«سيدة الغناء العربي» لقبٌ ما إن يقع على مسامعك؛ إلا ويتبادر إلى ذهنك أنه لسيدة ملأت الدنيا بصوتها العذب؛ وصالت وجالت حنجرتها الرنانة مشارق الأرض ومغاربها، ولمس إحساس منطُوقها قلوب الملايين غنيًا كان أم فقير، تلك هي السيدة التي تفردت بمكانة لم يصل لمثيلها غيرها من النساء؛ إنها قيثارة الغناء العربي - أم كلثوم - التي قلما أن يجُود الزمان بمثلها.
من إحدى قرى مدينة السنبلاوين شمالي القاهرة وتحددًا طماى الزهايره، خرج إلى العالم ذاك الصوت الشجن والحنجرة الذهبية التي أطربت الشعوب؛ والتي لا تزال تصدح بأعذب وأرقى المقطُوعات الغنائية لكبار الشعراء؛ وعكف على تلحينها عباقرة الغناء والموسيقى في مصر والوطن العربي؛ وأسر إحساس صوتها قلوب الملايين؛ هي تلك السيدة التي نالت أرقى وأعلى الأوسمة والنياشين عربيًا ودوليًا، ووقف لها الملوك والرؤساء والوزراء احترامًا وتقديرًا؛ وخطف رُقي إحساسها وعذبِ منطُوقها عقول القاصي والداني؛ تاركة خلفها إرثًا من الفن والطرب الجميل قدر بنحو 320 أغنية، صُنفت «الأطلال» من بينهم ضمن أفضل 100 أغنية في القرن العشرين.
هنا على ضفاف النيل، وتحديدًا فى منطقة المنيل بمبنى مُلحق بقصر المانسترلي، أقُيم متحف سيدة الغناء العربى أم كلثوم على مساحة تقدر بنحو ٢٥٠ مترا، تكريمًا لدورها الفنى الأصيل، والذى بات منارة فنية وثقافية للأجيال الجديدة، فهى المرأة الوحيدة التى أقيم لها متحفًا فى مصر باسمها؛ تعظيمًا لقيمتها وقامتها الفنية والثقافية رفيعة المستوى. وتزامنًا مع ذكرى وفاتها الـ ٤٨؛ كانت لـ«البوابة» جولة داخل المتحف.
عام ٢٠٠١، افتتحت وزارة الثقافة متحف أم كلثوم بمنطقة الروضة بالقاهرة، وما إن تطأ قدماك هذا الصرح المعمارى ذات الطراز الكلاسيكى الهادئ الكائن على ضفاف النيل بروضة المنيل، بعد أن تحصل على تذكرة دخول بـ١٠ جنيهات فقط؛ إلا وتجد تمثالًا من الحجر الألمس لسيدة الغناء العربي؛ ومُجسمًا حجريًا على شكل آلة قانون مُدون متحف أم كلثوم - العربية والإنجليزية - وضعا أمام مدخل المتحف الذى يعج بمقتنيات أشهر سيدة مصرية وعربية فى الشرق الأوسط.
وما إن تدخل المتحف الذى تنيره الأضواء الهادئة؛ إلا وتجد جداريات المتحف الصغير؛ سوداء اللون؛ وممتلئ بالمقتنيات الثمينة سواء كانت خاصة أو عامة لسيدة الغناء العربي؛ والتى لا تدل على الثقافة والذوق الرفيع الذى كانت تتمتع به أم كلثوم فقط؛ بل أنها تعبر عن رؤية ثقافية فنية لقرن كان يؤمن بالثقافة والفن ذات الطراز النفيس.
يحتوى المتحف على العديد من المقتنيات الشخصية من بينها الملابس، والحقائب، والإكسسوارات، والأحذية، التى كانت ترتديها أم كلثوم؛ بالإضافة إلى متعلقات شخصية ثمينة وذات ذوق رفيع للغاية؛ كما تضمنت صناديق العرض الفساتين التى كانت ترتديها أم كلثوم فى حفلاتها؛ ناهيك عن العديد من الأوسمة والنياشين رفيعة المستوى التى نالتها سيدة الغناء العربى محليًا ودوليًا؛ إضافة إلى العديد من الصور النادرة جدًا التى تتزين بها حوائط المتحف.
لم تكن المتعلقات الشخصية وحدها التى تزين متحف أم كلثوم؛ فهناك العديد من الخطابات التى تلقتها أم كلثوم من أبرز القادة والشخصيات العامة والمرموقة محليا وعربيا؛ لعل من بينها "برقية الملك فاروق والرئيس الراحل جمال عبد الناصر"؛ إلى جانب عدد من النسخ الأصلية لـ"نوتة الغناء" من بينها أغنية "هذه ليلتي" للشاعر الكبير جورج جرداق وألحان الموسيقار العبقرى محمد عبدالوهاب؛ بالإضافة إلى وثائق للكثير من الشخصيات الفنية والموسيقية التى أثرت فى حياة كوكب الشرق.
يحتوى المتحف على قاعة رئيسية محفوفة بفتارين العرض والعديد من الصور النادرة؛ إلى جانب سينما عرض فرعية لمشاهدة الفيلم الوثائقى - المترجم للفرنسية والإنجليزية - والذى يأخذك فى رحلة فنية زمنية عن حياة أم كلثوم؛ بدءًا من نعومة أظافرها وحتى تربعها على مجد الغناء العربي؛ إلى جانب إذاعة عدد من أغانيها التى أسرت قلوب الملايين من المحبين والعاشقين لغناء "شمس الأصيل" والتى لم يغب صوتها عن الآذان رغم رحيل جسدها منذ ٤٨ عامًا.
ولعل أغلى ما يحتويه متحف أم كلثوم؛ هى المكتبة الأصلية لإسطوانات أغانيها؛ بالإضافة إلى البروش الهلالى المرصع بالألماس؛ والذى كانت ترتديه على فساتينها فى أغلب حفلاتها؛ إضافة إلى العديد من آلات السمع النادرة والثمينة للغاية؛ ومنها جهاز جرامافون وجهاز عرض سينمائى، وبيك آب، إلى جانب الراديو ومُسجل الصوت وماكينة تشغيل الاسطوانات والتى تعود للقرون الماضية؛ تلك الآلات التى سجلت وعرضت صوتها القوى الذى ملأ السمع وطاف العالم أجمع، وحتى بعد ٤٨ عامًا لا يزال يغرد صوتها الفياض ليطرب السامعين والمنصتين وأصحاب الذوق الرفيع.
وفى إحدى أجنحة معرض "صاحبة العصمة" كما لقبها الملك فاروق؛ جواز سفرها الدبلوماسى مُدون أعلاه "لجميع بلاد العالم"؛ والصادر عام ١٩٧٣؛ إلى جانب نظارتها المرصعة بالألماس وأخرى عادية؛ يأتى هذا إلى جانب العود المدون عليه عبارة "لا يعرف المرء فى عصره".
وتحدثت «البوابة» مع خازن أسرار متحف أم كلثوم؛ حاتم البيلي، وأكد أن المتحف يضم العشرات من المقتنيات النادرة والفريدة جدًا لسيدة الغناء العربى من بينها البروش الهلالى المُرصع بـ٣٦٥ فصًا من الألماس والنظارة السوداء المُرصعة أيضًا بالألماس. وعددًا من الفساتين وآلات العزف والاستماع النادرة والقيمة والفريدة فى الوقت الحالي.
وأضاف «البيلي»، أن المتحف يضم عددًا من مُذكرات أم كلثوم التى كُتبت بخط يدها؛ إلى جانب مجموعة من المُسودات الأولى التى كُتبت لأغانيها من أشهر الشعراء، إلى جانب مكتبة سمعية لإسطوانات الغناء؛ بالإضافة إلى عدد من الأوسمة والنياشين التى قدمت لأم كلثوم محليًا ودوليًا.
وأكد مدير متحف أم كلثوم، أن ما تم جمعه فى المتحف؛ ليس كُل مقتنيات أم كلثوم وأن هناك العديد من المفقودات التى تم بيعها قبل بناء المتحف؛ لافتًا إلى أن البدء فى جمع مُقتنيات أم كلثوم جاء بعد وفاتها بـ ٢٥ عامًا؛ وأن أغلب المقتنيات التى تم جمعها بالمتحف كان من الأقارب والأصدقاء، مُناشدًا كل من يمتلك مُقتنيات لأم كلثوم بإهدائها للمتحف.
وعن زوار المتحف، أكد أن كل السفراء إلى مصر يأتون لزيارة المتحف من بينهم "بولندا – ألمانيا – البرازيل – المكسيك – الأرجنتين"؛ ولكن سفراء ومواطنى دول الخليج هُم أكثر زائرى المعرض بشكل خاص، وتحديدًا مُواطنون ومسئولون بدولة الإمارات.
وأكد حاتم البيلي، أنه خلال الفترة ما بين ١٩٧٥ وحتى عام ١٩٩٨ لم يكن هُناك أى فكرة لإنشاء متحف لجمع مُقتنيات أم كلثوم؛ وخلال هذه الفترة بيعت كل مُقتنيات أم كلثوم ذات القيمة المادية الثمينة من ذهب وألماظات وغيرها؛ وتم شراؤها من قبل الأثرياء.
وأوضح أنه يأمل فى تدشين حملة مُكبرة لإعادة مُقتنيات أم كلثوم المُباعة؛ لافتًا إلى أن تواجد مُقتنيات أم كلثوم فى المتحف، سيكون ذات قيمة أكبر بكثير من تواجدها لدى الأشخاص؛ مؤكدًا أنه يُجرى الآن ترميم دقيق لمقتنيات أم كلثوم وذلك لمد الأجل العمرى لمقتنيات سيدة الغناء العربي.