبها وحماستها التبشيريّة وعاطفتها من أجل خلاص النفوس. وتُحدِّد سبعة أسلحة في الصراع ضد الشرّ، ضدّ الشيطان:
1- الحماس والاهتمام بعمل الخير دائمًا.
2- الإيمان أنّه لا يمكننا أبدًا فعل أيّ شيء صالح حقًّا بمفردنا دون معونة الله.
3-ثقةً بالله، وحبًّا به، لا نخاف أبدًا المعركة ضدّ الشر، سواء على المستوى العام أو على المستوى الشخصي.
التأمّل الدائم بأحداث وكلمات يسوع المسيح، لا سيّما ما قاله في آلامه وموته.4-
- تذكُّر أنه لابد من العبور من بوابة الموت، وتذكُّر رحمة الله مع الاستعداد
- الشوق والتأمل الدائم في جمال الحياة الأبدية مع الله.6-
7-أن تكون لنا أُلفة بالكتاب المقّدس، وخبرات القديسين والكتابات الروحية والتكوينية، فنحملها دومًا في قلبنا كي توجِّه كلّ أفكارنا وأعمالنا.
كذلك من أعمالها ككاتبة بعض الرسائل الروحية القصيرة التي ضمها كتاب اسمه "التسبيح". كما تركت لنا كثر من 5000 بيتًا شعريًا باللغة اللاتينية، مُجزئة إلى ثلاث أجزاء هي "الوردية" و"الحدائق الإثنا عشر" و"العظة".
بالنسبة لأعمالها الفنية، زخرفة الأحرف الأولى من الصفحات بمؤلفاتها، وهو نوع من الفنون كان مُعتادًا في القرون الوسطى، وخلال هذا العمل الفني كانت تتأمل النص الكتابي الذي تنقله لمؤلفها بعمق وتضيف أكثر من 1000 نموذج للصلوات والمناجاة الروحية بينها وبين الله، كذلك كانت مُحبة لرسم صور القديسين بشكل خاص القديس فرنسيس الأسيزي والقديسة كلارا اسيزية مؤسسا رهبنتها، وأيضًا القديس أنطونيوس البدواني والقديس توماس بيكت، والقديسة مريم المجدلية والقديس وبولس والقديس چيروم، والقديسة كاترين السكندرية التي اتخذت اسمها تيمُنًا بها. كذلك أعادت رسم لوحات لمريم العذراء تحمل الطفل يسوع،موجودة بكنيسة الدير الصغير. وأيضا لوحة المُخلِّص، ويُعتقد أنها رسمت صورة لوجهها كعادة معظم الفنانين على إهداء لكتاب الأسلحة الروحية السبعة
وأيضًا كان لها القدرة على قراءة النوتة الموسيقية والعزف الجيد على الآلات الوترية.
إلى أن توفيت الأم كاترينا بعطر القداسة في يوم 9 مارس 1463م، بعمر التاسعة والأربعين، في الدير ببولونيا، وتم دفن جثمانها بمدافن الدير. بعد 18 يوم على الدفن بدأت تنبعث رائحة عطرة من القبر على خلاف الطبيعي، وتم استخراج الجثمان الذي وُجِدَ مُتماسكًا وبدون أثار جسيمة للتلف. فتم وضعه في كاپيلا ديلا سانتا وهي كنيسة صغيرة داخل الدير مجاورة لكنيسة الجسد الأقدس الرئيسية به. حيث تم وضع القديسة بملابس الرهبنة جالسة على كرسي أمامه حائل زجاجي، مُمسكة الصليب بكلتا يديها.
تم تطويبها عن يد البابا "كليمنت السابع"، عام 1524م.
صارت قديسة على مذابح الكنيسة الجامعة عن يد البابا "كليمنت الحادي عشر"، عام 1712م.