الموسيقار هاني مهنى، من أفضل العازفين على آلة "الأورج" على مدار خمسين عامًا، وكانت النقطة الفارقة فى مشواره الموسيقى هى عمله مع سيدة الغناء العربى أم كلثوم، والذى جاء صدفة، حسب قوله، عندما غضبت من مجدى الحسينى بسبب عزفه "صولو" فى إحدى حفلاتها فقررت ألا تتعاون معه واختارت هانى مهنى للعمل معها وهو ما اعتبره شرفًا كبيرًا.
"البوابة ستار" التقت به، للتعرف على الفترة التي عمل خلالها مع «الست» وكيف استفاد منها.
■ كيف كان أول لقاء جمعك مع سيدة الغناء العربي؟
- أول لقاء معها جاء صدفة فى حفل عند زوجة أمير الكويت على شرف أم كلثوم، وغنت فى ذلك الحفل الفنانة الراحلة فايزة أحمد، وكنت أعزف فى الفرقة الموسيقية وبينى وبين أم كلثوم مترين، وكانت ترتدى النظارة وتمسك المنديل وتضع قدما على قدم، وأثناء عزفى نظرت إلى "فايزة" التى ذهبت للسلام عليها، ولكن أنا "اتكسفت"، فوجدتها تنظر لي، وأشارت لى قائلة: "تعالى" أنت مكسوف تسلم عليا، قلت: "محبتش أزعجك"، قالت: "لا إزاى أنت أحسنت جدا ومتعتنى بعزفك». وشعرت بسعادة كبيرة جدا داخلي، وتمنيت، أن أعمل معها، والحمد لله حدث ذلك فيما بعد.
أما عن أول تعاون معها، فكانت هى صاحبة القرار بالطبع، وقبلها بأيام كان هناك موقف مع الموسيقار مجدى الحسينى فى أغنية "من أجل عينيك"، فـ"مجدي" عمل «صولو» وبعض الحركات على الأورج، ونزل بوجهه فى الأورج والجمهور ضحك، وعندما التفتت خلفها، تأكدت أن الجمهور يضحك على حركات مجدى الحسيني، فأعطت إشارة للفرقة بالتوقف لبعض اللحظات، وسادت حالة من الصمت، لتعطى بعدها الإشارة إلى "الحفناوي" للاستمرار، ولم يعجب أم كلثوم هذا الموقف الذى فعله "مجدي"، ليكون آخر لقاء بينهما.
■ وكيف كانت تتعامل مع الموسيقيين أثناء البروفات؟
- بشكل "حرفي"، كانت تنظر للفرقة أثناء البروفات الغنائية، لترى وجوههم وانطباعاتهم، لتقرر هل تكرر المقطع مرتين أو ثلاث أو أربع مرات، وماذا يحتاج المقطع بالضبط، وكانت تعتبر الجمهور الأول لها هم الموسيقيين.
ولذلك كانت تهتم جدا بالتفاصيل، وتحترم كل فرد من أفراد الفرقة الموسيقية، وشخصيتها قوية ومتزنة جدا، ولا تتحدث كثيرا مع الآخرين إلا فى حدود المعقول، وفى نفس الوقت متواضعة وحنونة وكريمة مع كل من يتعامل معها.
■ أى الألقاب تفضلها لأم كلثوم؟
- لها ألقاب عديدة وجميعها مميزة وتعيش فى وجدان الجمهور المصرى والعربى وفى العالم، ومنها: سيدة الغناء العربي، وشمس الأصيل، وصاحبة العصمة، وكوكب الشرق، وقيثارة الشرق، وفنانة الشعب، وثومة وغيرها من الألقاب التى دائما ما أتذكرها ويتذكرها الناس بحب.
وما الأغنية المفضلة عندك لها؟
- كل أغانى كوكب الشرق عظيمة فى كل الأشياء، سواء قصائد أو أغانى بالعامية، وأسعدتنى طوال حياتي، وحتى الآن أستمع يوميا الساعة ٣ والساعة ١١ لحفلاتها وكأنى أشاهدها أمامى وأعيش معها فى الأجواء، فأم كلثوم قدمت معجزات، وكل أغنية قدمتها لها عبق وأداء خاص، فهى شخصية غنائية كبيرة، ومتميزة جدا، وعرفت كيف تدير صوتها بذكاء.
■ هل من الممكن أن نرى مثيلًا لها في الغناء؟
- كوكب الشرق لا تعوض، واستحالة يأتي أحد مثلها.
حدثنا عن طقوسها قبل الصعود على المسرح؟
- كانت فى طبيعتها قليلة الكلام، ولا تتحدث إلا للضرورة حتى تنتهى من الحفل.
■ وماذا عن دورها الوطني؟
- دورها الوطنى كبير جدا، فهى شخصية عظيمة وطنية مخلصة لمصر وللعرب، وكانت الحفلات داخل أو خارج مصر كل إيراداتها للمجهود الحربي، حتى الهدايا الخاصة بها، مثل "البروش الألماظ" أعطته لإعادة تأهيل للجيش المصرى العظيم، ودورها الوطنى لم يسبق وفعله أى فنان آخر.
كيف كانت ترى الحالة الغنائية فى وقتها؟
- كان هناك حراك فنى كبير وجميل، وكل المطربين سواء فايزة أحمد، أو نجاة الصغيرة، أو وردة، ينظرون للأغانى التى قدموها بمنظور هل تعجب كوكب الشرق وعبدالوهاب أم لا، وكلهم كانوا يعملون لها خاطرا كبيرا، وكانت أم كلثوم مثل العمدة فى الغناء فى هذا التوقيت.
وأنا سألتها شخصيا، مَنْ مِنّ المطربات تعجبك، قالت لي: "يعجبنى فايزة أحمد وشادية، وأحب "فايزة" لأن صوتها مميز جدا"، فسألتها لماذا شادية، قالت لي: "تغنى وهى تبتسم وكأنها تشعرك بروح الأغنية ولذلك أعجبت بها".
■ وكيف ترى المواهب الغنائية التي قدمت أعمال أم كلثوم؟
- أغلب المواهب الغنائية بدأوا حياتهم الفنية بالغناء لأم كلثوم، ومن الصعب أن تجد شبيها لأم كلثوم، لأنها كانت تمتلك القوة والإحساس فى نفس الوقت، ولو المطرب أو المطربة امتلك الصوت القوي، سيأخذ ذلك من إحساسه، وصعب جدا تجمع بين الصفتين كما فعلت أم كلثوم فى موهبتها.
وأرى أن المطربة ذكرى الوحيدة التى جمعت بين الصوت القوى والإحساس، وهذه موهبة لم تحدث إلا قليلا، رحم الله أم كلثوم وعبد الوهاب وبليغ وكل أهل الفن.